الرئيسية | أقلام حرة | "داعش" .. نسخة أكثر وحشية؛ لحركات إسلاموية تحتضر

"داعش" .. نسخة أكثر وحشية؛ لحركات إسلاموية تحتضر

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"داعش" .. نسخة أكثر وحشية؛ لحركات إسلاموية تحتضر
 

 

برزت خلال أيام الأخيرة، حركة إسلامية متطرفة عرفت باسم "داعش"، تدعي بأنها القوة القادرة على تخليص العالم من بطش واسغلال الكفار الذين عاثوا في الأرض فسادا، وتهدف إلى نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، بعد إقامة "الدولة الإسلمية" حيث ستكون الكلمة الأولى والأخيرة فيها لشرع الله، وما جاء في القرآن الكريم من أحكام وتشريعات، على اعتبار أن الإسلام أكد أيضا على نظام حكم يعتمد على "الخلافة" يعمل على ضمان حقوق الأفراد وحيامتهم طبقا لما أنزله العزيز القدير، لا ظلم فيها ولا إجحاف.

ظهورها جعل وسائل الإعلام العالمية تتحول نحو هذا الوافد الجديد، وبدأت تنقل أخباره يوم بيوم، بل ساعة بساعة، وانشغل بها أيضا عدد من المحللين والمنظير هناك من ذهب الى البحث في تاريخ زعيمهم "أبو بكر البغدادي"، وهناك من حاول البحث في سر انطلاقهم من سوريا وانتقالهم إلى العراق، ودراسة علاقتها مع تلك الأرض الطيبة التي تشكل أمهية تاريخية وحضارية لكل الديانات السماوية وتثير اهتمام كل المتطرفين، وهناك من حاول تناولها من هذه الزواية أو تلك...، دون الأخد بعين الأعتبار مقومات وأدوات التحليل العلمي الدقيق التي تتطلب ضرورة الإعتماد على مناهج محددة، حتى يتمكن الباحث من الوصول إلى خلاصات مقبولة، تحتمل الصحة والخطأ مثلها مثل أي خلاصة علمية، أو على الأقل وضع الموضوع على سكته الصحيحة والتأسيس لنقاش علمي دقيق من شأنه أن يقود عاجلا أم آجل إلى حقيقة هذه الجماعة.

هذا الوضع المتشابك والمتداخل الذي وجدنا أنفسنا أمامه، جعل الرأي العام تائه وراء كثرة المعطيات المتقاطرة عليه دون قدرته على التأكد من صحتها ودقتها أو علميتها، خاصة وأن لا أحد حاول دراسة "داعش" باعتبارها حركة إسلاموية، في ارتباطها بباقي الحركات من بنات جنسها التي سبقتها إلى الوجود، منها من انتهى وجودها ـ طالبان ـ ومنها من هي على شفة حفرة من "الانتحار" الفكري واليساسي ـ الإخوان المسلمين، حركات الإسلام المعتدل ...ـ ، دعونا إذا؛ نترك داعش جانبا بعض الشيء، ولنسلط الأنظار ولو بعجالة على تاريخ الحركات الإسلاموية، وما أثارثه من أوضاع مشحونة ونتائج خطيرة وكارثية ساهمت بشكل أو بأخر في ارتكاب جرائم وحشية في حق مجتمعات إن لم أقل في حق البشرية جمعاء.

 وتعتبر وحركة الاخوان المسلمين أهم الحركات الإسلاموية وأكثرها تأثيرا في انتشار وتأطير الفكر الإحيائي على الصعيد الإسلامي والعربي، حيث قامت في بداياتها الأولى على الجانب الدعوي والثقافي العام، وعلى المسائل الرمزية والشعائرية وقضايا الهوية، قبل أن ينتقل قيادييهم إلى صياغة مفاهيم سياسية عامة كانت تنذر بتطرف سياسي يلوح في الأفق. فكان "حسن البنا" ـ مؤسس حركة الإخوان المسلمين ـ أول من اعتبر مسالة السلطة مسألة عقدية من الأصول لا اجتهادية من الفروع، فنقل الإسلامويون بقيادة "حسن البنا" العصمة من الجماعة إلى الشريعة واعتبروا الشأن السياسي جزءا من الدين، على أساس أن الحاكم ـ خليفة الله في أرضه ـ مكلف بمهمة مقدسة تتعلق بتطبيق شرع الله، وذلك على حساب ولاية الأمة على نفسها. وهكذا يكون حسن البنا  قد فتح الطريق أمام بزوغ الحركة الإسلاموية التكفيرية التي تهدف إلى تأسيس الدولة الحاكمية (المعصومة) التي يستباح فيها قتل النفوس والأرواح باسم الدفاع عن الإسلام ونشره .

وبهذا لجأ الإسلامويون - على اختلاف تنظيماتهم - إلى فرض برامجهم بلغة الحديد والنار، وارهاب الناس بالفتاوى والتكفير، وهذا أول دليل على فشل برامجهم ورؤاهم وهشاشة أفكارهم، بل إن أنصار شعار "الإسلام هو الحل" تجاوزوا كل الحدود، فاستندوا إلى الإرهاب والعمل المسلح (مثل ما تفعل القاعدة وتنظيمات فتح الإسلام وأنصار محمد والقاعدة في المغرب الإسلامي والجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وغيرها من المنظمات التكفيرية الصريحة)، ثم اعتمدوا على تأسيس جناح سياسي مدني تمثله أحزاب إسلاموية كحركة "الإخوان المسلمين" في مصر وسوريا وحزبي "العدالة والتنمية" في تركيا والمغرب و"حزب النهضة" في تونس و"حركة مجتمع السلم"  (حمس) في الجزائر وغيرها في العراق واليمن وموريطانيا والبحرين والكويت ... وهذه الأحزاب السياسية، حتى إذا اختلفت عن الإسلام السياسي الجهادي التكفيري على مستوى الأسلوب، فإنها تتفق معه على مستوى الأهداف، حيث تتنكر لحقوق المواطنة الكاملة المتساوية خصوصا اتجاه المرأة والأقليات العرقية والدينية، بالإضافة إلى مواقفها السلبية من قضايا التحديث والثقافة والتعددية السياسية، هذا فضلا عن إنكار حق المرأة في تولي المناصب العلي، وفصل الطلاب عن الطالبات في المدارس، وسياقة المرأة للسيارة،... وغيرها من الأفكار الغريبة عن عصرنا، فهناك تشابه كبير بين الإسلام السياسي الراديكالي التكفيري والأحزاب الإسلاموية المسماة بالمعتدلة، في معاداة الديموقراطية والحداثة بحجة خصوصية الإسلام. فمشروعيهما متطابقين حيث لا يوجد اختلاف جوهري بينهما، فخطاب هذه الحركات لا يعترف إلا بمرجعية الإسلام الوهابي، الذي يرفض كل ما أنتجه التفاعل بين الإسلام التاريخي وبين الحضارات التي تحيط به، بما فيه الفلسفة الإغريقية التي كانت في زمانه، وإنما يكتفي بتكرار الكتابات المتحجرة والمنغلقة لابن تيمية الذي هو أكبر فقهاء الإسلام رجعية في العصر الوسيط .

إن الدولة بالمنظور الحديث  لا يمكن اطلاقا أن تكون على الشاكلة التي تراها جماعات الإسلام السياسي. قد صار واضحا أن مشكلتهم الكبيرة تتجلى في رغبتهم الدائمة لنقل صورة محددة للحياة الاجتماعية من العصور الغابرة، ثم تطبيقها بكل تفاصيلها على المسلمين قاطبة في عصرنا الحالي، لقد شاهدنا بعض التجارب في الجزائر وأفغانستان وإيران والصومال والسودان، ورأيناها كيف كانت مؤلمة وقاسية بل وتصل في بعض حالاتها إلى نمودج يفوح منه رائحة الوحشية، ورأينا أن مشروعهم لم يكن مشروعا سياسيا بقدر ما كان مشروعا للإفتاء في كل القضايا كبيرة كانت أو صغيرة .

إن دعاة الإسلام السياسي، حكم عليهم بالفشل منذ ولادتهم لكونهم يتجاهلون أو يجهلون أبسط قوانين التطور الاجتماعي، ويصرون على اعادة المجتمع برمته إلى الوراء، واجترار الماضي على إقاعات أقوال ما يسمى بالسلف الصالح، ويفرضون أحكام القرن السابع الميلادي على القرن الواحد والعشرين، وهو ما يعتبر مخالفا لقوانين التطور وحركة التاريخ.

 

ومع مجيء الربيع العربي، وثورة العديد من شعوب العالم العربي ضد الأنظمة الديكتاتورية التي عمرت لسنوات، دون أن تتمكن من مساير التقدم والتطور الذي يعرفه العالم، فتح المجال أمام الإسلام السياسي ليبرز مجدد على الساحة السياسية، حيث تمكن من الوصول إلى سدة الحكم في كل من مصر وتونس والمغرب، ودخل في شخص العديد من الجماعات في حرب ضد النظام في سوريا، وكان له دور مؤثر في التغيير السياسي الذي عرفه اليمن، لكن هذا المد الظلامي، لم يعمر طولا، حيث سرعان ما إنكشفت حقيقة عجزهم عن تلبية متطلبات الشعوب، وبدؤوا في السقوط، فقد أقدم الشعب المصري على النزول إلى الشارع للمطالبة برحيل مرسي، إحتجاجا على الحصيلة السلبية التي راكمها نظامه خلال سنة من العمل، وعلى طريقة إدارته لشؤون الدولة، الشيء الذي دفع بالجيش إلى التدخل في محاولة لإيجاد حل سياسي بمعية باقي الفاعلين السياسيين، توجت بإقالة مرسي إستجابة لنبض الشارع، الهادف إلى إفشال مخطط الإخوان في السيطرة على مصر، الشيء الذي دفعهم إلى الكشف على حقيقتهم المتمثلة في كونهم جماعة إرهابية لا تتقن غير لغة السيف والدم، وهذا ما تجلى من خلال إقدام مليشيات الظلام على مهاجمة المعارضين والجيش بكل أنواع الأسلحة، قبل أن تتطور الأوضاع ليتم تنصيب السيسي رئيسا جديدا لمصر، رغم أنه ينحدر من النظام العسكري الذي كان قائم في مصر قبل الربيع العربي في شخص حسني مبارك، وكأن الشعب المصري يقول للإخوان المسلمين: "حكم العسكر أرحم من غطرستكم وبطشكم..." كما أن ما عرفته تونس من تحركات جديدة على مستوى الشارع بهدف تحرير البلاد من قبضة القوى الظلامية في شخص "حزب النهضة"، على غرار مصر وما تم الترويج له من خطاب يهدف إلى إرهاب الشعب التونسي، بالغرق في دوامة العنف دليل أخر على ذلك.

لقد سقطت تنظيمات الإسلام السياسي من أعين الناس في كل مكان، حيث حسمت الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مواقفها وأعادت حساباتها واتخدت قراراتها إزاء الجرائم الفادحة التي ارتكبتها هذه التنظيمات، وبالتالي أماطت اللثام عن الوجوه البشعة لهذه التيارات الإجرامية لتنأى بنفسها عن تلك الفضاعات التي يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، والتي تعدها وتنفدها هذه التنظيمات الظلامية باسم الدين في حق المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ وفي حق الوطن والأرض وقيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان...

إذن في ظل هذا الوضع المأزوم الذي تمر به الحركات الإسلامية الآن، وضعا يؤكد على رفض المجتمعات "العربية الإسلامية" قاطبة لهذه الحركات الإسلاموية، وينذر بانضحار لا محيد عنه لها، ظهرت هاته الحركة المسماة "داعش"، جاءت بنفس اللغة والأسلوب لكن بقوة أكبر، جاءت بمنطق الإرهاب والتكفير والوعد والوعيد، والقتل وتقتيل، الأمر الذي يحملني إلى القول بأنها محاولة جديدة لإعادة إحياء الحركات الإسلاموية بمضمون قديم في نسخة أكثر وحشية وإرهابية، وكأنها صعقة كهربائية قوية يوجها الطبيب إلى جسم "الإسلام السياسي" آملا في عودته إلى الحياة، وفي ظرفية زمنية دقيقة وحساسة للغاية، جرت الرأي العام لإنتاج أراء قديمة في صيغة جديدة.

 

فتزامن ظهور الحركة مع الهجوم الذي يشنه الإستطان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، جعل البعض يسخر لماذا لا تحارب "دعش" اسرائيل؟؟ لكن لنتسائل وهل سبق لطالبان أو القاعدة أو الإخوان المسلمين أو حزب الله أو .... أي من التنظيمات الإسلاموية التي حملت نفس التعاليم أن حاربت أو هاجمت إسرائيل بقوة ؟؟ آلم تغرق هذه الحركات أيضا بارتكاب الجرائم في حق مجتمعاتها؟؟ آلم تقم الحد في حق مواطينين بسطاء لا ذنب لهم إلا أن فتوى قد صدرت في حقهم من قبل مرضى نفسيين ؟؟ لماذا إذن نسائل دعش ونحن نعلم مسبقا جوهرها؟؟؟ وهناك من يربط وجودها باستراتيجية إمبريالية تقف ورائها إسرائيل وأمريكا، في محاولة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، نعم ظهور هذه الحركة بدعم من أمريكا أو أسرائيل يمكن أن يكون حقيقة، وحتى إن لم يكن حقيقة، فمن البديهي أن القوى العظمى ستستفيذ من وجودها هناك وستأخدها بعين الإعتبار في مخططاتها، تماما كما سبق لها أن استفادت من "طالبان" و"القاعدة" التي اغتالت زعيمها "أسامة بلادن" في عز الربيع العربي، أتراها مجرد صدفة؟؟ وحقيقي فعلا أن أمريكا لم تستطع تحديد مكانه إلى خلال الربيع العربي؟؟ .... هي أسئلة بسيطة من بين العديد من الأسئلة العميقة التي من شأنها أن تضع النقاش على السكة الصحيحة وتخرجنا من دوامة المعطيات المتقاطرة التي تفقد للحج الضامغة وتمكننا من فهم حقيقة هذه الجماعة أو على الأقل الاقتراب من الحقيقة..

مجموع المشاهدات: 1430 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة