الرئيسية | أقلام حرة | ظاهرة التشرميل صبيانية أم تعبير سياسي

ظاهرة التشرميل صبيانية أم تعبير سياسي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ظاهرة التشرميل صبيانية أم تعبير سياسي
 

 

لا شك أن جل الظواهر الشبابية نشأت في أوساط الشباب كشكل من أشكال التعبير السياسي لفئة تشعر بالعزلة والتهميش في محاولة لتسييس واقع اقتصادي واجتماعي تئن تحت وطأته هذه الشريحة المجتمعية. كما يبدو واضحا لدى متتبعي الشأن الوطني أن المغرب يتخبط في عدة مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وتتعدد هذه المشاكل بتعدد الأسباب والمسببات، إذ أضحت تشكل بركانا خامدا يهدد حصن المجتمع ويخدش ملامحه الأصلية، فبتفاقم مظاهر التفسخ الأخلاقي والخواء القيمي وفقدان الإرادة السياسية وتفشي الإفساد الذي يعتبر عمق المشكل وجوهره، يمكن أن نتوقع ما هو أخطر من ظاهرة "التشرميل" أو تسرب اليأس المجتمعي وأفول مكونات المجتمع وبروز حركات احتجاجية متنوعة بتنوع الإخفاقات والتراجع في شتى المجالات .

 

ولعل تصنيف المؤشر العالمي للتنمية البشرية وتحذيرات تقارير المنظمات الحقوقية الدولية وناقوس الخطر الوشيك الذي دقّه صندوق النقد الدولي يكشف عن حقيقة مرة تثبت مدى ضعف كل البرامج الحكومية الخاصة بمحاربة الفقر والبطالة والتهميش والعوز الاجتماعي والأمية. حيث احتل المغرب المرتبة 124 من بين 177 بلد شملهم التصنيف، كما يوضح حجم معاناة الشعب المغربي ذلك أن نسبة كبيرة من المغاربة يشكون من ضعف الدخل الفردي ويعيشون تحت عتبة الفقر، مما أفرز لنا نمطا اجتماعيا مختلا تجسد في استفحال مظاهر التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي والانحراف بجميع أصنافه.

وعلى مستوى الإجراء الحكومي الرسمي الذي ابتدأ يترهل في بوتقة سياسية ضيقة بسبب سوء تقدير المرحلة، لا يبدو أن هناك إرادة سياسية أو خطة إستراتيجية محكمة من شأنها طمأنة المواطنين على الأقل أو زرع نوع من الأمل المجتمعي المفقود. فمبادرة التنمية البشرية التي تعتبر ورشا ملكيا صرفا طغت عليها الانتقائية وتوظيف الوسائط والزبونية، لم تراع في تقديرها الإجرائي طبيعة المعضلة التي تنبثق من المجتمع وتهم بالأساس أفراده وبالتالي لن يكون خير تعبير عن تطلعات معالجتها إلا هؤلاء الأفراد، الشيء الذي لم تعتمده المبادرة، كما أن غياب التشخيص المباشر للأسباب والترابطات السياسية والثقافية جعلها تسقط في مزالق الشعارات والتهليلات التي طبعت البرامج التنموية السابقة.

 

أما مبادرة الجهوية الموسعة فسيتم من خلالها ترسيخ القضية الجدلية "المغرب النافع و الغير النافع" حيث ستستأثر خمس جهات والمتمركزة في الوسط بحصة الأسد من الدخل الوطني الإجمالي في حين باقي الجهات ستكتفي بفتات المائدة، بذلك ستتسع الهوة بين الجهات وبين مكونات الوطن الواحد، حيث ستبرز جهات متقدمة عن الأخرى في شتى المجالات فيما ستبقى الأخرى متأخرة بخطوات عديدة، فضلا عن أن التقسيم الحالي لم يحترم الخصوصيات الثقافية والتاريخية واللغوية والاقتصادية ثم الجغرافية، وهناك أمثلة عديدة على مستوى التراب الوطني عامة. كما أن نظام الانتخابات المقرون بالمحسوبية وشراء الذمم، سينعكس بالسلب على نجاح الجهوية الموسعة حيث من المرتقب أن تُسيّر جهات المغرب من طرف ذوي الخبرة الانتهازية والمستويات المتدنية، وربما من طرف أميين مما سيؤدي إلى اختلال الجهة وتدهورها بشكل لا ينسجم مع تطلعات حكماء المغرب .

 

 

فبدل أن تعطي وزارة الداخلية تعليماتها من أجل التنسيق الكامل لجهود مختلف المصالح الأمنية، وعلى رأسها الإدارة الترابية، لبذل المزيد من المجهودات للتصدي لظاهرة التشرميل التي تهدد أمن وسلامة المواطنين، كان عليها أن تدعو إلى مقاربة مجتمعية شاملة يساهم في تنزيلها مختلف مكونات المجتمع دون إقصاء أو انتقاء، لأن ملامح الدولة المنشودة التي تعمل على تحقيق مطالب شبابها هي مؤسسة لا تؤمن بالمقاربة الزجرية والحل الأمني بقدر ما تؤمن بالعدالة الاجتماعية والاستجابة لتطلعات الأغلبية الصامتة، أيضا هي نظام يؤمن بدولة التوازنات الاجتماعية لا بدولة الفوارق الاجتماعية والتراتبية المطلقة.

مجموع المشاهدات: 1439 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة