الرئيسية | أقلام حرة | المدرس الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة!

المدرس الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المدرس الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة!
 

القصة الواقعية التي دوت أحداثها في أنحاء العالم

 

نشأ جون كوركوران John Corcoran ؛ خلال الربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي ؛ في ولاية نيوميكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية وأحد الأشقاء الستة ، تخرج من المدرسة الثانوية وذهب إلى الجامعة ، وأصبح فيما بعد مدرسا خلال الستينيات ؛ وظيفة شغلها مدة 17 سبعة عشرة سنة ، ولكنه كان ؛ كما يروي هنا ؛ كان يخفي سرا غير عاد !

يقول جون كوركوران : " ... عندما كنت طفلا أخبرني والداي بأني كنت ناجحا في السنوات الست الأولى من حيلتي ، وكنت مؤمنا بما صارحاني به . حقا كنت متأخرا في النطق ، لكني ومع ذلك ذهبت إلى المدرسة بآمال عريضة في تعلم القراءة والكتابة مثل أخواتي .. جرت الأمور على ما يرام في السنة الأولى بسبب عدم وجود مطالب كثيرة إلينا باستثناء الوقوف في الخط الصحيح والجلوس والإبقاء على أفواهنا مغلقة والذهاب إلى الاستحمام في أوقات محددة .

كان من المفترض أن نتعلم القراءة في الصف الثاني لكن ؛ بالنسبة لي ؛ كانت القراءة بمثابة فتح صحيفة صينية والنظر فيها ... لم أكن أفهم تلك الخطوط ، وكطفل ابن ست أو سبع سنوات أو حتى ثماني سنوات لم أكن أعرف كيف أتلفظ بوضوح . أتذكر أني كنت أصلي بالليل وأدعو " ... ياربي .. دعني أعرف كيف أقرأ غدا حينما أستيقظ .." أحيانا أقوم بإنارة المصباح وأتناول كتابا ثم أجعل أنظر إليه كما لو أني حصلت على معجزة ، لكنها لم تحصل لي مطلقا .

انتهى بي المطاف في المدرسة إلى خلافات مع مجموعة من الأطفال الآخرين الذين كانوا يواجهون صعوبة في تعلم القراءة ، لم أكن أعرف كيف وصلت إلى هناك ولم أكن أعرف كيف الخروج ... كان المعلم يطلق على بعضنا ؛ داخل الحجرة ؛ "صف البُكم" ، وحينما تكون بينهم حتما فإنك ستشرع في التفكير بأنك واحد منهم .

في اللقاءات بوالدي ، كان المدرس يخبرهم بأني "طفل ذكي ... وسينتقل " ، ومن ثم ينقلونني إلى الفصل الثالث .. ثم الرابع فالخامس ، وهكذا تخليت عن نفسي من حيث القراءة . أصحو كل صباح وأرتدي ملابسي ثم أتوجه إلى المدرسة وكأني ذاهب إلى حرب ؛ فقد كنت أمقت الفصل الدراسي وأشبهه بوسط عدواني . كان علي إيجاد سبيل للبقاء على قيد الحياة . وفي الصف السابع كنت أمكث بمكتب المدير معظم الأوقات لخوضي معارك بشكل دائم ، كنت جسورا وساخرا وفي آن واحد مختلا مما جعلهم يطردونني من المدرسة . لكن هذا السلوك لم يكن لأشعر به في قرارة نفسي ولم أكن متحمسا له ، بل كانت رغبتي أن أكون شخصا آخر ... تلميذا نجيبا لكني ؛ في الواقع ؛ كنت دونه .

في صعودي إلى الصف الثامن بدأت أشعر بإحراج نفسي وعائلتي ، فعقدت العزم على أن أصبح في المدرسة الثانوية معلما للحيوانات وأفعل أي شيء ضروري لتحقيق هذه الرغبة ، في البداية رغبت في أن أكون رياضيا ... ثم صيرفيا لقدرتي على عد النقود والتحويل قبل استئناسي بالمدرسة وتعلمي جداول الضرب (الجداء) ، فقد كانت لدي مهارات اجتماعية أيضا .. في الركض مع طلبة الكلية وإمساك مواقيتهم . فالطالب الحاصل على درجات عالية ألقى خطابا في حفل التخرج ، وقد كنت نجم هذا الحفل وسط جموع غفيرة من الطلبة ؛ معظمهم طالبات ، هم الذين كانوا يتولون إنجاز الواجبات المنزلية نيابة عني . أسطيع كتابة إسمي مع كلمات بإمكاني تذكرها ، لكني لا أقوى على كتابة جملة واحدة ؛ ولم أخبر أحدا إطلاقا بأني لا أستطيع القراءة .

ولما كنت بصدد اجتياز أحد الاختبارات أحسست برغبة جامحة في النظر إلى ورقة شخص بجواري أو تمرير ورقتي إليه كي يجيب عن أسئلتي . فقد كانت هواية الغش أمرا في غاية البساطة ، لكني لما ذهبت إلى الكلية في منحة دراسية رياضية أخذت الحكاية مسارا آخر ، فكرت يومها : " .. إلهي ... !هذا الطريق شاق ، كيف سأكون قادرا على خوض غماره ؟" . كنت ضمن أشخاص يمتلكون أوراق امتحانات قديمة .. وهي طريقة الغش ، فقد كان هناك أساتذة يستخدمون نفس الاختبار سنة بعد أخرى ، لكنني اضطررت أيضا للجوء إلى أشياء أخرى أكثر إبداعا ويأسا ، وفي أحد الاختبارات كتب الأستاذ أربع أسئلة على السبورة ، وكنت جالسا في المؤخرة محاذيا للنافذة ، مباشرة وراء تلاميذ كبار السن ، كانت لدي كراستي الزرقاء فرسمت (يقصد كتبها) الأسئلة الأربعة بشق الأنفس ، وقمت بالتنسيق مع صديق لي خارج النافذة ، من المرجح أن يكون أذكى طفل في المدرسة ، لكنه أيضا كان خجولا فطلب مني ؛ في مقابل الإجابة ؛ التوسط له لدى طالبة تدعى ماري والتي كان راغبا في اصطحابها في نزهة ربيع راقصة رسمية . مررت كراستي الزرقاء إليه خارج النافذة فأجابني عن الأسئلة .

 

اكتشاف المزيد

 

كان هناك اختبار آخر ؛ لم أتمكن من معرفة كيفية اجتيازه ، وفي إحدى الليالي ذهبت إلى مكتب الأستاذ حوالي منتصف الليل ولم يكن متواجدا فيه ، فتحت النافذة بواسطة سكين وتسللت إلى الداخل أشبه بقط متلصص .. تجاوزت الحدود فلم أكن مجرد تلميذ مخادع بل مجرما أيضا ! لماذا لم أطلب المساعدة ؟ لأنني لم أكن أومن بوجود أي شخص يستطيع أن يعلمني القراءة .

دخلت المكتب ونظرت من حولي علني أجد الامتحان فوق مكتبه.. لكني لم أجده، فخزانة الملفات كانت مقفلة. فعلت الشيء نفسه ثلاث ليال متوالية أبحث عن الامتحان، لكن بدون جدوى ، وفي إحدى الليالي حوالي الساعة الواحدة صباحا أحضرت معي ثلاثة من أصدقائي وذهبنا إلى المكتب وسحبنا خزانة الملفات ذات الأربع أدراج، ثم أخذناها خارج الحرم الجامعي على متن سيارة ، وسبق لي أن رتبت موعداً مع صانع الأقفال ، وضعت بدلتي وربطة عنقي على كاهلي، وتظاهرت بأني رجل أعمال شاب يغادر لتوه إلى لوس أنجلوس ... وفي اليوم التالي تولى صانع الأقفال نيابة عني فتح قفل الخزانة .. كانت داخلها أكثر من 40 نسخة من الامتحان مع ورقة متعددة الاختيارات. سحبت الدرج الأعلى لخزانة الملفات واصطحبته إلى غرفة نومي ... قام زميلي الذكي بحشر ورقة الغش مع جميع

الإجابات الصحيحة ، ثم أعدنا الخزانة إلى المكتب وفي الخامسة صباحاً كنت أصعد إلى غرفتي وأفكر : ” .. المهمة المستحيلة تمت ” وكنت أشعر ساعتها أنني في حالة جيدة تبعا للفكرة التي تفتقت عنها عبقريتي ... لكن لما كنت أهم بصعود الدرج لأضطجع على سريري .. جعلت أبكي أشبه بطفل .

أساتذتي ووالدي أشاروا علي بأن الناس حاملي الشهادات الجامعية يمكنهم الحصول على وظائف رفيعة ... وبإمكانهم عيش حياة أفضل ... وهذا ما صدقته، حافزي كان مجرد حصولي على تلك القصاصة من الورق سواء بالدعاء أو التلصص أو بأعجوبة... أريد يوماً أن أتعلم القراءة . لذلك تخرجت من الكلية واتجهت رغبتي في أن أتولى مهمة مدرس لوجود خصاص ، ووجدت أصدقائي يدفعون بي إلى هذا الجحيم .

تعلمت أشياء كثيرة ومختلفة... كنت مدرباً لألعاب القوى وتعاطيت للدراسات الاجتماعية، كما تعلمت الرقانة ، فقد كان بإمكاني كتابة بنمط 65 كلمة في الدقيقة ؛ لكني لم أكن أعرف ما أكتب ولم أكتب أبداً على السبورة ولم تكن هناك كلمة مطبوعة في قاعة الدرس ؛ شاهدنا كثيراً من الأفلام والتي كانت تتخللها مناقشات مستفيضة ؛ وما زلت أتذكر كم كنت خائفاً أن أفشل في تأدية دور المدرس، فكان علي أن أطلب إلى التلاميذ نطق أسمائهم حتى يتسنى لي سماعها، وكان لدي دائماً إثنان أو ثلاثة من التلاميذ الذين تعرفت عليهم في وقت مبكر.. كانوا يستطيعون القراءة والكتابة بشكل أفضل كانوا مساعدي الأقربين ولم يخامرهم شك مطلقاً في مدرسهم .. وهل بإمكان تلميذ التشكيك في مقدرة معلمه ؟! ولعل أكبر مخاوفي كانت اجتماعات هيئة التدريس التي تعقد مرة واحدة كل أسبوع ؛ فإذا كان المعلمون يجرون عملية العصف الذهني فإن المدير يدعو أحدهم إلى عرض أفكاره على السبورة. كنت أعيش إحساساً رهيباً مخافة أن يدعوني يوما؛ كان هذا الرعب يرافقني كل أسبوع ؛ وإن كانت لدي خطة احتياطية ... فإذا ما دعاني كنت سأنهض من مقعدي وأخطو خطوتين فأمسك صدري وأسقط على الأرض متمنياً في ذات الوقت أن يتصلوا بالرقم 911 ( رقم هاتف الطوارئ ) !! فأيا كان الأمر فلن أقع في الفخ وهو ما لم يحصل مطلقا.

بعض الأحيان أشعر وكأنني مدرس جيد ومهتم بما كنت أفعله، فلم أكن مرتبطاً بالفصل، كنت أتعرض للاعتداء، وأحياناً أخرى كنت أشعر بالندم ، لكنني كنت محاصراً ولم أستطع إخبار أحد بجريرتي.

تزوجت عندما كنت مدرسا ، وزواجي كان التزاما بأن نكون صادقين مع بعضنا حدثت نفسي يومها ” ... حسناً سأثق بهذا الشخص ” هذا ما تبادر إلى ذهني قوله أمام مرآة : ” كاثي... لا أستطيع القراءة. ... كاثي لا أستطيع القراءة ..” وذات ليلة كنا جالسين على الأريكة وقلت : ” ... كاثي لا أستطيع القراءة.. ” بيد أنها لم تدرك جيداً ما كنت أعنيه فظنت أني كنت أقول ”لم أقرأ الكثير ” ، وأنت تعلم بأن الحب أعمى وأطرش !

إبنتي قالت ” أنت لا تقرأ مثل ماما..! ” وهكذا تزوجنا وأصبحت لدينا طفلة... وبعد بلوغها السنة الثالثة كنت أقرأ لها بشكل روتيني لكني لم أكن أقرأ لها بالفعل ، كنت أقصد القصص التي أعرفها مثل ڭولديلوك Goldilocks والدببة الثلاثة ، فقط كنت أضيف إليها عبارات التشويق والإثارة . لكن هذا الكتاب جديد علي فقالت ابنتي مستفسرة ”ألم تقرأ مثل ماما ؟ ” حينما سمعتني زوجتي أحاول أن أقرأ من كتاب للأطفال ، وكانت المرة الأولى التي سأنفجر في وجهها ” ساعديها فأنا ....” لكنها لم تواجهني بل استمرت في مساعدة إبنتها، وكم شعرت بالغباء وأني مزيف ومخادع... كنت أدرس طلبتي ليكونوا باحثين عن الحقيقة وأنا أكبر كذاب في قاعة الدرس ، جاءت الإغاثة فقط عندما تعلمت القراءة أخيراً، درست المدرسة الثانوية من 1961 إلى 1978 وبعد ثماني سنوات تركت عملي في التدريس، فقد تغيرت مجرى قصة حياتي وحكايتي مع القراءة والكتابة..

كنت في سن الثامنة والأربعين حينما شاهدت باربارا بوش السيدة الأمريكية الأولى تتحدث على الشاشة عن محو الأمية للكبار وهو ما لم أسمع عنه من قبل، كنت أعتقد بأني الشخص الوحيد في العالم الذي يوجد في وضعيتي... لكن ذات يوم وداخل دكان البقالة وبينما أنا واقف في الطابور إذا بامرأتين أمامي تتحدثان عن شقيقهما الأكبر الذي كان يذهب إلى المكتبة ويتعلم القراءة ، كانت تغمرهما السعادة ولم تصدقا ذلك ، وهكذا وفي زوال يوم الجمعة ولجت المكتبة ببدلتي المرقطة ، وطلبت مقابلة مديرة برنامج محو الأمية قعدت معها وأفدتها بأني لا أستطيع القراءة ... أوصت لي فيما بعد بمعلمة متطوعة تبلغ من العمر خمسا وستين سنة 65 لم تكن مدرسة بل أحداً ممن يهوى القراءة، كما أنها لم تكن تعتقد بوجود شخص في مثل حالتي بعد هذه السنوات الطوال في الغش والخداع . حملتني على قراءة مستوى الصف السادس ، اعتقدت أني فنيت وذهبت إلى الجنة، لكن الأمر استغرق مني حوالي سبع سنوات حتى أغدو عارفاً بالقراءة ... بكيت وبكيت ، وبكيت بعد أن شرعت أتعلم القراءة .... كان هناك الكثير من الألم والإحباط، ، لكنه ملأ فجوة كبيرة داخل روحي .

فأول شيء كتبته كانت قصيدة عن مشاعري ، وأحد مفاتيح الشعر هو أنك لست مضطراً لمعرفة ما إذا كانت الجملة كاملة... ولا جناح عليك أن تكتبها ناقصة ...” في ختام قصته يورد جون كنكوران أعمالا قام بها للتأريخ إلى أهمية التعلم ، منها :

* بناء مؤسسة في ولاية كاليفورنيا دعاها باسمه لمساعدة الصغار والكبار على مكافحة الأمية ؛

* قامت المملكة المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الأمية بتجميع منظمات عالمية بموقع إلكتروني مختصة في مكافحة الأمية لدى الكبار ؛

 

* كما عمل على إيجاد وكالة عالمية تعنى بتيسير القراءة والكتابة.

مجموع المشاهدات: 1719 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة