الرئيسية | أقلام حرة | حراك الريف ورهان الجهوية الموسعة

حراك الريف ورهان الجهوية الموسعة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حراك الريف ورهان الجهوية الموسعة
 

 

حراك الريف، قد يكون رب ضرة نافعة، إذا ما ناقشنا الأمر من خلال مقاربة سياسة الدولة صوب مشروع تنزيل الجهوية الموسعة، التي انطلقت خطواتها الأولى منذ قرابة السنتين، وكذا حول الرهانات الكفيلة في إنجاح هذه التجربة على أرض الواقع.

 

إذا كانت قضية الصحراء المغربية، قد عجلت بتبني خيار الجهوية الموسعة، كمقترح لحل سياسي لصراع عمر طويلا، فإن حراك الريف، الذي يحمل في طياته مطالب اقتصادية واجتماعية، طرح إشكالية الجهوية الموسعة في بعدها التنموي، والسرعة المتفاوتة للتنمية بين الجهات، خصوصا وأن التقسيم الجهوي للجهات، الذي قسم جهات المملكة إلى 12 جهة، أفرز إشكالات عدم التوازن في توزيع الثروة والاستثمارات العمومية بين الجهات.

 

قد يكون من حظ منطقة الريف، إطلالتها على الواجهة البحرية للمتوسط، ومجاورتها للقارة العجوز، وهو موقع استراتيجي مهم، خفف من معاناتها مع الفقر وضعف التنمية، خصوصا وأن نسبة مهمة من سكانها استطاعوا الهجرة إلى مجموعة من الدول الأوروبية، وبالتالي كانوا معيلا مهما لعائلاتهم، وهو شيء يغيب عن جهات أخرى من المملكة، تجد نفسها منسية في مواجهة قساوة الطبيعة من جهة، وضعف اهتمام السياسات العمومية من جهة أخرى، كجهة درعة تافيلالت على سبيل المثال لا الحصر.

 

يمكن الجزم، أن حراك الريف بالإضافة إلى رفع المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة، من قبيل تهيئة البنية التحتية الأساسية، من قبيل المستشفيات والجامعات وتوفير مناصب الشغل عن طريق الاستثمار في جلب الشركات، فإنه قد ساهم في تأجيج هذا الحراك الحمولة التاريخية لمنطقة الريف، وأحداث الصراع بين السلطة وأبناء المنطقة في فترة أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، فضلا عن غموض علاقة الزعيم التاريخي لمنطقة الريف عبد الكريم الخطابي، المدفون بالتراب المصري، مع الدولة المغربية، وهي إشكالية، تهم الذاكرة المغربية، وتحتاج إلى فتح نقاش جدي، من أجل المصالحة مع الذاكرة الجريحة، وبناء وعي جديد، يكون أساسه تدعيم وحدة المغرب، وهدم المنطق الانفصالي، الذي يخاطب العواطف، أكثر من مخاطبته للعقل، الذي ينتصر لمبدأ الوحدة والتضامن، على الفرقة وتفتيت الدول وتأسيس كيانات مجهرية ضعيفة لا مستقبل لها.

 

على بعد سنتين من بداية تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، لا تزال المؤشرات غير مشجعة، فالهياكل التنظيمية الإدارية للجهات تشكلت، وتهافت الأحزاب على الفوز برئاسة الجهات، عرفت صراعا حاميا، لكن إلى حدود الساعة، لم يخرج رئيس جهة للرأي العام، بتصوراته ومشاريعه الجهوية المزمع إنجازها وتنفيذها، والتي على أساسها تم تصويت الناخبين المغاربة على حزبه، وهذا شيء قد نفهمه، نظرا لغياب عقلية التدبير المستقل عن نخبنا السياسية، التي تحتاج دائما إلى موافقة سلطة الوصاية، حتى أنه يصعب على المواطن، التفريق بين المشاريع الحكومية والمشاريع الجهوية ومشاريع المبادرات الملكية.

 

حقيقة، طموح الجهوية الموسعة، يواجه إشكالية الموارد البشرية المؤهلة لتنزيل ورش الإصلاح، فهي في حاجة ماسة إلى تكوين خاص، وعلى أعلى مستوى، يتطلب الخضوع إن اقتضى الأمر إرسال بعثات من الموظفين والطلبة والنخبة المتفوقة للتكوين للدول المتقدمة في الإصلاح الجهوي، فحال نخبنا السياسية بأحزابها يثير الحزن والأسى، ويرسمون صورة غير مشرفة عن التدبير السياسي، حتى أن فضائح بعضهم في صعوبات تواصلهم، وجهلهم بملفات وزاراتهم، باتت موضوع سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي.

 

احتجاجات منطقة الريف، أجبرت وفدا حكوميا من الوزراء على التنقل إلى تلك المنطقة، محملين بحزمة من المشاريع المستعجلة، وهي مبادرة تهدف إلى تطويق المشكل، لكنها ستطرح أسئلة عديدة من قبيل أسباب تعثر المشاريع المسطرة، وعن الجهة المسؤولة، وكذا دور رئيس الجهة، الذي من مهامه حل مشاكل جهته، وإلا فما جدوى الجهوية الموسعة، فضلا عن إعطاء الانطباع لدى المواطنين، بأن سقف تحقيق المطالب لصيق بوثيرة درجة الاحتجاج، مما قد يجلب مستقبلا مزيدا من الاحتجاجات في جهات أخرى من المملكة، المتضررة من الاستفادة من التنمية، وقد بدأت ملامحها في أزيلال وتنغير وغيرها.

 

ربما أن أزمة تشكيل الحكومة المغربية التي ناهزت حوالي الستة أشهر، زادت من تعميق فقدان الثقة لدى المواطن في نخبه السياسية، التي أبانت عن سلوك نفعي مصلحي فاق كل التصورات، هدفه الجلوس على السلطة ومراكمة الامتيازات، وتوظيف البرلمان في المصادقة على تشريعات تعارض مصالحه، إلى درجة تمرير قوانين تجعل الدولة تتملص من الأحكام القضائية لفائدة المواطنين.

 

من جهة أخرى، يمكن القول، بأن منطقة الريف، التحقت بركب جهة الصحراء المغربية، من خلال استغلال وضعية منطقتها الحساسة سياسيا، من أجل الضغط على السلطات، لتحقيق بعض المكاسب، التي ترى أنها محرومة منها، وهذا ما دفع الدولة إلى العزم على تخصيص مناصب مالية للتوظيف بالمنطقة، كسياسة تفضيلية كانت تنهجها ومازالت تسير على نهجها مع المناطق الجنوبية.

 

أزمة حراك الريف، ربما ستفتح النقاش الحقيقي، حول مفهوم الجهوية، ومعنى الجهة كجهة، التي يجب أن تتوافر فيها المقومات الأساسية، من خلال تواجد البنيات التحتية الضرورية والملحة في كل جهة على حدى، من مستشفى جامعي يجمع كل التخصصات، جامعة تتضمن كليات ومعاهد لجميع التخصصات، و مناطق صناعية وإنتاجية للتشغيل، وطرق وحدائق عامة، وسدود الخ.

 

من الواضح، أن التنمية أصبحت مطلبا اجتماعيا واقتصاديا ملحا، وبالتالي فمن الواجب استغلال ورش الجهوية الموسعة كسياسة استباقية، لكبح جماح الاحتجاجات، التي يستغلها البعض ويوظفها لممارسة رياضة الركمجة السياسية.

مجموع المشاهدات: 1065 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة