الرئيسية | أقلام حرة | تدريس قيم الوطنية

تدريس قيم الوطنية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
تدريس قيم الوطنية
 

 

من بين أهم القيم التي يروم منهاجنا الدراسي غرسها في الناشئة نجد التشبت بالوطنية المغربية وتوابثها. غير أن مخرجات هذه العملية في الواقع تبدو ضعيفة. فما إن يغادر المتعلم أسوار المدرسة نحو ساحات الجامعات حتى يتشكل لديه ''كفر'' بالوطن والوطنية وما يأتي منهما. هذه المخرجات الهزيلة على هذا المستوى تؤكد أن عملية تدريس القيم الوطنية لا تسير على ما يرام في مدارسنا لترسخ تمثلات سلبية عن الوطن عند القائمين على غرس قيم الوطنية أنفسهم، وهي التمثلات التي يتشرب بها المتعلم ويحملها معه إلى الجامعة والمجتمع.

 

مرد هذه التمثلات السلبية تكمن في الخلط المترسخ في الأدهان بين الدولة كمتغير والوطن كثابت. ما يجعل الموقف من الوطن والوطنية متطابقا تماما مع سلوك الدولة. وهنا تصبح الوطنية مرتبطة بما هو مادي مثل توفير الشغل ورفع الأجور وتوفير الخدمات الخ... هذه الاشتراطات المادية تغذو محددا للتموقف من الوطن، أي ان الوطنية تستحيل هنا الى دريهمات ينبغي أن تدفع للمواطن لكي يكون وطنيا وإلا حصل العكس. ثمة أيضا من يربط الوطنية بسلوك الدولة، خاصة ما يتعلق بممارسة العنف المادي والرمزي، سواء المشروع أو غير المشروع، فلا يمكن الحديث عن الوطنية-حسب البعض-في ظل دولة قمعية..

 

هذه كلها تمثلات سلبية تنطوي على خلط فادح، وانحراف خطير في الوعي الفردي والجمعي. فالمعلوم عند سائر شعوب المعمورة، هو أن الوطنية والدولة يسيران على خطين متوازيين لا يتطبقان أبدا، ولا مجال للربط بين الإثنين، أو الحديث عن علاقة شرطية بينهما. فسلوك الدولة وتصرفاتها على مختلف الصعد شيء متحول ومتغير، ولا صلة له بالموقف من الوطن، ولا مجال للربط بين تصرفات الدولة والانحياز لقضايا الوطن، خاصة ما يتعلق بتهديد الأمن الوطني. ولا محل للنزوع نحو نوع من المساومة الرخيصة بين حجم الاستفادة من الدولة ومنسوب الوطنية. أما الوطنية، فهي شيء ثابت أزلي وسرمدي، ولا

 

صلة لها بشكل النظام القائم وطبيعة سلوكاته وأفعاله. فهناك عندنا من يعتقد بأن الانتصار للوطنية المغربية يعني موالاة النظام وخدمة أجندته. هذا تبسيط ينم عن قصور في الوعي.

 

هذه التمثلات المهلكة لم تأت من فراغ. ذلك أن من يكفرون بالوطن مذاهبان:

 

-فهناك مشكلة وعي عند البعض تبرز في ضعف تمثل الانتماء الوطني وعزله عن كل ما هو عارض مثل أنواع الأنظمة وسلوكاتها ومقدار الاستفادة من الدولة. يؤكد وجود هذه الفئة فشل منظومتنا التربوية في الاضطلاع بأدوارها لجهة ترسيخ قيم الوطنية المغربية. هذه الفئة هي بالضبط من تجعل الوطنية عرضة للمزايدة والمساومة، فتتحول الوطنية من الحقل القيمي الرمزي إلى المجال المادي النفعي الصرف.

 

-هناك فئة أخرى تبخس مشاعر الوطنية، وتقلل من شأنها، وتسخر من حامليها، وتفرق عليهم مختلف التهم وشتى أنواع التوصيفات القدحية التحقيرية بما يجعلهم يظهرون كمجرد مخبرين للنظام أو بلطجية. وهذه الفئة لا تعاني من خلل في الوعي، إنما هي تدري تماما ما تفعل لأن مواقفها من الوطن تؤطرها خلفيات ونعرات معروفة سواء كانت ظاهرة أو مستترة. غالبا ما تخفي هذه المواقف الجاحدة بالوطنية طموحات ومطامع تتجاوز بكثير القطرية والوطن كمجال وشعب، فللبعض تفكير أممي، بينما تسيطر على البعض فكرة دينية تقوم على مبدأ الدولة الدينية الكبيرة التي لا مكان فيها للوطن بمفهومه الذي نعرف، في حين يتمترس آخرون خلف طموحات قومية تتجاوز الحدود الجغرافية الوطنية الضيقة إلى الدولة القومية الكبرى، على اساس أن الوطن ليس إلا مرحلة ومحطة ظرفية لما سيأتي لاحقا. وفي أتون هذه التجاذبات ترمى الوطنية وتتقاذفها الأرجل. لا، بل تصبح في أغلب الاحيان مرادفة للخيانة والعمالة.

 

بالمختصر مدرستنا فشلت في غرس قيم الوطنية ما يجعل الوطن عند أغلبيتنا مختزلا بشكل فج في الدولة.

مجموع المشاهدات: 5391 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (4 تعليق)

1 | عبد الله بوصوف
كلامك في محله أستادي ولكن في ظل ما تقول يظل مفهوم الوطن مبهما وإن كان شيئا قائما بداته لا صلة له بالدولة أو... فما الوطن إذن ؟ وما العلاقة التي تجمعنا به ك)وطنيين( ؟ أهي مقتصرة عن ما هو تاريخي أم لها أبعاد أخرى؟
مقبول مرفوض
0
2017/08/14 - 05:35
2 | طنسيون
التغيير هو الحل
التربية والتعليم هي تنشئة لمواطن المستقبل أي مواطن يحمل مشروعا و يشارك في بناء الوطن و تكوين مجتمع حضاري متطور و متغير مع تقلبات العصر و تطوره. لكن تعليمنا لا يعتبر هذه التغيرات ويظل على منظوره التقليدي المتخلف كما كان في الماضي و في الحاضر يعتمد على حشو العقول و تلقينها الخطابات و النظريات التقليدية المتقادمة فيطمس النفوس و يقمع الشعور و الأحاسيس و يقبر الذكاءات المتعددة و يبخس المواهب و يقصيها من المنافسة على الحصول على الشهادات و المناصب. فهل ستكفي دروس الوطنية و التربية الوطنية خطابات وعناوين أم هي ممارسة و نموذج للاقتداء سيغير العقليات ويطورها ؟ أكيد سنحتاج نموذجا منشرحا تنشرح له النفوس وتتفتح معه العقول وتصحو فيه الضمائر من غفوتها.
مقبول مرفوض
-1
2017/08/14 - 09:09
3 | احمد صمدي
لمن الفوطن
حب الاوطان من الايمان..الكل يحب وطنه..والوطن قد يختزل ليصبح مسقط الراس..فقليل هم الذين يتنكرون لوطنهم وخاصة مسقط الراس الذي يجمع الاسرة والاهل والاصدقاء..اما الخلط الحاصل بين الدولة والوطن ياتي عندما يصبح المواطن يتحمل المسؤولية هنا تختلط الامورالبحث عن العمل البحث عن السكن البحث عن الامن..اذا توفرت اسباب الغيش الكريم فالوطن والدولة سواء مشكوران ..اما عندما يكون العكس...ماذا زادني حب الوطن ..فيبحث عن وطن اخر توفر له فيه الدولة ما هو في حاجة اليه....لذلك يقال ..وطنك هو المكان الذي يوفر لك كل ما تحتاج اليه...
مقبول مرفوض
-1
2017/08/18 - 10:15
4 |
الموضوع لا بأس به
مقبول مرفوض
1
2017/11/25 - 10:14
المجموع: 4 | عرض: 1 - 4

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة