الرئيسية | أقلام حرة | -- وُجهَة نَظر مول الحانوت حَوْلَ مَوضوع المُقاطعة!!

-- وُجهَة نَظر مول الحانوت حَوْلَ مَوضوع المُقاطعة!!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
-- وُجهَة نَظر مول الحانوت حَوْلَ مَوضوع المُقاطعة!!
 

 أوّلا وقبل كلّ شيء دعونا نتّفق على تأثير مواقع التّواصل الإجتماعي الذي بدأ يشهد تفاقما مُريبا في حياتنا اليوميّة، فلا أحد يستطيع أن يُنكر أنّه في قلب هاته العاصفة التّكنولوجيّة، فيما يُشبه إعصارا حَلزونيّا من الحجم العملاق، أيّاً كان مستواه الإجتماعي أو الثّقافي، وكيفما كانت درجة وعيه بمستجدّات العصر، والشّكل الذي يتعامل به مع الاساليب التّكنولوجيّة المُتداوَلَة، والتي أضحَت في متناول غالبيّة النّاس بإختلافاتها المُتعدّدة.

 

  هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فواقع مُجمل الأحزاب والنّقابات والجمعيّات وما يتمخّضُ عنها وتَلدُه من تمثيليّات أغلبها مُشوّه ومسلوبُ الإرادة، والفراغ الذي نتج عن انحرافها على أهدافها الأساسيّة، والمُتجليّة في التّوعيّة والتّحسيس والتّأطير من خلال تكريس قيَم روح الجماعة وأدَبيات الدّيمقراطيّة الصّادقة الطّاهرة من الشوائِب. كلّ هذا وتداعيّات أخرى نجمت عن سوء التّمثيل قبل التّسيير، وكلّ الفضائح التي اكتشفها المواطن بفضل هاته المواقع التّواصليّة، والتي أصبحت في اعتقاده، كلّما أماط عنها الإعلام الرّسمي اللثام تِباعاً، تُشكّل له مجموعة من العُقد، من منطلق التّسميّات المُحرِجة التي يجري الإتّفاق على تداولها، من قبيل "الحكرة".

 

  أمّا إذا تصرّفنا بمنطق عقلاني مع المُراد من الدّيمقراطيّة، والتي تُعطي الأولويّة للأغلبيّة، دون تَغييبٍ مقصود للأقليّة، فعلى هذا الأساس جَرت العادة لدَى المغاربة في اتّخاد قراراتهم المصيريّة منها والدّستوريّة، حتّى تَكونَت لَدَيهم قناعات بذلك، ومِن هنا أصبح يتأسّسُ في عقولهم ما يمكن اعتباره وعيا جماعيّا هوّ خُلاصة تفكير جماعي، فأصبحوا يتُوقون بعد ذلك إلى بلوغ منزلة الذّكاء الجماعي مع شيوع مواقع التّواصل الإجتماعيّ، التي ساهمت بشكل مُلفت في إنشاء أرضيّة ولو افتراضيّة، يمكن الإنطلاق منها لبلوغ أهداف مشتركة ذات أبعاد اجتماعيّة في غالبيتها بادِئَ الأمر.

 

  من هنا جائت محاولات كثيرة لتحقيق تغيير مُعيّن، وبالفعل حصل مع المغاربة ذلك، سيّما كلّما أحسُّوا أنّ أصواتهم بات لها تأثير ووَقعٌ، وأنّ هنالك دائما مَن يُنصت إلى مُناشداتهم في إطار مِن الإحترام الواجب لقوانين تعلو ولا يُعلى عليها. وكثيرا ما كانت هنالك تدخّلات لتصويب خطء ما أو تهميش أو تجاهل أو تقاعس.

 

  مُجمل القول أنّ ما تشهده السّاحة اليوم من تطوّرات، ليس بغريب، ما دامت بلدان أخرى تُصدّر لنا تجاربها يوميّا عبر وسائل، كما قُلت آنفا، أصبحت في متناول الغالبيّة العظمى من الجمهور المغربي. والأكيد أنّ ما حصل من مقاطعة لموادّ بعَينها، أخدت طابعا شعبيّا، مَردُّه إلى أسباب عديدة منها ما سبق ذكره، وبالرّغم من محاولات طلائها بألوان برّاقة لتَتفِيهِهَا بعد انخراط عموم النّاس بُغيَة إنجاحها، فلا أظنّ مِن منطلق ما تَكوّنَ لدَيّ من مُعطيات، أنّ الأمر سينفع، لأنّ المغاربة اجتمعوا على تبَنّيها في شَكل من أشكال (التّمرّد الإفتراضي) -بين قَوسين-، إن صحّ التّعبير، أو ما ترتّب عنها بعد ذلك مِن مشاعر فاقَتْ حدود "الْوْلفْ صعيب".

 

  المُستوى القيّاسي الذي بَلغته أسعار المواد الأساسيّة، خلّف لدَى المغاربة من الطّبقة المغلوبة على أمرها نوعا من الإنهيّار العَصبي، فلم تعُد ثُلاثيّة القالب وعُلبةُ الشّاي ورغيفُ الخبز تَفي بالغرض، بل إنضافت إلى همومهم متطلّبات ثانويّة، صارت بفعل تطوّر أساليب العيش مِن الضّروريّات. وحتّى "مول الحانوت" الذي كان يُجاري بفضل كُنّاشه السّحري ظروفا طارئة، قد أنجبَت له هو كذلك عوامل التّعريّة أولويّاتٍ، كان يُداريها بالصّبر والإيثار، فأصبح المُستهلك والتّاجر في نفس الهمّ سِيّان، بل بات من المستحيل أن يُقنع أحدهما الآخر بأنّه الأجدَر بالعَون.

 

  لنعُد إلى موضوع المقاطعة، ولنَضع الأمور في سيّاقاتها، وكلّنا نعلم أنّ الفطرة الأبويّة تصل بنا إلى حدود إنتحاريّة من حيث الأسبقيّة، كُلّما تعلّق الأمر بأبنائنا، فمِن أجلهم نُضحي أكثر مِن اللّازم، وبدون مُقابل، وأقلّه عِرفانٌ لم يكن هوّ مَبلغُ همِّ الوالِدَينِ، ولا طائل يُرجى من وراء إنتظاره. لهذا فمَا مِن أحدٍ ربّما سيجادل في كَونِ غالبيّة النُّشطاء الفَيسبوكيّين مِن الشّباب، أو بمعنى آخر جيلُ الأبناء الذي يقود هاته المُقاطعة عَبرَ مواقع التّواصل الإجتماعيّ، حتما له تأثير بالغ على جيل الآباء، سيّما وأنّه يُترجم بشكل أو بآخر مُعانات مشترَكة، تتمثّل في قساوة المعيشة وضيق ذات اليَد. فهل يا تُرى مهما زَعم مناهضو المُقاطعة، سيتخلّفُ الآباء عن مناصرة أبنائهم لبلوغ ما خَطّتهُ كلّ أسرة من أهداف على حدىً؟ وهل بجيلٍ من أبناء التّجّار لا يَختلفون عن أقرانهم في أساليب التّفكير والتّعبير، سيكون لِمُول الحانوت رأيٌ آخر غيرَ أن ينضمّ إلى مُقاطعةٍ مَنحَته شعورا بأنّه من أبناء الشّعب؟ 

 

  نعم المُقاطعة كما تعَرّف عليها المغاربة، هيّ أسلوبٌ حضاري يلجأ إليه النّاس من أجل استنكار مَظلمة وَقعت على عاتقهم، و كلّنا تابعنا أو سَمعنا أو قَرأنا عن نمادج من المُقاطعات، إستطاعت بفضلها أقوامٌ أبانَت مِن خلالها عن وعيٍ ونُضج، تخَطّي صعوبات مختلفة واجهتها في معاشها اليومّي. ناهيك عن التّوصيف الملائكي السّائد الذي ارتقى بالزّبون إلى درجة "مَلك"، بالمُوزاة مع احترام مبدأ الأغلبيّة الذي يَعكسه عُلوُّ الأمواج المتلاطمة في مُحيط الفيس بوك. فقد بَلغت المشاركات والإعجابات مستويات طوفانيّة، كانت كافيّة لإعلان حالة مِن الإستنفار لدَى الشّركات المعنيّة بالمُقاطعة، كما أنّ الإرتباك الذي ظهر للعيَان على إثر الإقبال المُتزايد عليها، مَنح للحَملة نَفسا أعمق وأطوَل. وما أجّجَ فتيلها هوّ تهاونُ المنابر الإعلاميّة والمؤسّسات الحكوميّة في التّجاوب معها ساعة إنطلاقها، في تعمّد -كما فَهم ذلك النّشطاء-. في تعَمّد واضح لإهانتهم والتّصغير من شأن مُحاولاتهم إثارة الإنتباه.

 

  إذن هنا يمكن القول أنّ الأمر قد بات يستوجبُ معالجةً جدريّة لمفاهيم عديدة، لم تكن لتنمو مِن فراغ، لولا هذا الفراغُ عَينُه الذي أعطى لجذورها مُتّسعا من الوقت والرّحابة، حتّى تمدّدَت وتَوالدَت. ليجيء بين ليلة وضُحاها مَن يُحاول وبنفس أسلوب التّهكّم البائد، أن يتقمّص دور الفاهم والوصيّ والمُوجّه. بل وفي غفلة منه يُبخّس النّاس "مُقاطَعَتَهُم". فالأمر هنا لا يختلف نوعا ما عن ثورة الثّمانِينَات وما تخلّلها من سلوكيّات غريبة حِينها.    

 

  بالنّهاية، أن نَتدرّبَ على ثقافة المُقاطعة كسلاح مشروع، فهذا أمرٌ نحتاجُه، لأنّنا لم نَتعوّد عليه! ولكن مِن مُنطلق خبرتي كتاجر لمواد الغْدَايْدْ!! أنصحُ المُقاطعين بتَوخّي الحَذر في التّعامل مع الشّركات المُنافسة، لأنّ الرّابح مِن هاته الحَملة، لا بُدّ عليه أن يُدرك، أنّهُ مُرشّحٌ لِمُواجهة نفس المصير، في حالة ما لم يَعتَبر مِن المُقاطعة الأصليّة!!

 

 

  أمّا الختام فسيكون عبارة عن باقة من الأسئلة الوَجيهة، أطرحُها بالصّيغة التّالية: -أليسَ المُستهلك حُرّا في إتخاد القرار الذي ينسجم مع مؤهلاته وقدراته في إختيار أيّ منتوج معروض للبيع، أو حتّى الإمتناع عن اقتنائه إذا ما اقتضى الأمر ذلك؟ في مقابل ذلك، أليسَ مِن حقّ مول الحانوت أن يشعر هوّ أيضا، أنّه مستهلكٌ يتمتّع كسائر البشر بحواسّ طبيعيّة منها ذَوقٌ، عارٌ علينا أن نستغربَ، إذا ما سَما إلى ذوقٍ رفيع؟   

مجموع المشاهدات: 1540 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة