الرئيسية | أقلام حرة | سيدي قاسم ...بين واقع محزن و إعلام لا يرحم

سيدي قاسم ...بين واقع محزن و إعلام لا يرحم

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
سيدي قاسم ...بين واقع محزن و إعلام لا يرحم
 

 

في يوم الجمعة الماضية (4 غشت 2017)، نشر جاد ابردان، الصحفي و الإعلامي السابق بقناة الدوزيم، مقالا بجريدة المساء تحت عنوان: "سيدي قاسم ...مدينة ضحية ذاكرتها". تحدث أبردان، في هذا المقال، عن الظلم الذي طال هذه المدينة و الحيف الذي طمس ابناءها فأتعس أوضاعهم الراهنة و قتل الحماسة في قلوبهم، بعدما كانت مدينتهم بقعة حركية نشطة تشكل مركزا استراتيجيا لملتقيات الطرق بكل أنواعها في السابق، فأصبحت بعد ذلك مدينة للأشباح تتحدث فقط بتاريخها و امجاد أبنائها. ابردان و الذي لا يخفى عليه شيء بالمدينة، بحكم انتمائه لها، ذكر أسماء و أساطير سياسية عاشت ردحا من الزمن تشارك في قرارات البلاد فأصبحت ضحية لنفسها، بعدما كانت ولادة معطاءة لمادة الغاز أيام الاستعمار قبل أن يصيبها العقم. و ختم في الاخير مقاله قائلا بعدما تعذر عليه تحديد الداء من كثرته:

 

يبدو أن الفاعلين السياسيين لسيدي قاسم تنقصهم زيارة ملكية تلملم كسلهم، زيارة تصل الرحم. أما أنتم يا أهل الحل والعقد في المدينة، اسمعوا و وعوا لب خطاب العرش المعبر عن انشغالات وهموم المواطنين ومعاناتهم، في ظل غياب انعدام المسؤولية لدى الكثيرين. ارفعوا غبنا لا نريده أزليا ،غبن سمع به الشيخ الكهل و ورثه الطفل اليافع.

 

لكن جاد أبردان ليس بحامل لمشعل الفن المائع و الساقط حتى يأخذ المسؤولون شكواه على محمل الجد، كما وقع بالخميسات، بل ما حدث بعد ذلك ربما كان مدروسا لشل لسان كل مواطن شريف غيور على مدينته، بمطالبته برفع الظلم ورد الاعتبار لمدينة كحال petit jean، حيث كان و مازال شبابها بارزين في السياسة و الرياضة و الادب إلى يومنا هذا.

 

بعدها باسبوع يرد عليه رشيد نيني بجريدته عبر خبر باسم المدينة باللون الأحمر: سيدي قاسم ... نقل 15 طفلا قاصرا إلى المستشفى لحقنهم بمضاد للسعار بعدما مارسوا ...و بما أن مكان الخبر بعيدا عن سيدي قاسم بسبعين كيلومتر، و بما أن مدينة سيدي الكامل، مكان الحدث، تابعة لاقليم بلقصيري، و بما أن هذا الاسم الأخير لا يليق بماركة صحفية مسجلة، فان جميع عناصر القصة أصبحت مكتملة في استدراج القارئ و المواطن بايهامه على أن الحدث وقع بمدينة سيدي قاسم بالضبط. و الغريب في الأمر أن نفس الصفحة التي نشر فيها الخبر، حملت خبرا آخر عن أطوار محاكمة رجل اغتصب فلذة كبده بالعرائش، ولم يعي المواطن حجم الذنب الذي اقترفه هذا الرجل، بالمقارنة مع الخبر الاول، لأننا ببساطة شعب "الحضية و الكريتيك" في كل قضايا تأخذ معنا معاكسا لاخلاقيات الحياة الطبيعية.

 

و بما أن الشريعة الاسلامية لا تأخذ مكانها في الحوار إلا في مسألة الحلال و الحرام، و لا تستهوي الناس في تربية العقول و تنقيح الفكر و ممارسة شعائر الحياة الدينية السليمة إلا بتوجيهات شيوخ الفضائيات، فان قصة هؤلاء الاطفال عكست واقعا مصغرا لما يقع بجميع قرى الوطن و غيرها من الدول المتخلفة و النامية، و لكم في فيديوهات موقع يوتوب لاكبر دليل على ما أقوله و مواقع اخرى كثيرة همها هو جمع أكبر قدر من هذا النوع من الانشطة البشرية في ارتباطها مع عالم الحيوانات بكل بقاع الارض.

 

و الغريب في الأمر أن بعضا من من علم بالخبر أو قرأ بعضا من سطوره، تراه يعلق كما لو أنه أول مرة يسمع به؛ فمنهم من شبه الأطفال بقوم لوط، و البعض الآخر نعتهم بالمكبوتين و الشواذ، و آخرون أبدعوا في تحضير صور ساخرة تجسد الواقعة و أبعادها و تحمل اسم المدينة بسرعة البرق ...

 

و الواقع أن ما يقوله بعض أبناء القرى في جميع الوطن على أن هذا السلوك طبيعي في البوادي المغربية، بارتباطهم بالطبيعة و بجميع عناصرها يصبح الطفل، غريزيا، يسعى إلى استكشاف أغوار الحياة الجنسية التي يراها بالعين المجردة أولا، ثم يقلد ما يشاهده عن أصدقاءه ثانيا. هو جيل بعد جيل يضاجع الطبيعة لينسى هموم الواقع و يأمل في المستقبل شريكة حياة تنسيه ما يعيشه من بؤس و حرمان على حد سواء، عادة سيئة إلا على من رحم ربك. و إذا تمعنا النظر جيدا فاننا نجد أن جميع البوادي لها ارتباط وثيق بالوازع الديني؛ اذ تجد في كل قرية مسجدا و إماما يهتم بتكوين الاطفال و إعطائهم دروسا دينية منذ نعومة أظافرهم، فمنهم من يختم نصف القرآن أو ثلثه، و منهم من يستكمل دراسته بمؤسسات أصول الفقه و الدين، و منهم من يستكمل دراسته العلمية أو الأدبية في المؤسسات العليا في المدن المجاورة، و اما الجزء الاخير يبقى في البوادي لمساعدة والديه في مواجهة الزمن، بحرث الأرض و سقيها و حصد المحصول، ليستكمل مساره الاجتماعي بالزواج و إنجاب الابناء بعيدا عن أي شوائب تذكر، و لم يطلب أي واحد منهم بضرورة تزويجه من حمارة أو كلبة أو قردة كما يفعل الغرب .. إنما حظ هؤلاء الأطفال، للأسف، كان عاثرا بلقائهم بحمارة مصابة بمرض يهدد الجنس البشري، و بمجتمع يهتم بالقضايا الموجهة إعلاميا و المثيرة للجدل أكثر من أي وقت مضى

مجموع المشاهدات: 2667 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة