الرئيسية | أقلام حرة | صحتنا مريضة يا قوم فهل من علاج؟

صحتنا مريضة يا قوم فهل من علاج؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
صحتنا مريضة يا قوم فهل من علاج؟
 

 

خلال عطلتي السنوية الأخيرة وقفت بشكل مباشر على الوضع الصحي في بلدنا الحبيب والحقيقة أنني كنت أرسم صورة ليست جيدة، حتى لا أقول قاتمة، على كل حال على الجانب الصحي في المغرب لكن بعد التجربة التي شهدت عليها بعد تعرض قريب لي لحادثة سير خطيرة، جعلتني أحس أنني كنت متفائلا عندما صنفت الوضع الصحي في بلادنا "بالصورة القاتمة" لأن الوضع ببساطة شديدة "مأساوي وكارثي" وزد عليها ما شئت من مرادفات.

 

ولكي أوضح كلامي أكثر، فأنا أتكلم هنا عن الوضع الصحي في المغرب في مجمله وليس عن المستشفيات العامة أو القطاع العمومي دون غيره، لأن الوضع مزري في جميع أحواله حتى في القطاع الخاص والعيادات الخاصة ناهيك عن وضع المؤسسات الصحية العامة المتمثلة في المستشفيات الجامعية والجهوية والمستوصفات والمراكز الصحية التابعة مباشرة لوزارة الصحة العامة.

 

ولكي أوضح أكثر فالتجربة التي شهدت عليها مكنتني من الوقوف على الاثنين، القطاع العام والقطاع الخاص وكلاهما أسوأ من الآخر بدرجات متفاوتة من حيث الخدمات والمرافق وأسلوب التعامل والرعاية الصحية وشروطها وتوفير الظروف الملائمة للمريض كما في بعض الدول النامية أو دول العالم الثالث مثلنا حتى لا نقارن مع من يسبقنا بسنوات ضوئية.

 

وحتى لا أتهم بتعتيم الصورة وتقتيمها وبالسوداوية فأنا هنا أتحدث عن الوضع الصحي في كبريات المدن ممن شهدت عليهم( الدارالبيضاء -مستشفى بن رشد ومحمد الخامس وأكادير - مستشفى الحسن الثاني)، حيث الوضع كارثي ولا تربط تلك المؤسسات بالصحة إلا الاسم المتوب على يافطة في الخارج تنسبها إلى وزارة الصحة.

 

مرت قرابة 15 سنة كاملة لم أزر فيها مستشفى ابن رشد الجامعي في قلب الدارالبيضاء، لزيارة قريب لي، فأحسست وكأني كنت هناك البارحة وليس كل هذه المدة الزمنية التي توقعت أن فيها تطويرا وتوسعة ورعاية تليق بمغرب الألفية وبمواطني المغرب الحديث خصوصا ونحن في 2017 لهذه المؤسسة الطبية الوطنية التي كانت في وقت سابق مرجعا طبيا وقبلة لمرضى المملكة من كل فج عميق؛ فالمباني تآكلت والأسرة أصابها الصدأ والمرافق تبدو وكأنك في مكان مهجور لا حياة فيه، بل وخلال إحدى الزيارات أقسم صادقا أنني فوجئت بأحد السعات(طلاب) في قاعة المرضى حيث يرقدون يتسول الزوار من أقاربهم في غياب أي رقابة أو مسؤول يراقب تلك الأماكن المهجورة!

 

وخلال زياراتي التي تجاوزت الأربع لابن رشد( أو موريزجو) كما يحلوا لساكنة البيضاء تسميته، لم أر طبيبا ولا حتى ممرضين بجانب المريض الذي كنت أزوره ولا بجانب الستة أشخاص آخرين الذين كانوا يرقدون بجانبه ولما سألت كان الجواب أن الطبيب الرئيس ومعاونيه

 

من الطلبة الأطباء المتدربون يمرون على المرضى في الصباح وكفى! وقد سمعت قصصا من مرضى وعائلاتهم من داخل المشفى تجعل المرء يمسك قلبه ويتمنى على الله سبحانه وتعالى أن لا ياتي يوم يدخل فيه مغامرة "استشفائية" من هذا القبيل داخل مؤسسة من أكبر المؤسسات الطبية في بلادنا وأقدمها وهي قصص تدور أحداثها بين صعوبة إيجاد سرير مرورا بدفع الرشوة والمحسوبية للحصول على ذلك السرير وحجز مكان في المشفى والعهدة على المتحدثون. فالمبنى ظل على حاله منذ أن تركه الاستعمار الفرنسي ربما حتى لا أكون مجحفا.

 

وقد لفتني خلال إحدى الزيارات لافتة كبيرة بالقرب من مدخل المستشفى الرئيسي كتبت عليها النقابة الوطنية للتعليم العالي (النوتع) على ما أذكر إدانة الأساتذة الباحثين واستنكارهم للاعتداءات المتكررة من بعض الأشخاص على الموظفين والمصالح الاستشفائية بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، ويطالبون بتوفير الحماية والأمن للموظفين من أجل القيام بعملهم! هذا يؤكد كلامي من قبل من أن التسيب والفوضى وانعدام الأمن سمة غالبة داخل هذا المركز الاستشفائي الجامعي، إذ لا يقتصر الأمر على تآكل المباني والأسرة وغياب شبه تام للموظفين والتسول داخل المبنى بل يتعداه إلى تعرض من وجد من الموظفين للاعتداءات من طرف مجرمين ومشرملين على مصالح المشفى خصوصا في أوقات الليل وقت متأخر منه مما يعني أن هناك فوضى وغياب تام للأمن.

 

هذا الجانب من التسيب الأمني أكده لي أحد الأطباء في مستشفى محمد الخامس حيث ذكر لي أن مساعد طبيب في العمليات البسيطة أنقذ طبيبا كاد أن يتعرض لطعنة من أحد المشرملين لاعتقاد المشرملين أن الطبيب أهمله لحساب معالجة شخص آخر، كما ذكر أنهم في كثير المرات وجدوا أسلحة بيضاء مع بعض المرضى من المشرملين! فمن المسؤول على سلامة الأطباء ومن المسؤول عن صحة المواطنين وظروفها المزرية؟ السؤال موجه للدكتور الوردي وزير الصحة لعله يعرف الجواب.

 

في الصيف قبل الماضي تعرضنا لحادث سير قرب أكادير ( في نقطة سوداء هناك تحصد الأرواح دائما تدعى نقطة واد اييغ قرب جبال امسكرود) وكان معنا أطفال مصابون في حاجة لاسعاف، لكن المفاجأة كانت كبيرة لما حضرت سيارة إسعاف حمراء فاقع لونها لا يسر حالها أحد، حيث أنها كانت خالية من جميع المعدات الخاصة بتقديم الاسعافات الأولية ولا يوجد فيه أي شيء حتى الكراسي وسرير المرضى منزوع ولا وجود له وحملتنا جميعا ما مجموعه تسعة أفراد من بيننا ثلاثة أطفال في وضع إصابات متفاوتة الخطورة خصوصا ونحن على بعد حوالي 50 كلم من أكادير، فكان حضورها لا يختلف عن حضور أي شاحنة لنقل البضائع بل إن سيارة نقل الموتى أجهز منها.

 

وكانت المفاجأة الأكبر عند وصولنا إلى "معلمة"مستشفى الحسن الثاني الجهوي الذي يعد ربما الأكبر في الجهة، حيث بدا المكان لا يوحي أنك بمستشفى أو مكان صحي يعطيك الانطباع أنك

 

بين أيادي أمينة بل يحيلك المشهد على أنك في مقصب جماعي للذبائح حيث الصراخ من كل جانب والسب والمشاداة الكلامية والدم والجروح على الأرض والاستياء العارم وتبادل الاتهامات بين المرضى والمشرفين والممرضين وطبيب او اثنين يحاولون إرضاء الجميع ولا يفلحون في ذلك لتعدد الإصابات وقلة الإمكانبات واهتراء الأجهزة ووقلة الأسرة والغرف التي تصلح لكل شيء إلا لمرضى مصابين بحاجة للراحة وغرف مريحة.

 

ولأن الأمر لا يحتمل ولأني لدي القدرة على الدفع والحمد لله فقد طلبت الانتقال إلى أي مصحة خاصة تعمل بنظام الدفع مقابل الخدمة، وهنا أيضا كانت خيبتي كبيرة عندما بدت المصحة في وضع لا يختلف كثيرا عن وضع مستشفيات الدولة اللهم أن مبدأ الدفع ونفخ الفاتورة يجعل مريضك ينعم برعاية طبيب خاص وخدمات طبية أفضل قليلا. وهنا أيضا أعود لما بدأت به عن أن الأمر لا يقتصر على القطاع العام بل القطاع الخاص أيضا.

 

وتزكية لهذا فقد تكررت التجربة هذه السنة لما تعرض قريب لي لحادثة خطيرة انتهت به في إحدى المصحات الخاصة في البيضاء يضاهي سعر الليلة الواحدة فيها سعر ليلة بأحد الفنادق الفاخرة إن لم يكن أكثر، وحبذا لو كانت الخدمة بحجم السعر ثم إن الشكل العام للمكان لا يوحي إنك في مصحة بقدر ما يوحي أنك في مستودع سلع فيما يتعلق بالتجهيزات وغرف الانعاش ومستودع الأدوية حيث علب الكارتون مرمية هنا وهناك وغرف الانعاش عبارة عن (بارتيسيون) جدران من الفايبر والمرضى باختلاف أوجاعهم وآلامهم مع بعض في حين أن الأمر يقتضي، بما أننا في مصحة خاصة، أن كل مريض لحاله في غرفة معزولة ويلقى الرعاية التي يستحقها هو والمبلغ المدفوع لعلاجه. فأين المراقبة على المصحات الخاصة يا وزارة الصحة ويا دكتور الوردي ولا القضية أنك لا تريد التضييق على زملائك؟

 

في الصيف الماضي قادتني رحلة رفقة عائلتي إلى الجارة إسبانيا وخلال التواجد في مدينة برشلونة أصيبت ابنتي بحرارة وغثيان فتوجهتا إلى مستشفى المدينة العمومي حيث تلقت الاسعافات الأولية والرعاية الصحية اللازمة وأحيطت بكامل الرعاية الصحية وأشرف على ذلك طاقم طبي وممرضات وممرضين غاية في المهنية ناهيك عن حالة المستشفى التي كنت أظن أنه سيكلفني مبلغا باهضا، فكانت المفاجأة أني طلب مني دفع رسوم بسيطة وأنا مجرد سائح ولست لا مواطن ولا مقيم. حينها قلت في نفسي ماذا لو مرض احدهم عندنا؟ هل كان سيلقى رعاية غير متوفرة حتى للمواطن؟ ربما عالجوه لأنه أجنبي في مصحة خاصة على حساب الدولة، من يدري؟

 

حينها أيضا أدركت لماذا يختار أغنياؤنا السفر إلى أوروبا وتحديدا الماما فرنسا او سويسرا للعلاج، لأنهم يائسون من توافر الخدمات الصحية في البلاد على الوجه الصحيح، ويسمعون ويقرأون كل يوم عن حالة صحتنا العليلة من خلال حالات مستشفيات المملكة المهترئة والتي لا تحمل إلا الاسم وحالات المرضى الذين تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بهم من حالات إهمال

 

ورمي المرضى على الأرض وطرد آخرين من الغرف وحالات ولادة أمام المستشفيات وأخطاء طبية قاتلة والأمثلة كثيرة. باختصار شديد وضعنا الصحي عليل وسقيم وفي حالة انعاش فهل من معالج؟

مجموع المشاهدات: 1410 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | Yaya
صدقت فهل من مجيب
ليس بوسعي الا ان اقول ان الوضع اصعب من ماوصفت بكتير ومستشفيات سوريا احسن منها في المغرب حتى القطاع الخاص يعاني فما بالك بالعمومي راينا في مستشفى عمومي ابشع المناظر وراينا في نفس المستشفى في جناح اخر تنظيما و غرفا تضاهي المستشفيات الخاصة فهنا يجب ان نقول ان هناك من الاطباء والمسؤولين من يشتغل وهناك من ينتظر راتبه ولا يهمه المواطن او ان يرضي ربه وضميره راينا مستشفيات خاصة مجهزة بالكامل ومستشفيات خاصة غير مؤهلة لتكون اصلا مستودعا للادوية والاتنان يطلبان نفس الاسعار والفاتورة فهنا نقول يجب على الدولة المراقبة يمكن القول ان الدولة ادا عجزت عن مراقبة العام فكيف لها ان تراقب الخاص وهنا نقول ان اهم نقطتين تاهلان دولة للمضي في الرقي هما التعليم والصحة فادا لم تتجند الدولة للمراقبة والنهوض بهدين القطاعين فسنضطر كلنا للسفر لفرنسا لاجراء العمليات كما فعل الملك وله الحق في دلك
مقبول مرفوض
1
2017/09/19 - 06:13
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة