الرئيسية | أقلام حرة | الاقتصاد الإسلامي وسؤال المُنطلَق

الاقتصاد الإسلامي وسؤال المُنطلَق

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الاقتصاد الإسلامي وسؤال المُنطلَق
 

لعل كل مشروع تغييري طموح ينشد أهدافا لتحقيق مقاصد تبلغه الغاية المرجوة، ومتى تجرد المشروع التغيري من كل هذا أو بعضه، فلا مستقبل لتنزيله واقعا، بل لا أمل في مساهمته البنائية لصرح الأمة المراد تخليصها أملا في خلاص الإنسانية من براثن الفساد بكل تجلياته وما يجر إليه من تبعية تفرض "تخليقا" بغير الأخلاق، واستهلاكا بغير تصنيع ولا إبداع، كما تفرض تهجيرا للأدمغة والطاقات البشري منها والمادي استنزافا للتابع تقوية للمتبوع.

 

ومن بين العديد من المشاريع التغييرية بمختلف مرجعياتها نَقْصُرُ حديثنا هنا عن الإسلامي منها مادام موضوعنا "الاقتصاد الإسلامي". فلا حديث عن مستقبل الإسلام ولا عن بناء الدولة المُنْعَمَةِ بسيادته، ولا حتى عن الخلافة على منهاج النبوة الثانية كمقصد أوغاية لبعض المشاريع الإسلامية الخادمة لها بما تملك من قوة، ولا معنى أيضا لحديث عن بناء المؤسسات والعلاقات الداخلية منها والخارجية، ولا عن القضايا بمختلف حيثياتها دون تأسيس لمشروع بناء قوة الاقتصاد الذي يعم فضله سائر الخلق.

 

لذلك أثار انتباهنا طريقة عرض هذه الضرورة "بناء قوة الاقتصاد" من خلال تحديد موقعها وقيمتها في البناء الكلي للمشروع الإسلامي "التجديدي"، الذي يكتشف المُطَّلِع معالمه وأسسه ومنطلقاته وغاياته من خلال الكتاب المرجع "المشروع"؛ المنهاج النبوي.

 

فما هو موقع الاقتصاد في مشروع المنهاج النبوي؟

 

بتصفحك للمرجع أعلاه تجده تصنيفا وترتيبا تجديديا معينا ربما لم يسبق له أحد تاريخيا بِتِلْكُم الطريقة لعرض شعب الإيمان1 في أبواب سماها صاحب المشروع خصالا نجملها مرتبة "للتبسيط" في الجملة التالية:

 

"اِصْحَبْ في جَمَاعَةٍ ذَاكِرًا صَادِقًا وابْذُلْ لِتَعْلَمَ كَيْفَ تَعْمَلَ بِسَمْتٍ وَتُؤَدَةٍ لِتَقْصُدَ في جِهَادِك"

 

أي أن الخصال العشر مرتبة هي "الصحبة والجماعة" و"الذكر" و"الصدق" و"البذل" و"العلم" و"العمل" و"السمت الحسن" و"التؤدة" والاقتصاد" و"الجهاد".

 

لتنطوي كل خصلة على عدد معين من الشعب البضع والسبعون، فيكون الاقتصاد الخصلة التاسعة التي تندرج تحتها ثلاث شعب للإيمان كما جاءت بها السنة النبوية وهي :

 

أولا: حفظ المال

 

فبناء الدولة المنعمة بسيادة الإسلام دين الرحمة للعالمين أمامه ولا ريب تحديات ضخمة، يرسم معالمها ما يشهده العام والخاص من تبذير وضياع للأموال العامة وفساد اقتصادي واجتماعي مكرس للتبعية، بتسرب الطاقات البشرية والمادية والمالية إلى جهات أخرى قد تكون معادية للإنسانية في جوهرها، وما ينتظرها كذلك من تغيير لواقع كالح يسوده التفقير والتهميش وسوء التدبير تحت مظلة الاستكبار.

 

ثانيا: الزهد والتقلل

 

فالأول فضيلة يتميز بها الفرد والثاني فضيلة اجتماعية تتميز بها جماعة المسلمين حين تلاءم بين مستويي الانتاج والاستهلاك خلقا للتوازن الاقتصادي.

 

ثالثا: الخوف من غرور الدنيا

 

فالمؤمن بالله وبمشروعه التغيري الخادم للانسانية الثابت على الحق لا تستخفه الأهواء يوما ولا تستهويه دوما ولا تغره فتنسيه وعد الله (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [آية 5 من سورة فاطر].

 

وهكذا تكمن قوة المشروع الإسلامي التغييري في كونه يهدف إحياء الاقتصاد، لتحرير الأمة من التبعية والاستعباد خدمة لمستقبل الإسلام المشرق، الذي تتطلع إليه الطليعة التغييرية بصحوتها متجاوزة هم الساعة يقينا في موعود المبعوث رحمة للخلق أجمعين، المبشر بهذا المستقبل، واستجابة للنداء القرآني الخالد؛ "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

 

وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" [سورة القصص الآية 5]، وتماشيا أيضا مع ما للتاريخ من منطق يفرض دورة حضارية جديدة وسيادة حضارة إسلامية جديدة قائمة على الوحدة الإسلامية، تتويجا لجهود منشديها متى صح لهم المنطلق من التربية - وهذا ما يؤسس له مشروع المنهاج االنبوي-، معيدين التفكير في كل جزئية من الحياة عرضا على المنهاج النبوي، أكانت اقتصادية أواجتماعية أوسياسية بصبر على طول إعداد.

 

جَوْهرٌ أنتَ مُخْلَصٌ أمْ خَليطٌ

 

طيِّبُ العِرْقِ أنتَ أمْ شَرُّ نَبْتَه؟

 

إن تضَلَّعْتَ من علوم كتاب

 

وعلى إسْوَةِ الرسول اتّبَعْتَه

 

ثُمَّ حقَّقْتَ ما هناك بِخُلْق

 

وتَميزْت في الجهاد، دَخَلْتَه

 

[المنظومة الوعظية، ص 64]

 

إلا أن التحدي أمام كل إنجاز لبناء الاقتصاد الإسلامي تعززه سيادة اقتصاد مشلول، خاضع وتابع لاقتصاديات مهيمنة يقودها شبح الغرب في زمن "العلومة"، الذي يفترس الاقتصاديات الضعيفة ويدحض الكيانات الهشة، فيصبح من لا قضية له قضية وسلعة يتاجر بها وفيها. مما كرس واقعا احتكاريا قد ينعته البعض بـ"المفيوزي" للاقتصاد وذلك لانفراد فئة قليلة بغالب خيرات البلاد، بل واستقوائها يوما بعد يوم على حساب الفئة الضعيفة، الموعودة بالنصر والعزة. و رحم الله الشاعر إذ قال:

 

ومهما يطل عمر المظالم في الورى ** فأطول أعمار المظالم أقصر

 

فما لم تستشعر الطليعة التغييرية البواعث الإيمانية للاقتصاد الإسلامي مدركة الضوابط الشرعية للدولة فيه [يراجع كتاب: في الاقتصاد لـ ذ. عبد السلام ياسين]، وساعية للتدافع المشروع في وجه الاستكبار من أجل بنائه، لن تتجسد الخصلة التاسعة بشعبها، و لن تصنع القوة الاقتصادية البانية المخلِّصة.

 

لغويا يقال: أقصد السهم إِذا أصابَ وقتل مكانه.

 

والاقتصاد في لغة القرآن معناه الاستقامة على الطريق بين طرفي التفريط والإفراط، بمعنى الاعتدال والتوسط. والمواظبة دون انقطاع، والصمود الدائم إلى الهدف المنشود.

 

فمما يعنيه الاقتصاد في لفظ القرآن كما قال علماؤنا لزوم القصد، وهذا ما حدده مشروع المنهاج النبوي بجعل الوسائل خادمة للأهداف، والأهداف مؤدية للمقاصد، والمقاصد محققة للغايات، وأكثر تدقيقا أشار أنه ينبغي لأمة الإسلام المنبعثة المتطلعة لغد الإسلام أن تلزم الحكمة فلا تأخذ الوسائل إلا من حيث فعاليتها بتحقيق الهدف والمقصد والغاية. والهدف بناء أمة الانبعاث، والمقصد توحيد المسلمين، والغاية حمل رسالة الإسلام للعالم، وهذا ما نجمله كالتالي:

 

الوسائل (الخادمة و الفعالة) ==> الأهداف ( بناء أمة الانبعاث) ==> المقاصد (توحيد المسلمين)

 

===> الغايات (حمل رسالة الإسلام للعالم)<===

 

أما عند السلوكيين فالاقتصاد يعني مما يعني السير الحثيث المتواصل بين طرفي الإفراط من حماس سرعان ما يخبو وتراخ مفشل وموقف للسير، أو بالتعبير النبوي؛ بين "الشِّرّة" و"الفَترة2".

 

وفي كتاب المقدمة نجد كلمة "عمران" التي اختارها ابن خلدون تعبيرا عن الازدهار الاقتصادي من زراعة وتجارة وبناء.

 

وتدبرا في قوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"، قال العلماء: أن أهل الأرض يفيض الله سبحانه عليهم من الخيرات والبركات بفضل الإيمان والتقوى.

 

فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال يوما: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء، فقسمتها على فقراء المهاجرين"3، وهذا ما صاغته القاعدة الفقهية بعده "إذا احتاج المسلمون فلا مال لأحد".

 

إذ للغني في "الاقتصاد الإسلامي" حاجة في ماله، متى زاد عنها فضل فهو حق يُقسَّم بالعدل على الفقراء؛ إنها رحمة الإسلام للعالمين التي جاء بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وعمل بها خلفاؤه الراشدون والمصلحون بعده حتى كانت الحياة فاضلة في عهد عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه، الذي زوج كل شباب المسلمين من بيت المال العام وبقي فيه فضل غاب المسكين الذي يحتاجه، أو في عهد عمر بن الخطاب الذي روى الواقدي وابن عساكر أنه لقي شيخا من أهل الذمة يستطعم، فسأل عنه فقالوا: هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف، فوضع عمر رضي الله عنه الجزية التي في رقبته، وقال: "كلفتموه الجزية، حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم" فأجرى عليه من بيت المال عشرة دراهم، وكان له عيال.

 

إنه أساس الاقتصاد الإسلامي بما له من حفظ للكرامة الآدمية ومراعاة للحق والواجب القائمين على العدل والرحمة اللذان بُعث بهما سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله.

 

وتحت عنوان "شروط الانتفاع" من كتاب في الاقتصاد المشار إليه سابقا كمرجع لهذا الموضوع نقرأ التالي: "تُخضع الشريعة سلوك الفرد والجماعة والدولة في ميدان المال والنشاط الاقتصادي لنفس الضوابط الأخلاقية التي تفرضها عليهم في سائر أوجه الحياة. ومحور هذه الضوابط الشرعية العدل، وامتداده وهو الإحسان. فتحصيل المنفعة، وأداء هذه الوظيفة الاجتماعية، شرط مشروط على المالك الفردي. والسعي لتعميم المنفعة والتعاون على أداء تلك الوظيفة شرط مشروط على الجماعة. ومراقبة العملية الاقتصادية للتعريف بما هو نافع، وتخطيط كيفية الانتفاع، والسهر على أن تؤدى وظيفة المال الاجتماعية، شرط مشروط على الدولة.

 

من القيود التي تضعها الشريعة على التملك والتصرف، وتخول للجماعة حق وواجب قمع من تحرر منها، وتخول للدولة حق وواجب حجره ومنعه من التصرف وتعزيره وإقامة الحد عليه، تحريم الخمر، والقمار، والربا، والفسق، والتبذير، والمجون، والرشوة، والترف، والسرقة، والغش، والفساد في الأرض، والبخل، وما إليها.

 

إن للمال في النظام الإسلامي أحكاما تعطي مذهبنا الاقتصادي أصالته واستقلاله وذاتيته المتميزة عن النظم البشرية.

 

متميز مذهبنا في موارد المال ومصارفه، في تقييده لحرية الفرد بشرط العدل الاجتماعي، في تركيزه تداول المال على التكافل والتعاون والإنفاق والبذل، لا على التكاثر والتفاخر والكنز". [في الاقتصاد، ص 44-45]

 

و قد يتساءل متسائل أي نظام قانوني عالمي، أي انضباط دولي، أي منظمة للأمم المتحدة، أي مجلس للأمن أو للسلام "شرطي العالم" يملك من القدرة ما يحول به دون وقوع حروب اقتصادية بالدرجة الأولى، نراها متجلية اليوم فيما يقع في شرق البلاد وغربها، أوفي الخفاء تدور ألاعيبها لتنفجر غداً هادمة غير بانية، مدمرة للإنسانية غير خادمة، وهنا تبرز أهمية وفاعلية الضوابط الأخلاقية للاقتصاد متى كان محورها العدل وامتدادها الإحسان.

 

و لا مأمن من هذه الحروب الجانية وشرها ما لم تكن "الشريعة الإسلامية سياجا ضابطا للاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية في أبعادها الفردية والجماعية، بأخلاق تراعي حرية الفرد ومطالب الجماعة بشرط العدل الاجتماعي" [منقول من عرض تعليمي من عروض مشروع المنهاج النبوي].

 

مما يؤكد ما قاله روجي كارويدي "رجاء" المفكر الفرنسي الذي أعلن إسلامه: "الاقتصاد الإسلامي في مبدئه القرآني لا يهدف إلى التنمية بل إلى التوازن"، وشتان بين المفهومين.

 

فاستشعارا للبواعث الإيمانية والضوابط الشرعية للاقتصاد الإسلامي، يعرف صدق الطليعة التغييرية من بذلها للدنيا، استهانة بها في جنب الآخرة ثم في جنب الله. فكل منشد للتغير وبناء قوة الاقتصاد الإسلامي، عليه كما ينبه مشروع المنهاج النبوي مجانبة المباهاة في طلب العلم، صدقا وإخلاصا بمقتضى علمه، تميزا بسمته، وتؤدته، واقتصاده، وجهاده.

 

ونذكر أن من يقعد في بيته طول الوقت ولو ذاكرا صائما قائما وغيرُه يعولُه، فهو في نظر قادة التغيير الذي تحتاجه الإنسانية عاجز كاسل باخل، - نعوذ بالله من العجز والكسل والبخل-. بل في نظرهم لا معنى لبناء القوة ما لم يكن خدمة لغاية الوجود، تكريما للإنسانية، اقتصادِها وصناعتِها وإحقاقًا للحقوقِ فيها إحسانا وعدلا، وتعليمِها وسياستِها للمجتمع تنظيما، الذي يرى فيه

 

مشروع المنهاج النبوي كون كل روابط الجبلة الأسرية والعشائرية والقومية غير منفكة عن الروابط الحياتية والحرفية والاقتصادية والمدرسية والثقافية خدمة للرابط الإيماني الولائي وتقويته ودعمه.

 

كما أنه يرى إقامة المجتمع الإسلامي مطلبا أساسيا يخضع فيه الأفراد والحكم والاقتصاد والأخلاق لشرع الله وحدوده؛ إنها الضوابط الشرعية لاقتصاد الدولة المنشودة المنعمة بسيادة الإسلام دين الرحمة، الذي ما ينبغي فيه للدعاة كما يرى مشروع المنهاج النبوي أن يشتغلوا مباشرة بدواليبها، فتغلبَهم على نفوسهم ووقتهم، فيذوبوا فيها لتصبحَ الدولة والدعوة مزيجا واحدا ذي هدف نفْعي إجرائي يومي محض. وما كان التنبيه لذلك إلا ليبقى لرجال الدعوة في الحكم السيادة الشورية، بجعلهم المراقب الأول لمجالس القرار بمختلف مؤسساستها العليا قضاءا وجيشا وتعليما وإعلاما واقتصادا وما إلى ذلك. فخطورة هذا الذوبان المحذَّر منه لرجال الدعوة هي الحور بعد الكور بموات الدعوة وتسلط الدولة عليها. ذاك التسلط الذي يدعم الاقتصاد الفردي الغابوي الرأسمالي الذي ينتظر الطليعة التغييرية اقتحام لعقبة تحويله إلى اقتصاد إنساني آدمي يصون ذا الحاجة ويحمي الضعيف والمسكين المغلوب على أمره. إنها عقبة وما أدراك ما العقبة؟ بعدها يحصل التوفير والاقتصاد في التدبير لجمع رأس المال المتكافِل فيه الجميعُ دعما لقوة التصنيع، فالتقدم، فالرقي، فالعمران بالمفهوم الخلدوني، ما يُمَكِّن من امتلاك وسائل الدنيا، ووسائل القوة والكفاية في الدنيا، والثروة، والسلاح، والاقتصاد المزدهر، والتكنولوجيا الصناعية والزراعية، والعزة، والمَنَعة، والمكانة المرجوة في المنافسة لدى الأسواق العالمية، بل وسيادتها وتوجيهها خدمة للإنسانية، إحقاقا للغاية الوجودية نتيجة سعي الطليعة التغييرية للتدافع الاقتصادي في وجه الاستكبار العالمي المفسد اقتصاديا وأخلاقيا.

 

وتنبيها وتوجيها لهذه الطليعة والصحوة عموما نجد صاحب مشروع المنهاج النبوي يقول في كتابه [في الاقتصاد ص 235 ]: "قبل أن أحدث الناس عن البواعث الإيمانية المعبئة، أكتبها في عناوين المكتوبات، آخذ بخناق نفسي لأسألها منذ متى لم تفتح المصحف، ولم تخشع لتلاوة، ولم تتدبر آية. منذ متى لم تحضر صلاة الجماعة في المسجد. منذ متى لم تشمر أذيالها لتركع في جوف الليل ركعات، وتستغفر في الأسحار".

 

عمليا وواقعيا دون العمل بالتنبيه هذا للطليعة التغييرية، لن تنعم الإنسانية بإقامة المجتمع الإسلامي المنشود - من دونه لن يكون الاقتصاد إسلاميا- رغم تشوقها لاقتصاد إسلامي مبني منطلقه على ما أشرنا ويفصله كتاب "في الاقتصاد " من بواعث إيمانية وضوابط شرعية، ورغم يقينها بحقيقة غد الإسلام الذي تشكل قوة الاقتصاد أهم دعائمه؛ قوة لا تبنى إلا بالانخراط الفعال للمسلمين عامة والطليعة التغييرية خاصة في مشاريع اقتصادية بانية بعيدا كل البعد عما يسود السوق من جشع ودوس لحق العامل وقسوة تقدس الأنانية في الربح، غير منخدعين بالهذيان الإشهاري الإعلامي متهممين برسالتهم الرحيمة للإنسانية، حاملين النفس في سبيلها على حسن الخلق اقتداءا بسيد الخلق وعلى مكاره العفة والتوبة سعيا لإعادة وحدة الأمة السياسية والاقتصادية في حضن المجتمع المنشود.

 

ويبقى كذالك من منطلقات الاقتصاد الإسلامي الناجح المصانة فيه كرامة العامل وحقه، الموزعة فيه التضحيات قبل ثمارها، التعاملُ بإنسانية يربي عليها تعليم صالح بأساليب حديثة، ما يجعل من فعل الإنسان المتقمص روح الإيمان هدى ورحمة لمحيطه الذي يسعى بتبنيه مشروع الاقتصاد الإسلامي تحريرَه من سيئ عاداته الاستهلاكية ومن دوابية الرأسمالي وجشعه، ليسود مكانها الكرم والمروءة فالعمران الخلدوني.

 

متى كانت بواعث الطليعة التغييرية لبناء قوة الاقتصاد إيمانيةً، وكان السعي لبناء هذه القوة وهذا العمران خاضعا لضوابط شرعية، فلن يحيد اقتصاد الدولة المنعمة بسيادة الإسلام دين الرحمة عن سكة الشريعة، ولن تؤطره الإرادة الاستكبارية الخبيثة المُنتهِكة في الآدمي كرامته الآدمية، كما هو الواقع اليوم. بعدما كانت الحياة يوما فاضلة كما أشرنا، فأبو بكر الخليفة الراشدي رضي الله عنه بعث عمر ابن العاص يوما إلى الشام وفلسطين وما قال له كقول الفراعنة "انتظر أوامري وطبقها كما هي" بل وجهه إلى الله وأوصاه مما أوصاه "اتق الله في سر أمرك وعلانيته، واستَحِ منه فإنه يراك ويرى عملك". فكان الحاكم يقدر للمسلم والمسلمة حرمته عند خالقه بعدم ظلمه والتعدي عليه، و هذا الخليفة الراشدي أيضا أوصى عامله قائلا: "فكن من عمال الآخرة، وأَرِدْ بما تعمل وجه الله، وكن والداً لمن معك، ولا تكشفنَّ الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم ".

 

 

إنها رحمة الإسلام بالخلق يا سادة. إنها حقيقة الغد وعدا للوحي ومطمحا للإنسانية وحسابا في السياسة بالدورة الحضارية للتاريخ.

مجموع المشاهدات: 1864 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة