الرئيسية | أقلام حرة | هجوم لندن: "في انتظار تقييم للصحة العقلية للمنفذ"

هجوم لندن: "في انتظار تقييم للصحة العقلية للمنفذ"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هجوم لندن: "في انتظار تقييم للصحة العقلية للمنفذ"
 

 

الضحايا فاقوا العشرة، والهجوم تم بعملية دهس متعمدة، و ضد مدنيين في فضاء عام..، لكن مع ذلك فيجب انتظار خلاصة تحليل الصحة العقلية للمنفذ" لكي يحددوا هل الهجوم “إرهابي”؟، أو هو عمل إجرامي فردي؟ .

بالطبع مادام المنفذ ليس بعربي ولا مسلم بل هو بريطاني بشعر وعينان شقراوان، فالتبرير الذي سيقدم للصحافة جاهز مسبقا على أية حال، فالمنفذ في الغالب يا إما مريض نفساني (مع الحرص على جلب نسخ من ملفه الطبي، وطبيبه الشخصي إذا اقتضى الحال ذلك)، أو يقال أنه شخص يعاني مشاكل اجتماعية (أي بدافع اجتماعي)، أو أن الهجوم كان تصفية حسابات شخصية لا غير(طيش شباب يعني)…، المهم إحدى التخريجات المعهودة كما دائما، ويغلق الملف في يومه وساعته، على أمل انتظار هجوم بلمسة “عربية” أو “إسلامية” ليتسنى لكبريات قنواتهم ما تحلل وما تستنتج و تنظر…

حينما نقول أن صفة الإرهابي في الإعلام الغربي لا تجوز إلا مع الاسم العربي أو المسلم، يعتبر البعض ذلك تذرعا لتبرير العمليات وتشجيعا على الإرهاب، وعندما نرى ذلك في أرض الواقع، تجد أن الجميع يبلع لسانه، أوتراه هو الآخر يبحث معهم على مبررات ومخرجات للحيلولة دون إلصاق صفة “العمل الإرهابي” به، والتي هي بمثابة ماركة مسجلة وبحقوق محفوظة باسم العربي والمسلم فقط دون غيره.

ففي حالة إذا ما تم التأكد أن الشخص من قام بالهجوم، هو من تربة ونسل أوروبي غربي أبا عن جد، فشعره الأشقر وبشرته البيضاء الناصعة توحيان بذلك… حينها فلن تجد لا من يغير بروفايله من على الفايس بوك، ولا من يخرج في مظاهرة للتنديد، ولا حتى من يوقد شمعة كتعبير رمزي عن الحزن والتضامن…لأنه مادام بالصفات المذكورة ، فمن المؤكد أن القنوات ستخرج بروايات من قبيل، يا إما يعاني من مشاكل نفسية أو اجتماعية، أو شيء من هذا القبيل… أو تصل الوقاحة حتى لحد تبريره بأنه كان يدافع عن نفسه أو عن وطنه بريطانيا …المهم انه ليس إرهابي ولا يجب أن يقال عنه ذلك.

فليس القتل إذا هو من يحدد صفة الهجوم إن كان إرهابي من عدمه، ولا حتى عدد القتلى، أو حتى أداة الجريمة التي نفذ بها، لكن هوية القاتل هي البرهان والدليل القاطع الذي يعطي الضوء الأخضر للإعلام والمجتمع لنفت سمومه العنصرية والكراهية ضد العرب والأجانب، كما يحصل في العادة خلال كل عملية أو هجوم يحملونه صفة الإرهابي، فحتى لو يكن المنفذ من دولة عربية مسلمة حتى أن يكون مسيحي أو بهائي أو لا ديني أو حتى ملحد، لا يهم فاسمه العربي وملامحه الشرقية تفي بغرض إلصاق التهمة.

البعض طبعا سيقول إن الخلفية الدينية للجناة هي من تحدد ذلك في العادة ذلك، وأنه فقط نسعى كما دائما لتكرار نفس ذلك الخطاب من المظلومية والتآمر من الآخر…، لأن بريطانيا ودستور بريطانيا وحكومة بريطانيا..لا تفرق بين الأشخاص على أساس الدين أو العرق أو أي تمييز كيفما كان نوعه، لأن الجميع سواسية بحكم القانون…وليس الاسم أو الدين الذي ينتمون إليه…كما ندعي.

لكن الحقيقة بينت ولا تزال تبين لنا أن ذلك غير صحيح، ليس فقط في بريطانيا ولكن في معظم البلدان الغربية، أو في معظم إعلامها على الأقل، لأن العديد من عمليات الطلق الناري أو التفجير وقعت في بلدان غربية عديدة، بدوافع دينية مسيحية بالخصوص (هجوم النرويج سنة 2011 وخلف 78 قتيلا والذي نفذه أندريس بريفيك المنتمي لجماعة حراس الهيكلة المسيحية المتطرف، عديد عمليات إطلاق النار المختلفة في أمريكا...)، ولم تلصق لها صفة الإرهابي، بل إن الإعلام يتحاشى في الغالب الحديث عن تلك الخلفية، ويتجاهلها في معظم تحليلاته، على الرغم من حرص المنفذين أنفسهم على إظهارها والتباهي بها، كما حدث مثلا في النرويج قبل اقل من ثلاث سنوات.

ويسعى مقابل ذلك للبحث عن ذرائع أخرى تكف عنهم ذلك الحرج و لا تفضح نفاقهم وتعدد أوجههم، فتارة يبحثون في ملفه الطبي، وتارة أخرى تجدهم يبحثون عن مشاكله العائلية أو أي شيء مما يمكنهم أن يخفوا عنه ذلك الدافع الحقيقي وراء الجريمة.

لكن المثير  انه ليس الإعلام الغربي فقط هو من يسعى لذلك، بل إن إعلام من هو معنيين بالأمر وبالتهمة نفسهم، يسيرون على المنوال ذاته، أي كبرى القنوات في المنطقة العربية، ولسنا ندري إذا لم تكن هذه هي فرصتهم لكي يكشفوا ذلك النفاق وتعدد الأوجه لدى الإعلام والرأي العام الغربي على الأقل في جزئه الأكبر، ويصححوا تلك الصورة النمطية المغلوطة المشوهة فمتى إذا يكون لها ذلك؟ !!، اللهم إلا إذا كانت هي الأخرى متواطئة وحريصة على الإبقاء على تلك الصورة التي تجعل العمل الإجرامي يتخذ صفة الإرهابي” عندما يكون الطرف العربي هو المنفذ فقط.

ببساطة وكما يقول جون لوك” إنه يجب عليك دائما التوقف عن محاربة ما يستحيل تغييره” ، لذالك أيضا "كمسلم" و"كعربي" يجب عليك أيضا أن نتوقف عن محاربة ما يستحيل تغييره، إنه ببساطة عليك أن تتوقف عن السعي المستمر في الشرح والتوضيح في كل مرة ومناسبة لكي يصدق الآخر في الغرب ألا علاقة بين الإسلام أو المسلمين وبين الإرهاب، أو أن عليهم تغيير تلك الصورة النمطية الخاطئة والمغلوطة.

 صحيح أن الغربيين متضررين فعلا ومهددين في حياتهم وفي طريقة ونمط عيشهم بسبب تلك العصابات الإجرامية التي تتحرك بمنطق ديني إسلامي،  لكن الصحيح أيضا أن المسلمين هم الأكثر تضررا من غيرهم منها، بدليل أن ما يسقط من القتلى المسلمين بسبب الاعتداءات والتفجيرات من قبل هذه الجماعات أكبر بكثير مما يسقط من غيرهم بسببها، ومع ذلك وفيما يشبه المسلمة الرياضية غير القابلة للتغير في الإعلام الغربي، أصبح الإسلام هو الإرهاب وكل مسلم هو إرهابي .

فلربما أنه وكما أن للعرب هوس ب”نظرية المؤامرة”  لتبرير الفشل والعجز التام عن مجاراة الأمم المتقدمة، فللغرب أيضا نظريته الخاصة، لكن ليس لتبرير العجز أو الفشل، بل على العكس من ذلك ،إنها لإثبات التفوق القيمي والحضاري، وقد تكون بذلك نظرية “صراع الحضارات” هي المفسر الواقعي لشكل الصدام الحالي، والذي في حقيقته صدام عن الثقافة والقيم، السعي للتخويف وتقديم صورة مرعبة عن الآخر وثقافته وقيمه ونمط عيشه…، خاصة وأن طريقة تناول الموضوع سياسيا وإعلاميا ليست بريئة بالمرة ومصرة على أن تبرز الوجه القبيح فقط للمسلمين.

ولذلك فمادمنا نحن الحلقة الأضعف في الصراع، فإن ثقافتنا وفكرنا وديننا سيبقى دون تأثير، بل إن الآخر سيسعى إلى إحلال ثقافته بثقافتنا “البالية” (حتى وإن كان مؤمنا بكل القيم الكونية فذلك لن يغير في الأمر شيء) ، فالعربي والمسلم مادام غير مستعد و لا يستطيع العيش أو أن ينسلخ عن ثقافته وجذوره الاجتماعية التي تشكل عمود فقري حياته، على الرغم من أنه ابن البلد وعاش وترعرع فيه ويحمل جنسيته ، وتنمى في كنف ثقافته ونمطه الاجتماعي (بما يحمله من كل مغريات)، فإنه سيظل يحارب ويحارب حتى يبدلها بثقافة الغربي،وستظل تهمة الإرهابي باقية وتتمدد ولصيقة به وحده دون غيره.

مجموع المشاهدات: 1005 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة