الرئيسية | أقلام حرة | حفاظا على .. الوجود العربي !

حفاظا على .. الوجود العربي !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حفاظا على .. الوجود العربي !
 

 

سَقَطَ القِنَاعُ

 

عَرَبٌ أَطَاعُوا رُومَهم

 

عَرَبٌ وباعُوا رُوْحَهُم

 

عَرَبٌ.. وضاعُوا

 

محمود درويش : 1982

  

1 -  مرة أخرى نجد أنفسنا مضطرين إلى التأكيد على أن العالم العربي يعيش  راهنا وضعا سياسيا غير مسبوق بكل المقاييس . فبعد أن أجمع كبار المعنيين بقضايا الأمة العربية على تكلس الشارع ، و استكانة المواطنين و استسلامهم للأمر الواقع ، انطلاقا من " إيمانهم " بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أقر البعض الآخر بوفاة العرب و لم يتبق سوى " الإعلان " عن هذا الموت ، على إثر ما عاشته المجتمعات العربية من هزائم و ويلات عسكرية و حضارية ، تململ الجسد من جديد ، ممثلا في شباب عاش ثورة معلوماتية و اختبر بنجاح تقنيات التواصل الاجتماعي الافتراضي ، أملا في رؤية الضوء في نهاية النفق العربي المظلم ، خاصة و أن المؤسسات العربية الرسمية حققت نجاحا باهرا في حرمان المواطن العربي من أبسط حقوق المواطنة ، و جعله يئن تحت وطأة الإقصاء و التهميش و الفقر المادي و المعنوي ، مما حدا به إلى ركوب قوارب الموت و ما بعد " الموت " عسى أن يعثر على النزر  القليل من الكرامة . لم يعد و لن يعود الشباب العربي للاستماع مجددا إلى الأسطوانة المشروخة : لا شيء يعلو فوق صوت المعركة – تأجيل الانتقال الديمقراطي إلى حين تصفية القضايا القومية " الكبرى " .. إن الشباب العربي الراهن عقد العزم على وضع حد للأصولية الدولتية ، و تغول الأنظمة الحاكمة و مواجهة أنماط سياسية مهترئة ، و زعامات غارقة في أمراضها الفيزيائية و الماورائية ، كانت سببا محرقيا في تفاقم الاحتقانات الداخلية و الخارجية ، و نشر النعرات العرقية و الدينية و الفوارق الاجتماعية المدوية ، و تعميق بؤر الفساد و نهب الثروات .

 

2 -  لم تعد الغاية الأسمى للفاعلين السياسيين من شباب و مثقفين و أصحاب الضمائر الحية ، هي تغيير مسؤول بمسؤول آخر مهما علا أو دنا شأنه ، لقد أضحى ديدن هؤلاء هو إقامة أنظمة سياسية ذات مصداقية و مؤمنة بالمواثيق و القيم الإنسانية المتعارف عليها دوليا ، إنه من أوجب الواجبات في هذه المرحلة التاريخية المفصلية غرس نظام سياسي حداثي بالمعنى الإيجابي للكلمة : ( ملكي – رئاسي – جمهوري .. ) مستند إلى دستور عقلاني  ، تشارك في صياغته كل الأطراف المنضوية داخل المجتمع  دون إقصاء أو استئصال ، و في سياق استفتاء شعبي حر و نزيه لوضع حد لظاهرة الدساتير الممنوحة و المفروضة على رقاب الشعوب المضطهدة ، و أن يكون هناك فصل فعلي ملموس بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و العمل الجاد من أجل تحقيق مطلب طالما حرم منه المواطن العربي ألا و هو استقلالية و حرية الإعلام الورقي و الإلكتروني،  للمساهمة في تنظيف الممارسة السياسية العربية من مظاهر التزلف و صوغ قصائد المدح لكل أشكال و تجليات الدولة العميقة . و هكذا لا يمكن بالبت و المطلق أن نلتحق بركب الدول الصاعدة بله المتقدمة ، إلا باجتراح أنظمة سياسية ديمقراطية بحصر المعنى ، و القطع مع أساليب الحكم البائدة : أساليب الغطرسة و الاستبداد و الفساد بكل أصنافه ، و أوضح الطرق المؤدية إلى هذا المبتغى إنجاز إصلاحات بنيوية و صادقة و فعالة ، دون ذلك قد تنتفض الساحات العربية ، و تقوم الشعوب و لا تقعد مطالبة بحقها في العيش الكريم .

 

 3 -  و قد أعلنها صيحة مدوية منذ (1992 ) منظر العقلانية العربية المرحوم الفيلسوف محمد عابد الجابري في كتابه : وجهة نظر .. حينما قال : " إن الديمقراطية في الوطن العربي ، هي اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة لا من أجل التقدم و حسب بل من أجل الحفاظ على الوجود العربي ذاته " . فهل نحن مستعدون للتضحية بالغالي و النفيس من أجل الدفاع عن الوجود العربي و كينونته ؟ هل نحن قادرون على تقرير مصيرنا و المشي قدما نحو إرساء دولة الحق و القانون ؟ هل نحن متأهبون لزرع بذور الوحدة و التضامن و العدل و الحرية ؟ .. لعل تضحيات الشباب العربي في مختلف بلدان الربيع الديمقراطي من شأنها أن تعلن عودة العرب مجددا إلى مسرح التاريخ و أن تشرق شمسهم بعد ظلام حالك السواد  ، مهما تكالبت أشكال الثورات المضادة و تواطأت مع الأطماع الأجنبية ، و احتدت الخلافات و المناكفات القطرية البئيسة ، فمن قال إن عصر ملوك الطوائف قد انتهى !

مجموع المشاهدات: 766 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة