الرئيسية | أقلام حرة | متى يسعفنا القدر؟

متى يسعفنا القدر؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
متى يسعفنا القدر؟
 

 

و أنا أتأمل في حيرة و قلق دواليب الحياة و ما يصاحبها من مد و جزر، من أخذ و عطاء، من حزن و فرح.. أقف مذهولا أمام عجائب القدر ، كيف جعلنا مؤمنين أو بالأحرى منبطحين أمام مخرجاته و قراراته، كيف كان سندا لهذا رفع من شانه و قدره, و على نقيض من ذلك كان هلاكا و مصيبة لذلك الآخر آلمه و حط من مكانته، هكذا هو القدر ثابت في عقول الجميع، عادل مع فئة و ظالم لأخرى، رحيم بطبقة و قاس بأخرى...

أتذكر حديثي العابر مع أحد الأصدقاء ذات عشية، كيف ابتدأناه بالدعابة و المرح و قلوبنا على مقربة من بعضها، و أنهيناه بتنافر و عداء، لم استسغ كلامه و هو ينصح من أهلكهم قدرهم بتقبل الواقع و الخضوع له، فالحياة حسب إفادته النرجسية منزلتان : الأولى لحلفاء القدر و محظوظيه و الثانية لأعدائه و ضحاياه مع بعض الأدوار التبادلية المرتبطة بالزمن، يعتقد أن من حالفهم القدر قلة قليلة، في حين تبقى الغالبية العظمى تسبح في بحور الألم المرفوق بالصبر الذي لا مفر منه، حتى القدر يبقى انتقائيا و مجاملا للبعض، و دور الجميع ينحصر في الخنوع له و القبول به، هكذا كانت تصوراته للأمور، إيمان راسخ بسكون القدر مع خضوع الكل له غانمين كانوا أم خاسرين... 

بالنسبة لي، أومن أشد الإيمان بتفاعلية القدر و قابليته للتغير و المطاوعة شريطة توفر الإرادة و العزيمة الحقيقيتين، و بعيدا كل البعد عن تلك المقاربة الدينية التي لا تحتمل هذا النقاش لاعتبارات عدة أهمها أن الدين فوق الجميع و لا تقبل أحكامه القطعية هذا الأخذ و الرد في الآراء الشخصية، فتفاعلية القدر هي من تجعل أولائك المقهورين و المظلومين يؤمنون حقا بنصيبهم من الدنيا، يحلمون لو أصبحوا من تلك القلة القليلة ذات القدر الجميل، يتمنون حقا لو أهلتهم عزيمتهم الفذة أن يصلوا لطموحاتهم و أهدافهم رافعين جور القدر و ظلمه عنهم، فما الله بخالق للإنسان و هو مقيد له بقدر ثابت حتى لو أراد تغييره أو تفادي ما به من حزن و شقاء ما استطاع لذلك سبيلا، الله أرحم بنا من أنفسنا، و مجازٍ لكل فرد منا حسب صفاء و نقاء نيته، و ما عناد القدر و مشاكسته إلا حافز لكل المظلومين و المقهورين لمواصلة المشوار بكل عزيمة و إرادة من خلال طرق الأبواب و التحلي بالصبر، فلا ظلم مكتوب علينا للدوام و لا مصائب مقدرة لنا للأبد...

هكذا تتراءى الأمور لي، و هكذا يقودني تفكيري الحر و العقلاني كي استنتج ما أراه يطابق المنطق و التوجه السليمين، بعيدا عن أي تقوقع إديولوجي أو عقائدي، أقف متسلحا بذلك الفكر الحر مهما كلفتني الحياة من مصاعب و اتهامات، و أنشد ذلك القدر العادل بين الجميع مهما اختلفت ألوانهم و أعراقهم و ثقافاتهم.. المهم أن يحضى كل إنسان بفرصته نحو تكسير قيود القدر العنيدة و انتزاع مكانة بين المحظوظين.

مجموع المشاهدات: 1353 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة