الرئيسية | أقلام حرة | هفوة المصلح

هفوة المصلح

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هفوة المصلح
 

 

يسعى الجميع إلى تنقية النهر، لكن القليل من يفكر في تنقية الشعاب والوديان، لأن الأضواء المسلطة على النهر قد جلبت الجميع للإلتفاف حولها. في الوقت الذي تهتم القلة القليلة بتنقية الروافد البعيدة عن هذه الأضواء. فهل يمكن إصلاح المنتوج في السوق أم في الضيعة. جل النقاد والمتبنين للدعوة إلى الإصلاح، سواء كان سياسيا أو ثقافيا أم دينيا، قد تركوا بلداتهم وركبوا طوافاتهم يجوبون المنابر، ويستقرون بالعواصم ويدبلجون خطب الإصلاح، في حين لو أعطى كل واحد منهم الإهتمام لمشاكل بلدته بالتوازي مع نشاطاته الأخرى، لحلت مشكلة الهدر المدرسي، ولحظي العديد من التلاميذ النجباء بالتوجيه والمساعدة، التي لها دور محوري في حياتهم، ولا سبيل للفقراء منهم واللذين جلهم هم من أبناء أسر غير متعلمة. ولو اهتم كل صاحب منصب سام، أو شهادة علمية عالية، بمسقط رأسه بشكل رسمي، لكانت الرقابة أكثر فعالية على المجالس المحلية، ولحضر الطبيب قبل الممرض للمستوصف، ولالتزم المعلم بالحضور، ولارتفعت الجودة في الأداء بكل هذه المناطق النائية. عند وجود من يدافع عن البسطاء، وينقل مشاكلهم أولا بأول وبإصرار إلى المسؤولين المباشرين عنها، ولما وجد الخطاب الديني المتشدد المنفذ للمناطق المهمشة، لكونه ممنوعا من الصرف خارج الظلام. لكن الإصلاح عندما يهمل الممارسة الموضعية، وينهمك في علاج الداء من مواقع خارجية، وكأنه مجرد داء عرضي، وليس داءًا مزمنا بعدما اكتملت دورته الحيوية، مما يحتم العلاج الشامل وإعداد دورة إنتاج كاملة للدواء، تنطلق من الخلية الدقيقة. لكن هذه الخلية طالما أنها ليست مرئية والضوء لا يصل إليها، فالأغلبية يريدون أن تكشف الأضواء أعمالهم، وأن يتبرأوا من مثل هذا الواقع بالإدانة الرسمية فقط. بدل أن يتقاسموا قوتهم المعرفية مع البسطاء من حولهم، ويخصصوا جزءا بسيطا من وقتهم لخدمة الهوامش، لا أن يلخصوا الإصلاح في القضاء على الفساد بمحاكمته، دون الإنتباه إلى أن سياسة المقعد الفارغ داخل المجال، هو أوكسيجين الحياة بالنسبة للفساد، وأن محاكمة هذا الفساد أو انتقاده، قد تعالج فعلا منصرما، ولن تنتج قيمة مباشرة للمستقبل. حتى وإن أنتجت قيمة غير مباشرة في إعطاء العبرة، فهي لن ترفع من سقف المستقبل، الذي لن يحتاج إلى أكثر من أن يتواضع ذوي النفوذ المعرفي والإداري والسياسي، للآخرين، بالقول والفعل المستمرين، من أجل إنعاش الأمل في هذا المستقبل، الذي تحتاج صياغته السليمة للممارسة الموضعية، أكثر من الإشارة بالأصابع من فوق المنابر. إن العيش بالمراكز وبالأحياء الراقية ليس محرما ولا مكروها، والإهتمام بالمصلحة الشخصية ومصالح الأسرة بدوره كذلك. لكن التوفيق بين الخطاب والعمل لن يلغي هذه المصالح، والتوفيق بين الدعوة للإصلاح وممارسته بالجذور كذلك، بتخصيص جزء يسير ومنظم من الوقت لخدمة الهوامش سواء داخل المدن أو خارجها، حتى في حال الإقامة بعيدا عن هذه الهوامش، فالتتبع من بعيد وزيارات دورية تفي بالغرض، لأن هذه الهوامش رغم ازدياد نشاط المجتمع المدني بها، فالجمعيات داخلها تفتقر بدورها للأفكار وللتجارب كذلك، وليس فقط للدعم المادي، فهي تعاني مثلها مثل البسطاء من الشطط والبيروقراطية في كثير من الحالات، وتحتاج أيضا مثلها مثل الإدارات للتتبع والمراقبة عن كثب، حتى يستقيم شأنها فتؤتي كامل أكلها.

إن هذا النوع من المساهمة لن يرتبط النجاح فيه بالإقامة الدائمة، بل يرتبط فقط بالمتابعة الحثيثة والقائمة. "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين" الآية.

مجموع المشاهدات: 1220 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة