الرئيسية | أقلام حرة | أنا وصديقي الفاشل...

أنا وصديقي الفاشل...

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أنا وصديقي الفاشل...
 

 

اعتدت دائما التقاط بعض العبارات،لا سيما تلك التي يلفها بعض الغموض، فآخذها وأحللها وأفكك رموزها وأستنتج ما إذا كان يقصد بها مدح أو دم ، سخرية أو تقدير. لن أقول عن نفسي  أني بارع في تحليل الإيحاءات والصور الدلالية ، فأنا أعرف نفسي أتوق  إلى أن أكون عبقريا حتى وإن لم أبذل أي مجهود أٌحمد عليه.

 لا يهم ... سأحكي لكم موقفا حصل معي اليوم ، وأتمنى أن يروقكم ، لأنني لست بارعا في سرد المواقف، ولكن سأحاول ..."المغاربة تقدموا ...دخلوا للفايسبوك"هذه الجملة  التقطتها أذني اليوم وأنا جالس في مكان اعتدت الجلوس فيه، أمسك هاتفي الذكي في  يدي وعيناي مركزة في شاشته . حملت عيناي لأستطلع مصدر الجملة ،فإذا هو صديق اعتاد المرور أمامي كل يوم، وأكثر العبارات الملغومة التي شغلني تحليلها كان صاحبها صديقي هذا، أظن أن ما قاله كان يقصد به السخرية مني أو الانتقاص من قدري ،ولكن ...لا يهم ... سآخذها إلى مختبري ،فلحسن حظي أني أتقن المهارة التي ذكرتها سابقا_ تحليل العبارات_ سأريكم كيف أفعل هذا... بدأ صديقي جملته بالمغاربة ... ترى ماذا يقصد بهذه العبارة ؟ فإذا كان يقصدني أنا كمغربي فهو أيضا مغربي ، إذن فنحن الاثنان مغاربة، لكن هل لنا صفات مشتركة؟ ربما لا...وربما نعم ... فهو يمر أمامي كل صباح متوجها إلى "الموقف"، بمعنى ليس له عمل قار ولا مهارة محددة، أما أنا فأجلس على هذا الكرسي ، أمرر إبهامي على شاشة هاتفي ... أقصد أني ليس  لدي أي عمل أقوم به، هو فشل في دراسته ولم يستطع إتمام الطريق ، أما أنا فقد أتممت دراستي بتفوق، لا تسألونني عن التخصص فهذا يصيبني بالحرج، قد تستنتجون ذلك من خلال حديثي لكم ،خاصة إذا كنتم تتقنون نفس المهارة التي أتقنها ... أعود إلى المقارنة ... ربما الميزة المشتركة بيننا نحن الاثنان هي الفشل ... فقد فشل هو في إتمام الدراسة وفشلت أنا في البحث عن عمل ، إذا فإذا ربطت بين عبارة المغاربة والصفة المشتركة بيننا سأجد أنه نعَتني بالفاشل ،والفاشل صفة سلبية ... لن أستعجل في الحكم ، لذا دعوني أحلل العبارة الثانية وهي "تقدموا" ، أظن أن التقدم فعل محمود، ظني هنا سيجعلني أبحث عن تحديد مفهوم التقدم ،وهي كلمة توحي بمعاني ودلالات عدة في اللغة وفي الاصطلاح، كما أنها ذات مغزى زماني ومكاني في آن واحد وهي كلمة تنطوي على التميز والارتقاء في كل نواحي الحياة ، والتقدم يعني قطع مسافة نحو الأمام أكبر من تلك  المسافة التي قطعها الغير ، فعندما نتحدث عن إنسان أو مجتمع متقدم نقصد أنه أصبح قريبا من المستقبل أكثر من غيره ، ووجدت أيضا أن التقدم لا يكون دائما محمودا بل قد يكون هذا التقدم نحو الخير أو نحو الشر. إذا كان كذلك فما هو التقدم الذي يقصده صديقي ؟هل التقدم الايجابي أم التقدم السلبي؟ فإذا كان التقدم الايجابي فهل أصبحت قريبا من المستقبل أكثر من غيري ؟وإذا كان الوجه الثاني للتقدم   فما هو الشر الذي  تقدمت نحوه ؟ حقيقة لا أعرف الإجابة ! ولكن دعوني  أمر إلى العبارة الثالثة وهي "دخلوا " ، لن أعطي مرادفا لفعل دخل ولكن هذا الفعل يذكرني بالدخول في تجربة  جديدة في الحياة ، نعم لقد تخلصت من بعض العادات القبيحة  كالوقوف مع أصدقائي في نهاية الزقاق،أراقب المارة وأتحرش بالفتيات  أو أنتقد بعض الأشخاص الذين لا يروقون لي أو أناقش مع رفقائي  مواضيع تافهة لا تغني من الفائدة شيئا ،أما الآن فأجلس وحيدا لا يُسمَع لي صوتا إلا إذا حياني أحدهم فأرد التحية وأستمر في    صمتي ...ربما ستقولون أني انتقلت من سيئ  إلى أسوء ...ولكن قد تغيرون رأيكم إذا حللت العبارة الرابعة وهي "الفايسبوك" ، ستتساءلون عن ماذا أعني ؟ سأجيبكم بأن "الفيسبوك "هو الفضاء الجديد الذي يقصده الكثير من الناس بعدما ضاق بهم الفضاء الحقيقي، وكبلتهم القوانين وأعراف المجتمع وضاقت بهم الحدود الجغرافية وضاقوا درعا من الطبقية والقهر الاجتماعي ،فهنا في هذا الفضاء الجديد يمكننا أن نُحدث من نشاء دون التقيد بالعرق أو الجنس أو الحدود الجغرافية أو الوضع الاجتماعي ، يمكننا أن نسب ونشتم وننتقد ،يمكننا أن نتمرد على القيم وأعراف  المجتمع –أقصد نتشرمل– ويمكننا أن نعرض السلع والخدمات من أي نوع كانت،ويمكننا أن نحتج على وضع لا يعجبنا أو نحشد للاحتجاج ،أو نعبر عن أرائنا أو نتفاعل مع الآراء الأخرى، ويمكننا...ويمكننا... إنه العالم المثالي الذي ينشده كل تواق للحرية، فهو فضاء يجعلك تبدو صالحا تفكر في مصلحة الجميع،وقد يجعلك تبدو خلاف ذلك ،قد تفهمون ماذا أقصد.

 

 بعد كل ما قلته وجدت نفسي لم أتخلص من بعض العادات القبيحة والتي كنت أمارسها قبل اكتشافي "للفايسبوك"،لازلت أتحرش وأسب وأشتم وأضحك وأناقش المواضيع التافهة . الشيء الذي تغير هو الفضاء، ففي الفضاء الأول كنت أحس أني مقيد بالقانون والقيم والأخلاق ، أما في الفضاء الثاني فهامش الحرية الذي وجدته هنا جعلني أبدو أسوأ مما كنت عليه في السابق . سأعود إلى ما قاله صديقي ، ومن خلال تحليلي لكلامه ،استنتجت أنه كان يقصد أني فاشل، تقدمت في الاتجاه المعاكس، أي نحو الانحطاط . ولا أخفيكم سرا أني حساس ،وأي عبارة أحللها سلبا تجعلني أُسيء التقدير لذاتي وبالتالي أبقى حبيس دائرة الفشل، لذا سأتخلى عن مهارتي في تحليل الكلام وأبحث عن مهارة جديدة.

مجموع المشاهدات: 1158 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة