الرئيسية | أقلام حرة | الصيام المأمول..

الصيام المأمول..

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الصيام المأمول..
 

الصيام أو الصوم من بين أهم الفرائض العظيمة التي كتبها الله على عباده، والمفردتان معا مصدر لفعل واحد "صام"، الذي يعني أمسك وترك. والصيام شرعا حسب ما ورد في كتاب الله العزيز والسنة النبوية الشريفة، هو الإمساك عن الطعام والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع استحضار نية الصوم. وهو كذلك التوقف عن الكلام والشتم وتجنب المحرمات من سلب ونهب وتبذير وظلم وهضم الحقوق.... وهو الركن الرابع في الإسلام، حيث قال الصادق الأمين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، صوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا".

 

وفضلا عما لهذه الشريعة الدينية المقدسة من فوائد في تقوية إرادة الصائم، تطهير الجسم مما تراكم فيه من سموم، تنقية الدم والحماية من الأمراض، فإن شهر رمضان مناسبة حقيقية لطلب الرحمة والمغفرة، وفرصة ذهبية تتكرر في كل سنة، منحها الله لعباده قصد تجديد إيمانهم به والتقرب منه أكثر، من خلال تزكية النفس وتطهيرها. فلم يشرع سبحانه حكما إلا وله فيه أهداف سامية لإسعاد الإنسانية، قد تهتدي عقول البشر إلى بعضها وقد يتعذر الكشف عن الكثير منها عدا عند الاستعانة برأي العلماء، مصداقا لقوله تعالى "...فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". إذ من جملة أفضال الصوم على المؤمن، التعود على تحمل المشاق، الشعور بمعاناة الفقراء والمساكين من الجوع والعطش، الاختلاء بالنفس ومراجعة السلوك، التخلي عن العادات السيئة والإكثار من أفعال الخير، واكتساب تقوى الله التي تقود إلى طاعته والامتثال لتعاليم دينه. فقد جاء في سورة البقرة الآية 183: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون"

 

والتقوى لغة، مأخوذة من فعل وقى: أي صان وحمى وحفظ، والمصدر وقاية. واصطلاحا هي أن يقي المسلم نفسه من غضب الله، بالخضوع لأوامره والابتعاد عن نواهيه، عبر الالتزام بأداء الواجبات والفرائض على أحسن وجه، واجتناب المحرمات والشبهات والمكروهات. ولعل من بين أجمل ما قيل عن التقوى، كلمات الصحابي الكبير علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، التي وصفها لأحد السائلين بالقول: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

 

فأي تقوى أفضل من الإعداد ليوم الرحيل بأن يكف المؤمن عن ارتكاب المعاصي وإيذاء الآخرين، ويلزم نفسه باتقاء عذاب الله، من خلال الامتناع عن المحرمات والمغريات وحب الشهوات؟ فالنفس البشرية تواقة إلى كل ما تشتهيه العين والبطن، ولا تفتأ تأمر صاحبها بأفعال الشر والسوء. وقد جاء حكم الله بفريضة شهر الصيام، يهدف إلى تزكية النفس وتطويعها إلى إرادته، بالتوقف عن تناول ما أباحه من الطيبات في أوقات محددة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

 

وشهر رمضان كما سلفت الإشارة، مناسبة ثمينة للتوبة وتحقيق تقوى الله، إذ يمكن خلاله تقويم سلوك المرء والسمو بأخلاقه إلى أفضل الدرجات. وهو تمرين حقيقي للإصلاح وتخليق الحياة العامة في سائر الأيام والشهور، بتنمية الشعور لدى المسلمين في مختلف مواقعهم ومناصبهم بأن هناك إلها يرقب سيرهم وأعمالهم في السر والعلن، تعزيز قدراتهم على الالتزام بالواجبات وتفادي الشبهات والمحرمات، تهذيب النفس وترويضها على الصبر وجميل الأفعال وتحصينها من كل المغريات والممارسات الدنيئة وغير الشرعية، تقوية الجانب الروحي بالاجتهاد في طاعة الخالق والاستعداد الدائم ليوم لقائه، الحرص على تكريس التكافل الاجتماعي والإخلاص في العمل والاستقامة، ابتغاء الأجر والثواب.

 

ورغم مضي عشرات الشهور من رمضان، وما نظم خلالها من دروس وبرامج إذاعية وتلفزيونية حول فوائد الصيام ومقاصده، مازالت أحوال الناس على ما هي عليه من تقاعس في أداء واجباتهم الدينية والدنيوية وفساد في السلوك والأخلاق، إذ تكرس في الأذهان أنه شهر النوم والخمول وانتشار التعاطي للمخدرات والدعارة... والأسوأ من ذلك أن يتواصل الأمر مع تولي قيادة الحكومة حزب ذي مرجعية إسلامية "العدالة والتنمية"، توسم المواطنون خيرا في قيادييه الذين يتبجحون بالزهد والطهرانية، وراهنوا على أن يكون لهم المنقذ من "الضلال"، بتطهير الحياة والقضاء على جل مظاهر الانحراف، خاصة أنه جاء ممتطيا صهوة محاربة الفساد والاستبداد، حاملا وعودا بالتغيير والإصلاح.

 

بيد أنه سرعان ما أصيب المواطنون بالإحباط وخيبة الأمل، واتضح جليا أن "إخوان" بنكيران والعثماني ليسوا سوى أشخاصا يتهافتون فقط على المناصب والمكاسب، متخذين من الخطاب الديني وسيلة لدغدغة العواطف وانتزاع أصوات الناخبين، ويكفي العودة إلى سوء تدبيرهم للشأن العام في الولاية الأولى وبداية الثانية وما ظهر لهم من فضائح مدوية. فلا هم أوفوا بوعودهم في محاربة الفساد الذي استشرى بشكل فظيع، ولا هم استطاعوا الحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة والحد من الفوارق الفئوية والمجالية والأجرية، وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية.

 

 

إن رمضان مدرسة عليا في تعلم خشية الله والخضوع لأوامره وتجنب نواهيه، وترسيخ قيم الصدق والوفاء والقناعة والإخلاص وصون الأمانة واحترام حقوق الغير... فلماذا لا نجعل منه مدخلا للهداية وتغيير سلوكنا، ويكد ويجتهد المنتخبون والمسؤولون ليكونوا قدوة في الاستقامة والنزاهة واللباقة والعدل والحس بالمسؤولية... والصوم عن إفساد الانتخابات وشراء الذمم والاغتناء غير المشروع والتنابز بالألقاب وظلم المواطنين وإهانتهم واستغلال النفوذ والتقصير في أداء الواجب والرشوة والمحسوبية والتلاعب بالصفقات العمومية وتبذير المال العام...؟

مجموع المشاهدات: 1240 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة