المعارضة غير المسيّسة

لم تفهم الدولة أو لا تريد أن تفهم أن أساليب الإحتجاج على سياساتها تغيرت و أن الأجيال 

الجديدة ليس بمقدورها تحمل ما تحمله أسلافها فاحتجاجات اليوم تخرج من الشارع مباشرة و لا تمر عبر الحزب أو النقابة . 

  إن خطاب الديمقراطية و حقوق الإنسان الذي تروج له الدولة في الخارج من أجل تلميع صورتها رافقه ارتفاع في منسوب الوعي لدى فئات عريضة من الشباب ساهمت فيه وسائل الإعلام البديل الذي لا سلطة للدولة على التحكم فيه ، و الذي يؤطر الشباب و يزودهم بالمعلومة في التو و اللحظة ، و من يبحر في الفضاء الأزرق يجد الغليان في كل جنباته و هو أمر ينبغي التعامل معه بكثير من الفطنة لأن المحتج يعبر عن رفضه بسلمية و له مطالب بسيطة تدخل في منظومة حقوق الإنسان التي ترفع الدولة رايتها و يطبل لها الإعلام الرسمي . 

  مسيرة الحسيمة السلمية أبانت عن وعي عال لشبابها فهم من كان يحمي سيارات الشرطة من أي اعتداء محتمل .. سلمية و حضارية هذه المسيرة زادت من الضغط على الدولة و وضعتها في موقف حرج لأنها لم تجد ما يُجيز لها أي تدخل عنيف . كما أنها لم تجد ذمما يمكن شراؤها كما هي العادة لإسكات باقي الأصوات . 

  كان من المفروض على سياسيي هذا البلد "خدام الدولة الأوفياء" عِوَض أن يثبتوا حنكتهم السياسة في تثبيت مناصبهم و استغلال نفوذهم و تنمية ثرواتهم ، أن يثبتوها في إيجاد حلول لاعتصامات دامت شهورا في منطقة ذات جرح تاريخي قديم و ما يدل على غباء هؤلاء هو تصريحاتهم المنتقدة لحراك الريف ، فبالله عليكم شخص كالطالبي العلمي من المفروض أن يتابع بتهمة التهرب الضريبي لا تمثيلية له و لا محل له من الإعراب يأتي ليتهجم على من يطالب بحقه ، و قس عليه باقي "زعماء الأغلبية " مع التحفظ . أليست الدولة غبية حين تترك لهؤلاء مسؤولية تدبير أزمة بهذا الحجم و هم أول الهاربين مع أول زلزال .

  لدينا مع الأسف نخب سياسية متعفنة لا تفكر إلا في النهب و هم أول من يتحدث عن الوطن و الوطنية أما من يسائلهم و يطالب بحقه و يحتج على الأوضاع فمشكوك في وطنيته . نخب سياسية فاشلة تلعق الحذاء و تُمارس العهر السياسي مساء و تنشر خطاب العفة نهارا . 

  أعود و أقول أنه خطأ الدولة لأنها ميعت العمل السياسي و الحزبي و أقصت الفكر النقدي في مقابل تشجيع التفاهة السياسة فأطلت عليها رؤوس جاءت إلى السياسة من خارج المنظومة التقليدية و أعلنت ثورتها على كل ما هو متعارف عليه في فن الممكن .