الرئيسية | أقلام حرة | الشباب المغربي .. بين الاحتضان والاحتقان

الشباب المغربي .. بين الاحتضان والاحتقان

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الشباب المغربي .. بين الاحتضان والاحتقان
 

 

تتنوع الظواهر السلوكية في المجتمع الواحد وتتماهى مع المناخ السائد فيه فتشكلُ أرضيةً خصبةً للإنطلاق والإنتشار، جاعلة الوعي الجمعي تحت رحمتها باستثمار كل القنوات المتاحة لديها وعبر كل المجالات/الوسائط المرتبطة بها ارتباطا لا يكاد ينفك عن الأفراد والجماعات كالإعلام والتعليم والإقتصاد، فتنموا لديه مفاهيم متشابكة ومرجعيات مزاجية وأهداف خجولة ومرتبكة متجاذبة النزوات تجعلها فريسة سهلة الإستهلاك، فتُترجم عبر ظواهرَ سلوكية وأيديولوجية تتحول مع التطبُّع/التطبِيع ودون علاج إلى طفرة اجتماعية خبيثة صعبة الفهم والمراس.

 

الجميع يتحدث عن العنف وينسبه للآخر، الدولة السياسيون الإعلاميون المثقفون الفنانون المدرسون الخطباء والوعاظ وغيرهم، ويعيشون حياة استعلاء وهمي وكأنهم نبلاء مُبرَّءُون مما كسبوا واجترحوا، فمن أين يا ترى يأتينا هذا الكم الهائل من العنف؟ قلق إجتماعي إضطراب نفسي وتذبذب إقتصادي إلى جانب ممارسات لا مسؤولة من طرف القيمين على الدولة، أتراه أنزل علينا كسفا من دول الغرب؟ من الذي يسبب عند الناس هذه اللا مبالات وخصوصا عند شباب فقد كل المقومات لكي يكون مواطنا صالحا لنفسه ولوطنه؟ من الذي أورثه عدم الثقة في نفسه في والديه في المؤسسات/الحكومات/الأحزاب فكان لابد له أن يدافع عن نفسه كيفما اتفق؟ أولسنا نحن من ساهم في تربية هؤلاء الشباب أبنائِنا؟ أو لعلنا استجلبناهم من المريخ فاكتشفنا أن صلاحيتهم منتهية؟

 

من الواضح أننا في هذا الأمر شركاء متشاكسون وأننا فيه شيع ومذاهب، اللا مبالي والجاهل والساكت عن الحق واللئيم والمتدروش والمتاجر والمستبد، لكن الشيء الوحيد الذي أسهمنا فيه بلا مواربة أننا أنتجنا شبابا فاقدا لهويته يمقت نفسه وحاله ووطنه والناس أجمعين، قاصرا عن فهم الحياة ومواجهة مشاكلها البسيطة فضلا عن مُعقّدِها، أوصلنا أبناءنا إلى الباب المسدود فأنشأنا منه جيشا من القنابل الموقوتة، شباب عاطل عن التفكير والإبداع رغم الشهادات العالية، وتلاميذَ وتلميذاتٍ غارقين في بحارٍ من الأوهام الزرقاء عبر أمواج التواصل العنكبوتي، وجحافل من متحمسي ومتعصبي البطولة الوطنية شباب أترع فراغه بمباريات حمراء مضت وخضراء قادمة وألوان من المصائب تمطر شباكه، وعاهات مستديمة من الخاملين المهملين مرضى الإكتئاب والأعصاب والوساوس القهرية، ومن مدمني المخدرات والخمور همهم الوحيد دريهمات يحصلون عليها بأي ثمن ليسدوا بها رمق الإدمان والنسيان، وعصابات من المجرمين قاطعي الطرق "المشرملين أصحاب السيوف" لا يخافون لا مخزن ولا شرطة ولا لومة لائم، وخوارج متنطعون جاهلون بالدين مبلغهم من العلم تحريم وتبديع وتفسيق وتكفير هم النّاجون والجميع هالك، وآخرون "مثقفون" يحاربون ويهدمون صروحا عظيمة في الثقافة الإسلامية بغض النظر عن غثها وسمينها فهكذا كل الثقافات، وهم الجاهلون بأدنى معلوم من الدين بالضرورة، جيوش مفخخة في تكاثر وتصاعد مستمر قد تنفجر في أي لحظة وفي وجه أي كان، يقول الله تعالى : "وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" الأنعام129

 

يقول ابن خلدون "التاريخُ في ظاهرهِ لا يزيدُ عن الإخبارِ وفى باطنهِ نظرٌ وتحقيق"، ليلفت انتباهنا إلى تعديل منهج قراءة التاريخ وضرورة التدقيق في بواطن سرده وعلاقته بتحقيق العمران البشري وتحديدا بميزات ثلاث، الحكم والعلوم والصنائع بما هي نتاج فكر ثم تقدم ثم ازدهار فالحكم هو السلطان المتميز بالعقل/الملك، باعتبار أن أرقى درجات العقل في الحكم وهي الدولة/العدل لضمان البقاء بخلاف الحيوان/العنف/القهر، فتنتج عنها حكمة/ترشيد السلطة علاقة تفاعلية بين الإنتاج الفكري والمادي إذ تحدد هذه الثقافة سلوكا جمعيا يستوعب كل الأنماط الإنتاجية أفكارا كانت أم ظواهر، وتسعى إلى إدماج الجميع تحت المساطر الزجرية وحضور الضمير الجمعي فلا يغلب عليها النزوع التطرفي أو الإستبدادي حتى لا تحدث القطيعة كما يرى ذلك "إيميل دوركايم".

 

فلا يليق بالمثقف أو السياسي أو الأمني أن يقول أنه فوجئ بتعنيف طفل أو بالاعتداء على مدرس أو تحرش أو اغتصاب أو قتل أو ... وهو الذي يطالع الأخبار ويتابع الأسرار، ويتفاعل مع المجتمع تحملا وتدققا وتحققا، عبر البحث واستنطاق الأحداث الوطنية والإقليمية والتاريخية بالاستبصار المستقبلي، ولا يليق بمن وُكل إليهم أمر هذه الأمة الإصرار على قصف هذا الشباب الأعزل بمناهج التدمير الخلاق أو الإبداع المدمر بلغة (جوزيف شومبتر)، وهنا من الواجب أن أهمس في روع الذين يحبكون مسلسلات دراما ضياع الشباب في الخفاء، ويذرون عليها الأموال بدون حساب لإصرافه عما يشغله ويشغل أُمتة وتمييعه والتشويش على تفكيره، إن السحر مهما طال مفعوله فإنه ينقلب على أهله، وقال بعض الشعراء :

 

وما من يد إلا يد الله فوقها *** ولا ظالم إلا سيبلى بظالم

 

إذ المؤشرات والإحصاءات المعتمدة (المندوبية السامية للتخطيط 2016/2017) تعبر عن الواقع المر الذي نعيشه، وقبل هذا وذاك ما أصبحنا نعيشه عيانا بيانا كل يوم بل كل ساعة من صراع همجي وفوضى "الأنوميا" كما يسميها "إيميل دوركايم" أحداث تحز في النفس قتل وعنف واغتصاب وسرقة، استفحلت ظاهرة الجهل (عدم التمدرس) بل حتى الذين يدرسون ليست لديهم ثقافة القراءة والبحث وتطوير الذات، وعمت ظاهرة البطالة في كل البيوت المغربية ناهيك عن (تسريح العمال) فكيف بالتشغيل، وفشت ظاهرة الشباب المنفلت في كل المدن والأحياء، قلق اجتماعي حرِج لا أحد يحترم الآخر لا موظف ولا مواطن كل القطاعات مهترئة النماء والبناء صحة إدارة تعليم أمن وهلم جرا، وذلك لأن المجتمع فاقد لكل مقومات السلامة العقلية فكيف بما هو دونه وأنى له أن يعقل أو يعي وهو في غيبوبة متصلة متواصلة، مجتمع بات يمطر كل العجائب والغرائب التي تربى عليها منذ أكثر من خمسين سنة.

 

ماذا ننتظر؟ ما الحل؟ كيف نتصرف؟ أسئلة تؤرق واستفهامات تمزق وغد يقلق (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد11.

مجموع المشاهدات: 1130 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة