الرئيسية | أقلام حرة | "يَاوْفُوسْأورَايْكّاتْ رّْشْ"

"يَاوْفُوسْأورَايْكّاتْ رّْشْ"

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"يَاوْفُوسْأورَايْكّاتْ رّْشْ"
 

 

ليس متوقعا لدى العديد من خريجي المدرسة العمومية المغربية في سنوات مضت، أن يصل مستوى المتعلم بها إلى دركات سلوكية بان تأثيرها على مستوى المجتمع الكبير-وهو أمر طبيعي- لتلجأ بعد ذلك المؤسسات الأمنية إلى خيار الردع تاركين وراءنا الجذور التي تنبت ولا تتوقف عن ذلك.

في أيام الناس هذه، انفجرت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، في وجه المشاهد معلنة استفحال ظاهرة اصطلح عليها :"التشرميل" على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي كانعكاس لواقع مرير، أبطاله أناس بلغوا سن الرشد ومنهم من ينتظر، حاملين سيوفا وعتادا للحرابة، في صور يحسبها الناظر للوهلة الأولى أنها التقطت في "كربلاء"، مهد الشيعة الروافض حيث الضرب والجرح مقدس ومقبول، او إنها صور حصرية من عاصمة إفريقيا الوسطى "بانغي" التي يبيد فيها النصارى جيرانهم المسلمين الذين يمثلون 20 في المائة من مجموع سكان البلاد.

أمر مؤسف أن يصل أبناؤنا وبناتنا، إخواننا وأخواتنا إلى هذا الحال كتعبير صارخ عن واقع يتوق أهله إلى التغيير نحو الأفضل.

وإذا كانت المدرسة التعليمية العمومية قد لفظت مثل هؤلاء، فإن المسؤولية الملقاة عليها منفردة تعادل حملا ثقيلا تهد له الجبال هدا.

ففي عالم التنشئة الاجتماعية، تعتبر الأسرة المهد الأول لتلقين مبادئ الحياة ، وخاصة وأن الأم هي مصدر الحنان والعطف والأمومة التي بها تصلح الأمم، وحين تخطئ في التربية يكون المسمار الأول قد دُق في نعش المجتمع. هذا الأخير الذي يحيل بتفويض من الأولى المعني نحو المدرسة. ذلك الصرح الشاهق الذي لم يعد يقوى على الصمود في وجه مؤسسة طغت على الكل، وهي مؤسسة "الإعلام"، بالرغم من أن الجميع يكاد لا يتذكرها في اللحظات الحاسمة.

أقول هذا وأنا على وعي بأن هذه المؤسسة تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية أمام ما يقع اليوم لمتعلمينا من هذه الاجيال الصاعدة، بعيدا عن نظرية المؤامرة التي ترددت غير ما مرة في كون "المعلم" بالمدرسة العمومية هو المسؤول عن تخريج أفواج الفاشلين و"المشرملين" في الآونة الأخيرة، كخطوة أولى نحو إقبار الحلول بشكل أبدي.

معلم اليوم، يقف أمام طلبته وتلامذته عاجزا عن النطق والتعبير، لأن الأفلام المدبلجة وبرامج الرقص والتهريج والإجرام قد فعلت أفاعلها بالعقول الصغيرة فلم تترك أمامه فرصة القول. ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، فإن مبادئ البرامج السابقة قد رسخت وعجزت مبادئ التربية الحقة بالمدرسة العمومية التي مازالت في عصر الطبشورة عن زاحتها قيد أنملة، ففقد مع هذا الأستاذ مكانته في القلوب واستهدف بشكل كبير في برامج سخيفة تنم عن حقد دفين على كل ساع للإصلاح، فسقطت القدوات في عيون الأبناء، وصنعت أوهام على أنها الحقيقة في الوقت الذي انشغلت فيه الأمهات بمتابعة الحلقات الجديدة من مسلسلات انتشلناها في مزابل السينما. فتكفلت مؤسسة الإعلام بالتربية عوضا عن الأصل، لنرى على أرض الواقع صورا وأشكالا من البشر فقدوا بوصلة السكة الصحيحة في مغرب القرن الواحد والعشرين.

لمن نحمل المسؤولية إذن بعد كل هذا؟!

المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق الأسرة مهد التربية الأولى بلا جدال، ثم مؤسسة الإعلام صاحبة اليد الطولى. آنذاك يأتي الدور على "المعلم"، ثم المجتمع الكبير. وبدون تحقيق تعاون جدي بين جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية هذه، لن نرى في واقعنا غير "المشرملين" ونتاج الهوان التربوي، ويكفينا استحضار ما اشتهر على الألسن قديما:"يَاوْفُوسْأورَايْكّاتْ رّْشْ".

 

 

            

مجموع المشاهدات: 808 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة