الرئيسية | أقلام حرة | التحولات المجتمعية وأفق دينامية ّإنتاج النخب بالمغرب؟

التحولات المجتمعية وأفق دينامية ّإنتاج النخب بالمغرب؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
التحولات المجتمعية وأفق دينامية ّإنتاج النخب بالمغرب؟
 

 

لقد أكدت دروس التاريخ بجدلياتها كون طبيعة دينامية المجتمعات ما هي في العمق إلا انعكاسا واضحا لطبيعة دينامية إنتاج النخب. لقد أبرزت نشأة الدولة هذا المعطى إلى درجة أصبح الانخراط والاستثمار السياسي في الدينامية التطورية لما يسمى "المجتمع"، مرتبطا أشد الارتباط بمدى توفر هاته "الدولة" على منظومة فكرية، ببيانات علمية متطورة، تضمن تنمية القدرة المجتمعية و"الدولتية" على الاستمرار في قيادة التغيير في إطار الاستقرار. بالفعل، فتحقيق هذا الهدف الأسمى، الذي يتوج، في أغلب الحالات، بتشكيل الحضارات وإبراز خصوصيات المجتمعات، لا يمكن أن يتم إلا من خلال التوفر على الآليات المدروسة للمرور من مرحلة توازن سياسي واقتصادي معين إلى أخرى تكون أكثر تقدما من سابقتها. كما أن إعطاء الانطلاقة للمرور إلى مرحلة متقدمة لا يمكن أن يتم إلا بعد التأكد مؤسساتيا من ثبات وترسيخ مقومات الاستقرار والاستمرار في المرحلة السابقة. بالطبع، أمام الحاجة إلى تحقيق هذا الشرط المحوري في الانتقال السياسي، يبقى الاستعجال في اتخاذ قرار المرور من مرحلة إلى أخرى بدون ضمانات مجتمعية مشوبا بالمخاطر. فمضاعفة الجهد لتوفير شروط تسريع وثيرة التحولات والانتقالات المؤسساتية السلسة، مع التحكم الإيجابي، مجتمعا ودولة، في دينامية أحداث المسار التطوري، يبقى الخيار الوحيد للحيلولة دون السقوط في أوضاع يسودها التذبذب والتردد وغياب الحكمة.

 

وعليه، فعندما أستحضر كل الكتابات والبحوث، ومنطق الممارسة السياسية والإدارية والاقتصادية في هذا المجال، والتي تخص المغرب بالذات منذ الاستقلال، يبقى الدفع بغياب المنظور السياسي عند الدولة المغربية لإنجاح الانتقال المجتمعي من مرحلة إلى أخرى أحسن منها تحت ضمان شرط الاستمرارية والاستقرار فرضية ضعيفة. فالتأمل في فرضيات واستنتاجات الكتاب والباحثين الأجانب، وفي ما تم الوصول إليه من خلاصات لباحثين مغاربة، يرجح اليوم فرضية توفر بلادنا على إستراتيجية مؤسساتية لقيادة التغيير، استراتيجية تلعب فيها الدولة بخبرائها، وأجيال النخب الممارسة في مختلف المستويات الترابية، أدوارا تكاملية يطغى عليها التفكير المستمر من أجل جعل المنطق السائد للفعل الميداني، آلية لخلق شروط تحقيق التوازنات المنتجة للحركية السياسية الكافية، بدون زيادة ولا نقصان، في أفق الوصول إلى إطار مؤسساتي بقواعد مضبوطة، وبمقومات تحمل في طياتها محفزات تحقيق الفعل السياسي الحر مستقبلا. إنها المقومات التي يراد من خلالها لا محالة تحويل مؤسسات الدولة والمجتمع إلى حامية للوحدة الترابية، والديمقراطية التمثيلية، والحداثة الثقافية، مع الاحترام التام لقيم حقوق الإنسان الكونية. لقد تحدث لوفو سنة 1985عن "الفلاح المغربي المدافع على العرش"، وتحدث ووتر بوري سنة 1975 عن

 

"أمير المؤمنين"، وكتب رايت ميلز 1969 "النخبة والسلطة"، وسنة 1967 عن "المخيال السوسيولوجي"، وكتب الناصري سنة 1987 "المسجد، رهان بالمدينة"، وكتب ماريس سنة 1971 "نخب الوساطة، السلطة والشرعية بالمغرب المستقل"،..... وكتب عبد الغاني ابوهاني سنة 1985 عن "السلطة المحلية والمجال الحضري: وضعية سلا تابريكت الشمالية"، وكتب عزير عبد الولى العراقي سنة 1999 عن "أعيان المخزن في امتحان الحكامة: النخب المحلية، التدبير الحضري والتنمية بالمغرب"... وعاد لوفو ليكتب سنة 1998 عن "إنجاح الانتقال الديمقراطي بالمغرب"،... وعلى مستوى الفلسفة السياسية، تحمل كتب عبد الله العروي والمرحوم محمد عابد الجابري وآخرين أجوبة شافية وتحليلات واقية من الانحرافات الفكرية والإيديولوجية والمؤسساتية.

 

موازاة مع هذه الثروة الفكرية، عاش المغرب ميدانيا مرحلة الصراع السياسي، وعاش مشاركة نخب أجيال أحزاب المعارضة التاريخية في تدبير الشأن العام من سنة 1998 إلى 2011، وتم إدماج نخب جديدة في الحياة السياسية من خلال ما تمت تسميته ب"حركة لكل الديمقراطيين"، والتي نعت ما آلت إليه، في سياق احتدام المنافسة السياسية، ب"الوافد الجديد"، وبرزت بعد ذلك نخب الّإسلام السياسي، وتم تحقيق توازن سياسي ميداني جديد، وتم انتقاد ما سمي بالقطبية الجديدة، وتوج المسار إلى غاية استحقاقات 2016 بوصول جزء كبير من النخب الجديدة إلى تدبير الشأن العام مع احترام المقاربة العددية الحامية للتوازن السياسي عبر صناديق الاقتراع.

 

إنه مسار بتحولات سياسية واضحة، بالرغم ما يروج إعلاميا عن مسألة طول فترات التعويل على نخب معينة في لعب دور الوساطة الترابية والإدارية، واعتبار هذا التعويل بمثابة غموض في الرؤية السياسية، مع طرح سؤال فوائد هذا التعويل الطويل الأمد على النظام السياسي المغربي برمته؟. إنه مسار ابتكرت من خلاله الآليات لخلق التوازن السياسي للحيلولة دون إسقاط البلاد في أوضاع الاحتكار السياسي من هذه الجهة أو تلك. كما أبانت التطورات، كون المشهد السياسي قد تمكن مع مرور السنوات من إنتاج نوعين من النخب، منها الحريصة على استقرار الوطن ومؤسساته وثوابته بدافع اعتبارات وطنية نضالية، ومنها من تعبر عن هذا الحرص من باب الخوف على مصالحها الذاتية.

 

والمغرب على مشارف نهاية العشرية الثانية من العهد الجديد، تحول الخوف على الوطن، بمؤسساته ووحدته الترابية وثوابته، سواء تم التعبير عنه من خلال ممارسات النخبة ذات المصالح الاقتصادية أو تلك المراهنة على العمل السياسي النضالي، إلى فضاء سياسي واقتصادي يزخر بالديناميات الإيجابية.... وبرزت على سطح الأحداث، نتيجة لهذه التطورات الإيجابية، أحداثا جديدة، ورهانات متقدمة، وفرت للدولة شروط التحرك في إطار مؤسساتي بهامش أوسع، يخول لها اتخاذ القرار السياسي الملائم والضامن للمرور إلى

 

مرحلة جديدة، مرحلة تستوعب التطورات، وتسمح في نفس الوقت بإنتاج زعامات ترابية جديدة، وبالتالي، تضمن ارتقاء المختبر السياسي المغربي إلى فضاء لتقديم الأجوبة السريعة والناجعة في شأن مواعيد إحداث التغيير السياسي ... إنها الأجوبة، التي ينتظرها الجميع، لاستيعاب النخب الممارسة الشابة التي نجحت في امتحان الحكامة، وتعوض الفاشلين أو من تجاوزتهم الأحداث في مجال جعل الوساطة آلية للتنمية الترابية والوطنية....

مجموع المشاهدات: 2651 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | مصطفى52
الاجهاض
عندما تفشل الدولة في مسايرة التحولات الاجتماعية وفي تشجيع تجدد النخب , لا تتقدم . والاخطر انها عندما تسند لاشخاص مناصب من اجل اجهاض ميلاد نخب جديدة خلاخة , تتأخر الدولة وتخلق لنفسها مشاكل معقدة يستعصى حلها مما يهدد بمخاطر كبيرة
مقبول مرفوض
0
2017/06/27 - 11:44
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة