الرئيسية | أقلام حرة | ما بعد دستور 2011: ست سنوات عجاف

ما بعد دستور 2011: ست سنوات عجاف

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ما بعد دستور 2011: ست سنوات عجاف
 

 

قبل ست سنوات ونيف، خصب رماد البوعزيزي الذي أحرقته صفعة من الشرطة أراض عربية، ثم سقتها دماء شهداء في مصر و ليبيا و تونس لتعرف تلك الأراضي ربيعا عربيا أطاح بالعديد من الرؤوس التي حكمت البلدان العربية بيد من حديد لعقود.

 

و باعتبار الظروف التي سببت انطلاق هذا "الربيع" هي نفسها في معظم دول العرب و "المسلمين"، فالمغرب بدوره لم يكن بمنأى من وصول سيل الثورات الجارف، فظهرت حركة شبابية أطلقت على نفسها اسم عشرين فبراير، طالبت بالحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية، و بسرعة اندلاع النار في الهشيم كبرت فكرة الحركة و توسعت و انتشرت وتحولت إلى احتجاجات شملت عدة مدن مغربية، تعالت أصوات ملت من القهر و الاستبداد و استغلال النفوذ و التوزيع غير العادل للثروة و اتساع الهوة الاجتماعية بين فئات محظوظة و فئات تعيسة في هذا الوطن، فوزعت المطالب بين مطالب اجتماعية بتحقيق نوع من المساواة و العدالة الاجتماعية و التقليص من الهوة الاجتماعية، وأخرى اقتصادية بتحقيق فرص الشغل و النهوض بالأوضاع الاقتصادية للفئات الهشة ، و ثالثة سياسية التي يبقى أهمها الانتقال إلى الملكية البرلمانية و التقليص من صلاحيات الملك و توسيع هامش تحرك السلطة التنفيذية.

 

و كمحاولة لاحتواء الوضع الذي بدا قابلا للتأجج في ظل ظروف إقليمية متوترة، كان رد الفعل سريعا ، فعمل الملك محمد السادس على اتخاذ مبادرة لتعديل الدستور عبر خطاب 9 مارس 2011 أوكل أمرها إلى لجنة برئاسة عبد اللطيف المنوني يتم من خلالها تكريس الطابع البرلماني للنظام المغربي و حل مشكلة الفصل 19 من الدستور السابق و تضمين الوثيقة الجديدة مجموعة كبيرة من الحقوق للانتقال من جيل "دستور فصل السلط" إلى جيل" دستور صك الحقوق" إضافة إلى مستجدات أخرى.

 

و بالفعل خفت وتيرة الاحتجاجات، و تم الالتفاف على بقية المطالب، الاجتماعية على الخصوص- و كـأن آخر اهتمامات البائع المتجول أو الفقير المعدم أو الطفل المتشرد هو تبني الملكية البرلمانية أو النظام الجمهوري أو حتى الدكتاتورية- و بدأت المشاورات و أخذ آراء الأحزاب و جمعيات المجتمع المدني و غيرها من الفعاليات حول النقط المزمع

 

تضمينها في الدستور المعدل، وفي نفس الوقت كان يسود الترقب لمآلات الأوضاع عند الجيران، و التي بدا أن ربيعها سينتهي قبل الأوان.

 

و لاحتواء أصوات الطبقة التي من الممكن أن تكون رحى الاحتجاجات و التغيير، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى و فئة حاملي الشهادات، و باعتبار حكومة عباس الفاسي كانت توظب حقائبها مستعدة للرحيل ، تمت الترضيات: زيادة 600 درهم في أجور الموظفين، ترقيات في عدة قطاعات، توقيع محضر 20 يوليوز الشهير مع حاملي الماستر لتوظيفهم، كل هذا و ترقب مصير الربيع في الدول المجاورة هو سيد الموقف.

 

وجاء خطاب 17 يونيو الذي عرض المضامين الكبرى للوثيقة الجديدة، و التي و إن كانت حملت مستجدات مهمة كدسترة اللغة الأمازيغية و توسيع صلاحيات رئيس الحكومة و جعل التشريع يختص بالبرلمان وحده بعد أن كان الملك يمارس هذا الاختصاص في بعض الحالات، فإنه في الجانب الحقوقي، و إن كان ظاهريا قد يتضح وجود حمولة حقوقية كبيرة، إلا أنه كثيرا ما يتم فرملتها باسم الثوابت في العديد من المواد :إذا كان الدستور اعترف في التصدير على التزام ما تقتضيه المواثيق الدولية من حقوق بصيغتها الكونية فإنه قد عمل على فرملة هذه الحقوق في مواد أخرى، حيث أكد في المقابل على جعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية و لكن في نطاق أحكام الدستور و قوانين المملكة و الهوية الوطنية الراسخة، مع ما يبدو من ضبابية هذه المفاهيم الذي ستكون سدا أمام تطبيق كل مواد المواثيق غير المتلائمة مع المقتضيات السالف ذكرها، إضافة إلى إحالة مجموعة من المواد ذات الصبغة الحقوقية على قوانين تنظيمية لم تصدر لحد الآن).

 

و تم عرض الدستور على الاستفتاء، و كالعادة تم توظيف المساجد في خطب الجمعة لحث الناس على التصويت ب"نعم" للدستور، وتم إقرار الدستور بنسبة% 98.47 من المصوتين .

 

و هكذا فاز حزب العدالة و التنمية ذو المرجعية الإسلامية بالأغلبية في الانتخابات ، في سياق إقليمي تميز بصعود الأحزاب الإسلامية في الدول التي عرفت الثورات، و سيتم انتداب رئيس الحكومة من هذا الحزب الذي بدا طوق نجاة لشريحة عريضة من الشعب المغربي المغلوب على أمره، و استبشر الجميع خيرا ولسان الحال يقول لقد ولت السنين العجاف.

 

عرفت مصر وصول الإخوان المسلمين للحكم، و لكن ما سمي بالدولة العميقة أعاقت تجربتهم الصاعدة و تدهورت الأوضاع، أما في ليبيا فقد أصبحت الفوضى هي السائدة، بينما في سوريا سالت أنهار من الدماء و لا تزال، فبدا جليا أن ما سمي بالربيع أضحى

 

خريفا ذا أوراق يابسة تذروها الرياح دون وجهة محددة، و ساد اقتناع بأن المغرب قد نجا من فوضى محققة و مصير مجهول بفضل ما أطلق عليه الاستثناء المغربي.

 

و هكذا، و بعد أن انحنى المغرب- تحت عباءة مصطلح الاسثناء المغربي- للعاصفة، و مرت الأمور بسلام، ما فتئ المخزن يحاول استرجاع ما يسمى بهيبة الدولة، في ظل تهديد خفي أو معلن بمآلات الأوضاع في الدول الأخرى و خاصة سوريا: أصبح مصير الحركات الاحتجاجية القمع و بعنف، تم الالتفاف على محضر 20 يوليوز، رفعت الأطر المعطلة دعوى أمام المحكمة الإدارية، حكم قاض نزيه لصالحهم فكان جزاؤه العزل، تم اعتقال أساتذة حاملي الماستر و الإجازة و عرض العديد منهم على مجالس تأديبية ناهيك عن تعنيفهم، بل حتى الزيادة في الأجور تجرأ رئيس الحكومة في إحدى الحوارات على القول بأنها كانت مكلفة للميزانية و يتمنى حذفها.

 

و أمام ضعف الحركات الاحتجاجية و احتضار حركة 20 فبراير و انسحاب بعض مكوناتها التي كانت تمنحها بعض القوة إضافة لطبيعة شعبنا المسالم و غير الواعي بالمشاكل التي يعاني منها (ما عدا النزرالقليل)، تجرأت حكومة بنكيران – التي أريد لها أن يأكل المخزن الشوك بفمها- على الإجهاز على حقوق مكتسبة أخذت بنضال مستميت على مدى عقود، و هكذا عملت على المس بنظام التقاعد و الإلغاء التدريجي لصندوق المقاصة و تحرير أسعار البترول و الاقتطاع من أجور المضربين و هلم جرا، باختصار ردة حقوقية كبيرة أرجعت المغرب إلى عهد ما قبل 2011 و سنين عجاف أخرى محت كل أمل في التغيير نحو الأفضل.

 

وفي ظل هذه المعطيات يتبين أن الشروط الموضوعية التي أدت إلى ظهور حركة 20 فبراير و الاحتجاج ضد الدولة لا زالت هي نفسها بل أصبحت أكثر حدة و وضوحا، و بالتالي يبدو أن مقولة الاستثناء المغربي قد انهارت، وفكرة كون المغرب بعيد عن التعرض لمصير الدول المجاورة أصبحت محل نظر، و لعل تصاعد وتيرة الاحتجاجات في مناطق عدة من المغرب كما يحدث حاليا بالحسيمة و الجنوب الشرقي و مناطق أخرى، إضافة لحوادث إحراق الذات في عدة مدن ضد التهميش و التسلط كلها مؤشرات على أن الأمور ليست على ما يرام في وطننا العزيز، و هو ما يجعل التدخل الإيجابي و العقلاني لنزع فتيل التوتر الحالي و ليس الرعونة في التعامل و المبالغة في المقاربة الأمنية هو المدخل الأساسي لتجاوز هذه الظروف العصيبة و السير بالمغرب نحو بر الأمان.

مجموع المشاهدات: 1093 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة