الرئيسية | أقلام حرة | أكادير: مدينة تحتضر

أكادير: مدينة تحتضر

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أكادير: مدينة تحتضر
 

 

هناك بعيدا حيث يرقد جثمان والدي، في موطني و بلدي، توجد مدن خائبة و أخرى مهمشة، و بالمقابل هناك مدن تشهد تطور و تمدد و نمو و حركة، و الفرق بينهم هو تخطيط و إدارة و تنفيذ، أو إقصاء و تهميش.

 

و أكادير هي نموذج لتلك المدن الخائبة، مدينة ضيعت موعدها مع التنمية، و استحالت لعدة سنوات عجاف إلى صنم بليد من الأحجار و الزوايا و الحفر، و كأن مدينة الانبعاث تنتظر عنقاء جديدة حتى تنبعث من رماد الأيام المكلومة. مدينة أصابها الجمود و دوار البحر و الغثيان، حتى " أكادير أوفلا" جبلها الحارس، سأم من روث الجمال و الزوار و قناني الجعة التي تأثث سفوحه، مدينة أصابها حصار التنمية فاكتفت بسوقها و ساحتها التي تتحول في فصل الصيف إلى مربد للسيارات، و كورنيش ممد ينافس فيه البائعين و المؤجرين مع الراجلين و الزوار في مشهد غير حضاري تتدافع فيه الأكتاف و الأرداف و الوجوه مع الأصوات و الحناجر.

 

هذه المدينة التي ولدنا فيها لا تزال شاهدة على طفولتنا و مراهقتنا و شبابنا، لا تزال شوارعها و دروبها موشومة بأعمالنا الصبيانية و مؤامراتنا ضد الأحياء المجاورة، و حروبنا الصريحة و الباردة، لا تزال تلك الجدران و الأعمدة الكهربائية تحمل بصماتنا و بصمات أبائنا و أجدادنا، فالذاكرة لا تتعثر إلا بأماكن أحببناها بكل ما أوتينا بصدق، فيفضحنا الحنين رغما عنا، و الحنين هو وسيلتنا الوحيدة حين تبتلع الخيبة حناجرنا.

 

خيبة مدينة أكادير هو ما وصلت إليه من إقصاء و تهميش، من غياب إرادة حقيقية للمجلس البلدي في تنمية المدينة وفق إطاره القانوني و التنظيمي و الهدف الأساسي من إنشاءه، من غياب دور الإدارات و الوزارات المعنية في جلب الاستثمار و تجهيز البنيات التحتية و إقامة

 

الأوراش التنموية الكبرى، خصوصا و أن مدينة أكادير تتوفر على كافة المقومات الأساسية لتكون رائدة لجميع مدن المملكة، و هو ما يؤلمنا و يعمق جراح غيرتنا، فالذي يتألم و لا يتكلم، لا يعني أنه بليد أو قطعة من جليد، بل يعني أن ثمة ألما داخليا لا تعادله مرارة.

 

فتجميد مدينة أكادير هو احتقار معلن لأهلها و ساكنيها و روادها و تاريخها، و المهزلة الأخيرة التي كانوا أبطالها مسيرو المدينة، عندما علموا بزيارة مرتقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، من أجل تفقد أحوال المواطنين و نتيجة مخافتهم من المحاسبة عن تقصيرهم، واستغلال مناصبهم لخدمة مصالحهم و إهمالهم لتنمية المدينة و لشكاوى المواطنين، فقد كان الخبر كافيا أن يجلي غشاوة النوم من أعينهم و يرعد فرائسهم و يحرك العجينة في أمعائهم، فلجئوا إلى سياسة الترقيع و تزيين المدينة بالأشجار و الأعلام و اللافتات و صباغة الواجهات و ممرات الراجلين بمكياج رخيص و بتعبئة بشعة للعمال المياومين و الأطفال ضدا في مقتضيات قانون الشغل و اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صادق المغرب عليها، بينما المدينة تحتاج إلى عملية إحياء و إنعاش بعدما سرقت منها التنمية و ضاعت معها وصفات إحيائها ما بين الطب الشعبي و تعاويذ العرافات.

 

و حتى المبادرة التي ولدت لإنقاذها ظلت حبيسة وقفة يتيمة و مبادرات خجولة، قد تلفت النظر لكنها لن توقف مسلسل الجمود و الإقصاء و التهميش.

 

و الغريب أن ذلك التصنيف الاستعماري الذي درسناه في كتب التاريخ– المغرب النافع و المغرب غير النافع – قد أيقضه كسل و إهمال مسيرو المدن، فهناك مناطق تستفيد من الدعم السخي و أخرى مهمشة ، هناك مصانع و معامل و أوراش كبرى تستفيد منه جهات معينة فقط، و أخرى يعاني شبابها العطالة و الفقر و التهميش، و بالمقابل فقد صاغ الدستور الجديد ميلاد النظام الجهوي كأسلوب جديد في الإدارة قصد تسريع عملية التنمية، و الحرص على استفادة سكان الجهات من خيرات و مشاريع مناطقهم، لكن و لأن هناك مسافة فاصلة ما بين التنظير و التطبيق، فلا تزال مضامين التنمية و الحكامة الجيدة و الرشيدة رهينة بتوفر الرقابة و الجدية من الإدارات و المجالس المنتخبة.

 

لتظل أكادير تناجي خيباتها في حوار جهوري ما بين الموج والشط، و تبصق حسرتها على عناد واقع يرفض الارتقاء، لكنها تظل مهما حاولوا تهميشها، نجمة عالمة تضيء أرواحنا فيها.

مجموع المشاهدات: 2929 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة