الرئيسية | أقلام حرة | الاعتراف بالاختلاف

الاعتراف بالاختلاف

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الاعتراف بالاختلاف
 

 

مع استمرار العدوان الصهيوني الغاشم على الفلسطينيين، الذي أوقع، حتى الآن، المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى، يتوالى تعبير الشعب المغربي عن تضامنه مع ضحايا هذا العدوان، وتنديده بجرائم قوات الاحتلال والبغي. بعد وقفة 11 يوليوز 2014 في شارع محمد الخامس بالرباط، جرى تنظيم مسيرة مليونية، يوم الأحد 20 يوليوز 2014، في المدينة نفسها، شارك فيها "الجميع"، ولم يقع أي اصطدام أو احتكاك بين المكونات والأطياف المشاركة، وهذا عنصر إيجابي بلا شك. ولكن العنصر السلبي، ربما، هو قيام تباعد كبير بين مضامين الشعارات التي رفعتها الأطراف الحاضرة، والذي تحولت معه المسيرة إلى مسيرات في مسيرة. قد يعتبر البعض ذلك أمراً عادياً بحكم كونه تعبيراً عن تنوع التركيبة الجماهيرية للمسيرة، ولكن الأصل في كل مسيرة أن تُوَجِّهَ رسالة ما ذات مضمون محدد لتحقيق هدف معين، إلا أن الشعارات المتعارضة مع هذا المضمون يمكن أن تفوت على المسيرة فرصة تحقيق هدفها المقصود، وعوض أن تقوي الموقف الفلسطيني قد تضعفه.

التباعد بين مضامين الشعارات، والتظاهر عبر مجموعات بشرية شبه منفصلة ومتنافرة، ينجمان، في الكثير من الأحيان، عن وجود خصومات سياسية مغربية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، ولكنهما  ينجمان، أحياناً، عن اختلاف في مقاربة القضية. ويمكن، هنا، أن نميز، عموماً، بين خط عام في التفكير، يضم أغلب الإسلاميين وجزءاً هاماً من الأطراف غير الإسلامية، من جهة، وخط آخر ينضوي في لوائه، أساساً، جزء كبير من النخب اليسارية والليبرالية، ذات المنزع العلماني والحداثي، والتي تَعْتَبِرُ نفسها حققت نوعا من التقدم في وعيها الجماعي وتخلصت من بعض الأوهام وانتهجت سبيلاً أكثر واقعية.

هناك اختلاف في تحديد مناط الجواب عن الأسئلة التالية : هل صوت فلسطين تمثله حماس أم يمثله مجموع الهياكل المنتخبة للشعب الفلسطيني؟ هل نطالب بحدود 48 أم بحدود 67؟ هل المرجعية الدولية مُلْزِمَةٌ لنا أم لا؟ وهناك أسئلة أخرى من قبيل :

-       هل نحوض الصراع من أجل حل القضية الفلسطينية، كصراع ديني أم  كصراع من أجل تصفية الاستعمار؟ المعطى الديني حاضر، موضوعياً، في الصراع، رضينا أو كرهنا، ولا مجال لتفصيل مظاهره هنا، ولكن، هل نقرر، بشكل إرادي، أن نخوض الصراع كحرب دينية يتواجه فيها الإسلام واليهودية؟

رفع شعارات أو ترديد أناشيد دينية في المسيرات والوقفات والتجمعات لا يمثل، بالضرورة، قرينة على تبني المقاربة الدينية للصراع. التكبير، مثلاً، درج المغاربة المسلمون على اعتباره فاتحة لعدد من الأعمال الجماعية، ونشيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليها نحيا، وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد، وعليها نلقى الله) هو علامة تسويق سياسي خاصة بتنظيم معين. المثير هو أن يحمل فرع أولاد تايمة للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، التابعة لجماعة العدل والإحسان، في مسيرة 20 يوليوز، لافتة كُتب عليها : (نندد بصمت الأنظمة العربية على جرائم اليهود في حق شعبنا المجاهد في غزة) وأن تردد صفوف نسائية، في ذات المسيرة، شعار (الله أكبر عاصفة، لليهود ناسفة)؛ ففضلاً عن المس بديانة معينة وتحميلها وزر إرهاب الدولة الممارس من طرف سلطة الاحتلال، فإن استعمال مصطلح "شعب" غزة المجاهد، ليس بريئاً، إنه يكرس استقلالية غزة بهياكلها وسكانها.

يجب أن نعترف بأن بعض الحركات الإسلامية المغربية بذل مجهوداً ملحوظاً في تجنب إذكاء مشاعر العداء لليهود، وفي التأكيد على أن الصراع هو ضد الصهيونية باعتبارها إيديولوجية استعمارية استيطانية وعنصرية، والمفروض أن الصراع ينتهي بانتهاء الاحتلال، ولكن بعض الإسلاميين استمر في نشر مفاهيم معادية لديانة أخرى، ولكن باستعمال لفظ صهيوني بدل يهودي، للإفلات من النقد، كقولهم، مثلاً، إن الصهاينة حفدة القردة والخنازير (!؟) وهناك حركات إسلامية مغربية أخرى لم تحرر خطابها، بعد، من شحنته المعادية لليهودية والمبشرة بالحرب الدينية الماحقة لأصحاب الديانات الأخرى، فكتب شيوخهم يقولون إن اليهود هم (أحقر عدو) وإن جيش الإسلام سيحرر "روما" مستقبلاً !

-       هل التقابل بين ما يُسمى ب" خط المفاوضة" وما يسمى ب"خط المقاومة"، سليم مائة في المائة؟ وهل النتائج المترتبة عنه صحيحة في جميع الأحوال ومقبولة دائماً؟ هل كل من يفاوض لا يُقاوم وكل من يقاوم لا يفاوض، والمقاوم مخلص لشعبه والمفاوض خائن لشعبه؟ وهل يمكن تصور مقاومة بدون مفاوضة، أليست المفاوضة هي جني الثمار التي تزرعها المقاومة والسبيل إلى انتزاع الحقوق المستحقة بفعل المقاومة؟ وهل النضال غير المسلح ليس مقاومة في جميع الظروف والسياقات؟ أليس الذين يُنسب إليهم، اليوم، "جرم" المفاوضة هم الذين هيؤوا للآخر شروط المقاومة، وإلا فلماذا تَمَّ اغتيال ياسر عرفات؟ أليسوا هم الذين ابتدعوا إحدى أروع أشكال المقاومة التي هَزَّت أركان إسرائيل وألحقت بها هزيمة نكراء، أمام العالم كله، ويتعلق الأمر بمهندسي الانتفاضة التي دخلت مختلف لغات العالم وأربكت المحتل ولم يتسن له نعت أبطال الانتفاضة بالإرهابيين؟ الانتفاضة منحت الفلسطينيين، من المكاسب، أضعاف ما مَنَحَتْهم إياه عمليات مسلحة غير محسوبة بالدقة المطلوبة؛ وهذا لا يعني استهجان ورفض العمل المسلح أو التنكر لمدى كفاحية حماس والفصائل الأخرى التي نفذت عمليات بطولية نوعية وسديدة، وتكفي الإشارة، هنا، إلى أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط (من طرف كتائب القسام ومجموعات أخرى) في يونيو 2006  وشاؤول أرون (من طرف كتائب القسام) في يوليوز 2014.

هناك من يسعى إلى محو ذاكرة مفعمة بأبرز معاني النضال والتضحية والإقدام والتخطيط الاستراتيجي المعقلن والنجاح في ترسيخ صورة الفلسطيني الحامل للبندقية في يد وغصن الزيتون في يد أخرى. ومن المعلوم أننا مطالبون، دائماً، باعتماد لغة نقنع بها العالم عوض أن نكتفي بركوب لغة نقنع بها أنفسنا، فقط، وعوض أن نعتبر "الغرب" كله عدو، هكذا بكل بساطة وبدون دخول في أية تفاصيل أو حيثيات، وأن نعتبر السلاح هو وسيلة الإقناع الوحيدة بدون مراعاة جدلية العلاقة بين الإقناع بالسلاح والإقناع بخطاب ملائم.

-       هل شعار إسقاط اتفاقية أوسلو يخدم القضية الفلسطينية أم لا؟ يسود في أوساط إسلامية عدة شعار إسقاط اتفاقية أسلو والبدء من الصفر، واعتبارها عبئاً على المقاومة وخطأ في مسيرة الكفاح الفلسطيني يجب أن يُصَحَّحَ. ما لا تنتبه إليه هذه الأوساط هو أن إسقاط الاتفاقية يعني، منطقياً، عودة "الجميع" إلى تونس، أي إلى زمان ومكان ما قبل الاتفاقية، وتدبر أصحاب الخيار البديل طريق العودة إلى فلسطين؛ أما الاعتماد على بنود الاتفاقية للتوفر على موطئ قدم فوق جزء من التراب السليب، ومباشرة التجنيد العلني للمناضلين، وحفر الأنفاق، والمشاركة في الانتخابات، وبناء علاقات خارجية وبنية تحتية للمقاومة، ثم القول بإسقاط الاتفاقية، فهو عين التناقض. اتفاقية أُسلو ليست نصًا مقدسًا، طبعًا، وهي تتضمن جوانب سلبية، لكن المهم أنها لا تشكل صك استسلام للأطماع الصهيونية وأنها كانت الأساس لتحصيل دعم اقتصادي وسياسي دولي، لهذا لا يمكن للفلسطينيين التنكر لالتزاماتهم، ولكن على أساس عدم التفريط في الثوابت تحت شعار تدبير القضايا العالقة التي تُرِكَ مصيرها مفتوحاً في الاتفاقية.

-       هل رفض التطبيع موقف أبدي أم أداة ضغط من أجل السلام؟  هناك من يعتبر أن معركتنا لن تنتهي حتى ولو قبلت إسرائيل بمنح الشعب الفلسطيني كل الحقوق، المعترف له بها دولياً، بل إن المعركة ستستمر حتى تحقيق وعد النصر المسطور وفقاً لمنهج حرفي لا تاريخي في قراءة النصوص الدينية. نستخلص من ذلك، بالبداهة، أن هذا الطرف يعتبر رفض التطبيع هدفا، بينما هناك من يعتبره مجرد وسيلة. الذين يعتبرونه وسيلة، يتصورون أنه يمثل أداة ضغط على إسرائيل لإجبارها على احترام الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال، بمعنى أن مقاطعة إسرائيل لها نقطة بدء ونقطة نهاية، ونقطة النهاية هي بناء الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على أساس حدود 67 والقدس عاصمة وعودة اللاجئين؛ والذين يعتبرون رفض التطبيع هدفاً يرون أنه لن ينتهي إلا بانتهاء وجود إسرائيل ومحوها من خريطة العالم، ويتفادون الحديث عن السلام، مع أن السلام المطلوب هو السلام العادل والدائم والشامل.

وفي جميع الأحوال، علينا، الآن، أن نعمل على تعزيز الموقف الوطني المناهض للتطبيع، وتوسيع قاعدة النضال ضد مختلف أشكال التطبيع، وتكثيف الضغط من أجل إصدار قانون يقضي بتجريم التطبيع، باعتبار ذلك ضرورة حيوية لخدمة السلام.


وبعد، فليس عيباً أن نختلف، العيب هو أن نتظاهر بالاتفاق، عوض أن نتطارح اختلافاتنا لبحث سبل الوصول إلى توافق حول حد أدنى يكون أساس عملنا المشترك ونلتزم باحترامه جميعاً، في الإطارات والفعاليات التي تجمعنا.    
 

مجموع المشاهدات: 733 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة