الرئيسية | أقلام حرة | لا حياة لمن تنادي

لا حياة لمن تنادي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
لا حياة لمن تنادي
 

 

لم نكن نعتقد ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن البلاد التي أنجبت وطنيين شرفاء، استرخصوا دماءهم وأرواحهم في سبيل عزة الوطن واستقلاله، ستظل ترسف في قيود التخلف جراء سوء التدبير والخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة، وكأنها أمست عاجزة عن ولادة جيل جديد من الغيورين، القادرين على إحداث نهضة تنموية معاصرة وإرساء أسس الديمقراطية، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية، والحفاظ على الأمن والاستقرار والوحدة الترابية...

 

ذلك أننا سرعان ما وجدنا أنفسنا أمام نخب بلا ضمائر، تعبث بشؤوننا ومستقبل فلذات أكبادنا، بعدما أجهضت أحلامنا وأفقدتنا الثقة في المؤسسات الوطنية والحياة السياسية. حيث ابتلينا برجال سلطة غلاظ ومنتخبين فاسدين، همهم الوحيد تكديس الثروات الفاحشة، عبر المكاسب الريعية والتملص الضريبي... إذ عوض الانكباب على بناء المجتمع والنهوض بأوضاع أفراده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية... يلوذون بالمقاربات الأمنية والاستفزازية، التشجيع على نهب وتبديد وتهريب المال العام، تكريس الفساد الإداري والمالي ووضع مقدرات البلاد تحت هيمنة المؤسسات المالية والرساميل الأجنبية والمحلية. فضلا عن نظام الخوصصة، الذي لم يكن له أدنى أثر إيجابي على حياة الفقراء. ولنا في "حراك الريف" وغيره من الاحتجاجات الشعبية الواسعة، نماذج حية عما يتعرض له المواطنون من غبن وذل وقهر وتهميش وإقصاء وإحباط وتعنيف واختطافات واعتقالات عشوائية، وما تراكم من احتقان اجتماعي طيلة السنوات المتلاحقة...

 

فمن العار أن يبقى المغرب الذي قطع خطوات هامة في عدة مجالات، الغني بثرواته البشرية والفلاحية والبحرية والمنجمية وموارده المائية، يتأرجح بين المراتب المتدنية في التصنيف الدولي. إذ رغم كل الجهود والمبادرات الملكية، مازال عاجزا عن التخلص من قبضة اللوبيات التي تكتم أنفاسه، ليمكث خارج القائمة في نادي البلدان الديمقراطية، إثر النتائج السيئة في الحريات المدنية والمشاركة السياسية، ولا يبارح مركزه بأسفل الترتيب العالمي حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة حول مؤشر التنمية البشرية. ويكشف تراجع مؤشرات عدة قطاعات اجتماعية عن تأخره المهين حتى بالنسبة لبلدان تمزقها الحروب. فصورة التعليم قاتمة، ومعدلات الفقر والبطالة في تصاعد لافت، إضافة إلى استشراء الرشوة والابتزاز، تنامي العنف ضد المرأة وتزويج القاصرات واغتصاب الأطفال، ضعف تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة والحياة الاقتصادية، التمييز بين الجنسين والعجز في توفير السكن اللائق...

 

وهناك اختلالات أخرى كثيرة، منها غياب الحكامة الراشدة وترشيد الموارد المالية وانعدام الشفافية والقيم الأخلاقية وربط المسؤولية بالمحاسبة، تهميش الشباب الكفء، تفشي المحسوبية وإسناد المناصب السامية لغير مستحقيها، مما يعكس جانبا من واقع النتائج الكارثية في التقارير الوطنية والدولية. وهناك أيضا جوانب هامة لم يطرأ عليها أي تقدم ملموس خلال السنوات الأخيرة الماضية، وترتبط أساسا بالصحة والتعليم والناتج الداخلي الخام... فقد تضمنت آخر مذكرة لمجموعة البنك الدولي معطيات صادمة عن الاستثمارات ومعدلات النمو وتثمين الرأسمال البشري، منبهة إلى أن التعليم هو أصل كل

 

الأعطاب، رغم استنزافه لملايير الدراهم في محاولات الإصلاح وإصلاح الإصلاح الفاشلة. واعتبر خبراء دوليون أن المغرب متأخر عن أوربا في الجانب الاقتصادي والاجتماعي بحوالي نصف قرن...

 

من هنا يصعب إحراز التغيير المنشود، ما لم يشعر المسؤولون بثقل الأمانة الملقاة على عاتقهم، ويمتلكون الجرأة والإرادة السياسية القوية في وضع استراتيجيات واضحة، والالتزام بآجال تنفيذها، لصناعة واقع جديد، تتوازن فيه الإنجازات الكفيلة برفع نسبة النمو مع الموارد البشرية والطبيعية. ذلك أن تطوير الاقتصاد والنهوض بالمجتمع يرتبطان بتنمية الرأسمال البشري، ويتطلبان التعجيل بإصلاح المنظومة التعليمية، من خلال إعادة النظر في البرامج والمناهج الدراسية، توفير البنيات التحتية وتزويد المؤسسات التعليمية بالموارد البشرية الكافية وذات التكوين الجيد، في أفق إعداد مواطن صالح قادر على الخلق والإبداع والمنافسة، والانخراط في سوق الشغل بمهارات عالية...

 

ألا نقتدي بمسارات بعض الدول، التي نجحت بقوة العزيمة في محاربة الفساد والفقر والتخلف، واحترام قيم العمل والقوانين؟ بلادنا لا ينقصها ذوو الكفاءات والخبرات، بقدرما يعوزها العدل وتكافؤ الفرص وقوة العزيمة ونكران الذات. فماليزيا مثلا، اعتمدت في مخططاتها التنموية على العنصر البشري، مستفيدة من تجربة اليابان في التعليم، ومؤمنة بأن التقدم الصناعي أو الاقتصادي يمران عبر تحفيز المواطن على الاهتمام بالعلم والمعرفة، واستطاعت في ظرف 30 سنة تحقيق نجاحات باهرة، رغم مرورها بصراعات عرقية قاسية. إذ خرجت من الاحتلال البريطاني عام 1957، وهي غارقة في الفقر والأمية والأمراض، يعيش أهلها على زراعة الأرز فقط، بيد أنها سرعان ما التحقت بالدول الصناعية، وأصبحت تصدر الأجهزة الإلكترونية والحواسيب وتملك سيارتها الوطنية. كما تحولت بيوتها الطينية وأكواخها الصفيحية، إلى ناطحات سحاب وبيوت عصرية لا تقل جمالية عن نظيرتها في الدول العظمى، فضلا عن شوارعها وطرقها السيارة وسككها الحديدية وجامعاتها. كما حرصت على تشجيع الاستثمار، وتهييء المناخ الملائم للقطاع الخاص في ممارسة أنشطته بحرية، وتبسيط الإجراءات القانونية في إطار المصلحة العامة للمجتمع...

 

فإلى متى يظل أصحاب القرار مصرين على تجاهل هموم وقضايا المواطنين، وهم قادرون على اجتراح "المعجزات"، لو أنهم يتحلون بقليل من العزم والحزم وروح المواطنة الصادقة؟ ألا يزعجهم تصاعد أمواج الغضب الشعبي وما بات يهدد استقرار البلاد وحقوق العباد، في ظل تواصل مسلسل الجور والاضطهاد والفساد؟ أين نحن من تقارير المجلس الأعلى ل"الحساب" والتصدي للإفلات من العقاب؟ ألا يقتضي الحس بالمسؤولية ابتكار وإنتاج تصورات إصلاحية حديثة، لتثمين الرأسمال البشري ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد، التوزيع العادل للثروة الوطنية وتجويد الخدمات الاجتماعية؟

مجموع المشاهدات: 1014 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | ابن اليوم
الموتى يرحمهم الرحمن
لامست بموضوعك هذا عين المشكلة وبؤبؤها، ولكن حتى لا أحيد عن الفعالية في القول والموضوعية في الحديث، لا بد أن أشير إلى أمور صارت اليوم أشبه بالمسلمات. 1- منذ الاستقلال إلى اليوم لم تبلغ الإرادة السياسية درجة حمل مشعل التغيير إلى مغرب الحقوق والحريات وأداء الواجبات، وتوالت علينا حكومات إدارية مغلفة بنكهات حزبية كان الطابع الغالب عليها المحافظة على الوضع (السياسي والاقتصادي) وشابها الكثير من الفساد وضعف الحس الوطني، و... وحتى لا أكون عدميا أصابها القليل من الرذاذ المتطاير من الحركة الوطنية وأنتجت لنا رجالا على رؤوس الأصابع يمكننا الافتخار بهم. فلو أنك أردت أن تكتب تاريخا للحكومات المتعاقبة لكان باب الفساد الذي وصمها هو أكبر باب في تاريخها. 2- حزب العدالة والتنمية شكل استثناء فريدا في فسيفساء الساحة السياسية، فمن نشأة قيسرية لضغوط إدارية إلى مشاركة متدرجة، قامت الإدارة بتفصيل قانون يمنع الحصول على أغلبية وخلق حزب أو أكثر لخق تدافع وهمي في الحياة السياسية 3- نظافة اليد هي الطابع الغالب على من تصدروا في لوائح الحزب مع فلتات قليلة لا يمكن مقارنتها مع الفساد المنتشر في دواليب الأحزاب الأخرى: ديموقراطية داخلية - غياب بارونات المخدرات - رجال باطرونة على جشعهم أكثر قبولا بحقوق العمال والعاملات - حزب ينشط خلال العام كله وليس موسميا - حركة شبابية نشيطة ... 4- تجربته الحكومية على علاتها تبقى الأنظف والأكثر اجتماعية في أهدافها بشهادة الخصوم، ورغم تحملها لعبء ملفات كملف صندوق التقاعد وتحملها تبعاته السياسية من فقدان الأصوات فقد احتل الرتبة الأولى. عموما حتى لا أطيل الكلام في التفاصيل فالحزب شكل استثناء في الإصلاح والتنمية تزامنت مع إرادة سياسية يمثلها جلالة الملك -ولكن ليس كل الدولة العميقة - في وضع لبنة نهضة مغربية بدأت تؤتي أكلها: تعويض للأرامل - تغطية صحية – منح الطلبة – السميك ... حقيقة لا يزال الطريق طويلا، ولعلّ أصوات الحكمة تعلو في مجتمعنا ونقبل بالسياسي المختلف عنا ولا نشيطنه كما حاول ذلك الاتحاد الاشتراكي والبام و"الإدارة" ... وتعود الحياة إلى حياتنا السياسية ويعود الإنسان إلى المواطن ونعقد صلحا مجتمعيا مع الكرامة وتصبح المواطنة ديدنا نربي عليه أبناءنا في المدارس وتغدو السياسة شأنا مجتمعيا له راهنيته وله حضوره القوي من جميع فئات المجتمع، ... لم لا نصير مثل ماليزيا أو تركيا أو سنغافورة؟... نستصلح المجتمع حتى إذا حتى يصير أرضا معطاء صالحة لكل استنبات حضاري له مقوماته التي تميزه عن غيره والتي بها يغربل كل وافد جديد.
مقبول مرفوض
2
2017/06/25 - 08:57
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة