الرئيسية | أقلام حرة | ولاية بنكيران الثالثة وأوهام "البطل المخلص"

ولاية بنكيران الثالثة وأوهام "البطل المخلص"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ولاية بنكيران الثالثة وأوهام "البطل المخلص"
 

 

قد نتفهم إلى حد كبير كون الإحباطات والهزائم الشخصية والعامة وكل عوامل القهر و الاستلاب التي قد تواجه الفرد أو الجماعة هي من تدفع به للبحث عن بطل خارق يحقق الآمال ويعوض عن الحرمان والبؤس، وعن بطل يكون هو المخلص لمواجهة طغيان وبغي أحدهم.

 

فالأمر أشبه إلى حد بعيد بأسطورة "الفتى المخلص" التي تلازم ذهنية الأقوام البدائية وتحكم عقولهم، إنه ك"توادوفا" كما في الأساطير الأفريقية، و"ميجاسي" عند الهنود الحمر و"جين مو" كما لدى الصينيين...

 

كذلك الأمر تقريبا مع الداعين بقوة لتغيير القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية بما يسمح للرجل للتمديد للولاية الثالثة، وهو نفس الأمر للمنتظرين بأحر من الشوق لعودة الرجل إلى ما يعتبر عند أنصاره مكانه الطبيعي الذي لن يستطيع أحد غير ملأه. (لا يجب أن يفهم الأمر بأي حال من الأحوال أننا مع طرح التيار الرافض، فالأمر يبقى مجرد تفصيل صغير في مسالة أعمق وفي كل الأحوال هي تبقى مسألة داخلية) .

 

بنكيران رجل استثنائي بكل المقاييس، خصومه ومناصريه على حد سواء كلهم يرونه كذلك، بالمعنى الايجابي أو السلبي للأمر، المهم انه لم يكن بالسياسي العادي الذي ستمر عليه كتب التاريخ مرور الكرام، هو رجل ترك بصمة من الصعب أن تمحوها عوامل الزمن بسرعة، الرجل كان ظاهرة سياسية وتواصلية قل من ضاهاها في تاريخنا الراهن...، كل هذا يحسب للرجل، لكن هل هذه الأمور وحدها تكفي ليرفعه البعض إلى مرتبة ذلك "البطل المخلص" الذي ينتظره الجميع ليحقق أماني وطموحات بمراد التغطية عن واقع غير مرغوب فيه؟.

 

فماذا لو قرر البيجيديون فعلا تعديل نظامهم الداخلي ومددوا للرجل نحو الولاية الثالثة؟، ماذا لو عاد بنكيران لرئاسة الحكومة مرة ثانية؟، بل ماذا لو لم يتم قرار استبداله بسلفه من الأصل... ؟؟؟.

 

هي أسئلة بريئة وقد تبدو ساذجة إلى حد ما في بعض منها، لكن هي في جميع الأحوال من أكثر الأسئلة التي طرحت ولا تزال تطرح حاليا، و هي تبقى أسئلة لها نصيبها من الواقعية...، لكن يبقى السؤال الجوهري ليس في أي منها، هو من على الجهة المقابلة، وهو هل كان كل ذلك سيغير فعلا من الأمر شيئا؟ أو بصيغة أخرى، هل عودة بنكيران ستشكل فارقا يستحق معه كل هذا العناء والجدل؟؟؟.

 

فبنكيران عند حوارييه أو حتى من هو متعاطف ويتقاسم مع –الجماعة- نفس المعانات والمقاسي ويحمل نفس الآمال والطموحات، فهو بمثابة ذلك "المسيح المخلص" وذلك "المهدي المنتظر" منهم من الذي سيملأ الأرض عدلا وخيرات لا تنضب ولاتشح، وهو والقائد السياسي العظيم الذي سيحقق كل آمانيهم السياسية وسيعيد بناء ذلك الهيكل المهدوم كما في العقيدة اليهودية.

 

إن الأمر نجده في صلبه ما هو إلا حاجة العقل الباطن للخروج من مرحلة من التيه والاستلاب ورغبة في التخلص من مرحلة انهزامية وبحث عن إعادة بناء جديدة للذات ورد للإعتبار. وهذا الشيء ليس مقتصرا فقط على –جماعة العدالة والتنمية-، بل كان دوما من السمات الأساسية للعقل المؤدلج والعقل الديني على وجه خاص، فهو دائما ما يكون محكوما بخرافة البطل المنقذ المخلص دون تملك تلك الشجاعة اللازمة نحو المبادرة وأخذ زمام الأمور على مواجهة كل التحديات لصناعة أو تغيير واقع فعلي وحقيقي قد لا يكون منصفا بعيدا عن كل تلك الأوهام والتخيلات.

 

فما يجب علينا استيعابه هو أن الأمور لم تكن يوما تسير على هذا النحو أبدا، وان الواقع لم يبنى يوما على مجرد آمال وأحلام طوباوية ما هي إلا مجرد جمل و تعابير مكررة ومعبرة عن قدر كبير من العجز والتخاذل والاستسلام لمصير ليس بقضاء مقدر عليهم...

 

فبنكيران كان سياسيا استثنائيا صحيح وهو أمر لا غبار عليه لا يختلف عليه اثنان، فقد كان للرجل على الأقل الفضل الكثير في مصالحة البيوت المغربية مع السياسية...، لكن إلى متى سنحجب الشمس بالغربال ونبني أحلاما وردية وغير واقعية ما هي في مضمونها إلا هربا من حقيقة أشياء نحن نعرف مسبقا أنها على غير تلك الطموحات والمنى.

 

فالمرء لا يحتاج إلى ذكاء كثير لمعرفة كيفية صنع القرار الاستراتيجي في المغرب على جميع الأصعدة (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي..)، كما أن المرء لن يحتاج إلى التذكير بالسياق والموجة التي حملت بالسيد بنكيران إلى كرسي رئاسة الحكومة خلال الخمس

 

سنوات الماضية، كما أن المرء كذلك لا يحتاج إلى تذكيره بخطابات الرجل الصريحة والواضحة التي لا غبار عليها حول علاقته بالملكية ومنظوره لطريقة الحكم وتدبير شؤون الدولة، وكيف أنه نفس الخطاب الذي اتخذ كذريعة للتنازل لأطراف أخرى على كثيرة من صلاحيته أفقدته جزء كبير من سلطة كان يمكن أن يخلخل بها على الأقل أركان بنية ومنظومة سياسية أقل ما يقال عنها هو أنها لا تدار بشكل سليم.

 

صحيح أن الأمور في شكلها ومضمونها تبقى مجرد تقديرات سياسية من رجل أصاب فيما أصاب فيه وأخطأ فيما اخطأ، لكن هي أشياء توضح لنا كذلك أن الرجل رغم الخمس سنوات التي قضاها دستوريا كرجل ثاني في الدولة فإن أقصى ما كان باستطاعته فعله هو المناورة في لعبة لأطراف الصف الثالث والرابع داخل دوائر الحكم، صحيح قد يكون حسم فيها بعض من الجولات لصالحه لكنه خسر كثير منها كذلك، إذ لا يجب أن ننسى أنه في كل الأحوال لم يكن الحفاظ على الموقع بما يسمح فقط بالبقاء هو الهدف، رغم الإقرار أن هذا الأمر في حد ذاته ليس هينا ، لكن بالطبع لم يكن كافيا، لأن الحروب التي خاضها الرجل ما كان يجب أن تكون من أجل الحصول على نتيجة التعادل و إنما ما يهم المواطن البسيط هو تحقيق التقدم.

 

في كل الأحوال لا يلام الرجل على ذلك في شيء، كما لا يجب أن نلوم الداعين لعودته، فهي كلها تبقى أمور مشروعة، غير أن الفكرة الأساسية التي نسعى للوقوف حولها هو كون الإشكال اكبر وأعمق بكثير من سؤال أو أزمة عودة بنكيران من عدمه، فحتى لو عاد الرجل فذلك لا يعني انه سيغير من الأمر الكثير.

 

إذ لا ننسى حتى أن الجناح الذي يملك زمام السلطة الحقيقية لم يشكل بنكيران له أي تهديد مباشر أو آني، على الأقل على المدى القريب، بل العكس هو الذي حصل فبنكيران هو من أنقذها من مقصلة الشارع في وقت كانت رؤوسها قاب قوسين أو دنى من القطف، الأكثر من ذلك فقد تم توظيف الرجل في كثير من الأحيان كواجهة تسلطية بسند شعبي وشرعنة ديموقراطوية لتمرير برامج وسياسات ما كان لها أن تتم لو لم يكن هناك من يستطيع تحمل ضربات وضغوط الشارع بدلا منها، وبالطبع لم يكن هناك أفضل من بنكيران للعب الدور.

 

فأن تلوذ فئات عريضة للتمنيات الطوباوية انتظارا لبطل خارق مخلص يكون قاهر الخصوم ومطعم الحلفاء وحامي الأتباع، قد يكون أمر مستساغا وممكن الحدوث، لكن غير الطبيعي والمنافي لطبائع الأشياء و المنبني على خلل قاتل في البنية الذهنية هو أن تصبح هذه الرؤية كحجاب يخفي عنا حقائق الأشياء وما في دواخلها.

 

لبنكيران من الزعامة والكاريزما ما يؤهله للعب ادوار لم يستطع احد قبله القيام بها، لكن لكل زمن رجالاته ومتطلباته ولأنه هناك أدوارا أخرى لرجال آخرين يرسمها القدر والطموح والمآل والمصير تنتظر أصحابها.

مجموع المشاهدات: 1225 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة