الرئيسية | أقلام حرة | هل الضغط الجماهيري بات بوابة للاستجابة المطلبية ؟ الحسيمة نموذجا

هل الضغط الجماهيري بات بوابة للاستجابة المطلبية ؟ الحسيمة نموذجا

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل الضغط الجماهيري بات بوابة للاستجابة المطلبية ؟  الحسيمة نموذجا
 

 

المشهد العام

 

منذ مأساة فكري ، والأحداث الجماهيرية تتوالى بمنطقة الحسيمة ؛ بدءا بتظاهرات احتجاجية حينا ومسيرات حاشدة إلى اعتصامات عارمة حينا آخر .. ولم تكن لتخلو أحيانا من اصطدامات مع السلطات الأمنية . حملت هذه التظاهرات مطالب بإجراء تحقيق وراء الوضعية السوسيواقتصادية الكارثية لأهالي المنطقة ، ومهنيي الصيد البحري بخاصة ؛ والتي كشف عنها المقتل التراجيدي لابن الحسيمة . كان من أبرز ردود فعلها ـ على المستوى المحلي ـ انخفاض غير مسبوق لأسعار السمك بمعدل قارب 70% ، لكن هذا "الطعم" لم يجْد نفعا في تسكين غضب الشارع الريفي ، بل أخذ منحى في اتجاه التصعيد وظهور معالم جديدة ؛ يمكن استشفافها من خلال الرموز التي رافقت هذه الوقفات الاحتجاجية نفسها .

 

ثقافة الصمت الخنوع

 

تاريخ المغرب حافل بالمحطات ذات الدلالات الاجتماعية ، وتعاطي الجمهور مع الأحداث والوقائع عن قرب ؛ فقد كان الصمت وابتلاع الصدمات ، الثقافة المهيمنة ؛ تبلورت خلال العهد الكولونيالي وتكرست على أيدي السلطات المغربية ، وبلغت أوْجها في عهد ما اصطلح عليه "بزمن الرصاص" ؛ زمن أن كان المواطن وما زال بالكاد "في خدمة السلطة" وليس العكس . وبغرض تقريب القارئ من معالم هذه الثقافة الخنوعة نورد فيما يلي حالات ما زالت شائعة :

 

- داخل المرافق الاجتماعية ، لم تكن ملاحظة المواطن (فردا أو مجموعة) لتفضي إلى تغيير في السلوك الإداري المتبع ؛

 

- تأخر أو تعطل العلاج في مستشفى عمومي ، فالأمر عادي بالنسبة للمواطن ؛

 

- وقوع عطل في خدمة اجتماعية عمومية (انقطاع في التيار الكهربائي أو المياه ..) لا يجدي معه نفعا الاتصال بالجهات المكلفة ؛

 

- الإضراب عن العمل كان دوما مرفوقا بالتدخل العنيف من قبل السلطات ، أما الإضراب عن الطعام فقد ظهر هذا الشكل

 

الاحتجاجي في الآونة الأخيرة .

 

وسائل التواصل الاجتماعي والانفراج في الحقوق

 

لعبت هذه الوسائل دورا استراتيجيا خطيرا في تلقيح الجماهير بحقنة ذات مفعول قوي في تعبئتها وتوعيتها بما يجري حولها ، وأحيانا حملها على النزول إلى الشارع وخوضها معارك سلمية واحتجاجات ضاغطة أدت ؛ في دول عديدة ؛ إلى تغيير في مسارات السياسة العامة نزولا عند رغبة الجماهير المحتشدة ورضوخا إلى مطالبها .. وهو الدور الذي لم تستطع النقابات الاضطلاع به في مشد التعبئة الجماهيرية أو إثارة الرأي العام ، والهيئات المختصة تجاه قضية أو ملف مطلبي معين . وقد كانت لخطورة هذا التواصل الاجتماعي تبعات جد هامة عملت على إيجاد انفراجات واسعة في مجال الحريات وحقوق الإنسان ؛ أفرزت ـ لدى الجماعة وبشكل عام ـ جرأة غير مسبوقة في رفع صوت الاحتجاج داخل منشأة أو مرفق إداري أو اجتماعي معين ، حتى تستتبعه وقفة حاشدة .. فتغيير في الحين ؛ تعلق الأمر بسلوك موظف أو عطب طارئ أو تأخر في أداء خدمة ما .

 

قضية الحسيمة على المحك

 

لاحظ الرأي العام الوطني والمحلي استئثار سلسلة الاحتجاجات التي عرفتها شوارع ومناطق الحسيمة باهتمامات وقلق السلطات المغربية ، مما دفع بهذه الأخيرة إلى استبدال العديد من المسؤولين ، وعقدها لكذا من اللقاءات والاجتماعات الماراطونية مع المنتخبين ومكونات المجتمع الحسيمي ، وأحيانا مع أفراد من المتظاهرين أنفسهم .. لكن كل هذه الجهود والمساعي لم تكن لتهدئ من غضب الشارع الريفي أو توقف شرارته ، بالرغم من كل وسائلها التقليدية التي كانت تراهن عليها إذا ما رغبت في وأد انتفاضة في مهدها قبل أن يعظم شأنها ؛ كاختراق صفوف المحتجين أو قصفهم بتظاهرة مضادة "البلطجة" أو احتوائها لأطراف معينة داخل التظاهرة .

 

وغني عن البيان أن السلطات المغربية تدرك جيدا مدى مفعول تدخلها بهذه الوسائل والنتائج التي قد تترتب عنها ، وبالتالي رأت أن استخدامها في "حالة الحسيمة" يعني صب الوقود على النار ، والانتقال إلى مواجهة دامية لا يمكن التكهن بنتائجها .

 

محفظة وزير الداخلية ب 2000 منصب شغل !

 

لا يمكن للباحث السياسي ؛ أمام شح في المعطيات والمعلومات ؛ أن يلامس كل العوامل والعناصر التي تعتمل داخل هذه الاحتجاجات الجماهيرية والجهات المستفيدة منها ، أو التي تعمل عل تأجيجها ؛ وإن كانت بعض التحليلات المتسرعة بهذا الخصوص اتخذت من "الرصيد التاريخي" للمنطقة وموقعها الجغرافي الحساس ، مدخلا إلى التشكيك في "براءة" هذه التظاهرات الهادرة ، بل هناك من الآراء من زعم بوجود أطراف "مشيطنة" داعية للانفصال ، وأخرى قاربت الموضوع وكأنه قريب من "عصيان مدني" مدعم من جهات خارج التراب الوطني وذات طموحات انفصالية وعلى صلة بجبهة البوليساريو . لكن حلول وزير الداخلية بالمنطقة

 

بمعية محفظة 2000 منصب شغل ، قد يكون المحك الحقيقي لمرامي هذه الوقفات الجماهيرية ، باعتبار أن الشغل هو الآفة التي يعاني منها معظم الشباب الحسيمي بمن فيهم العاطلون من حملة الشواهد .

 

وهل الحقوق تمنح تحت الضغط ؟

 

بيد أن توظيف هذا العدد الهائل ، دون سابق تخطيط أو موازنة (ميزانية) لمن شأنه أن يطرح تساؤلات عريضة ستلقي بظلالها على بقية المناطق المغربية المهمشة ، وبالتالي بروز معالم ثقافة جديدة ـ في إطار المطالبة بالحقوق الجماعية ـ قائمة على ركوب موجة من المظاهرات والاعتصامات المحلية ، وشل حركة المرور ... في بلدة ما ، وعدم الرضوخ للمساومات الهزيلة التي عادة ما تطرحها السلطات ؛ في محاولة منها ؛ لوضع حد لهذه الاحتقانات وإفراغها من مدلولها الحقوقي . على أن مصداقية الدولة في تعاطيها مع الأحداث والأوضاع باتت على المحك . فهل "عدوى الحسيمة" ستنتقل إلى مناطق أخرى .. وهل النسيج الاجتماعي للمناطق المغربية واحد قابل لاستنبات هذه الثقافة وبهذه الحمولة الثقيلة من الصمود والإصرار والتلاحم مثلما هو عليه سكان الريف .. أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟؟؟

مجموع المشاهدات: 746 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة