الرئيسية | أقلام حرة | الإسلام و الديمقراطية ... ثرثرة مغربية‏

الإسلام و الديمقراطية ... ثرثرة مغربية‏

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الإسلام و الديمقراطية ... ثرثرة مغربية‏
 

 

( إن "غياب الديمقراطية"  في العالمين العربي و الإسلامي واقعة لا ريب فيها ، و أما أسباب هذا الغياب فهي لا ترجع إلى الإسلام كدين ، إذ بوسع المرء أن يسرد من الشواهد ما يجعل مضمون الديمقراطية يدخل في دائرة المندوب إليه بل ربما في دائرة الواجب ، من وجهة النظر الشرعية ! و في جميع الأحوال فلن يستطيع أي "متشدد" الادعاء بأن مضمون الديمقراطية يدخل في دائرة المكروه بله في دائرة الحرام ؟ ) ... عميد العقلانية العربية محمد عابد الجابري .

 

1 -  في ظل الهجمة الغربية الرسمية و الإعلامية  غير المسبوقة على الإسلام ، و في إطار المساندة المطلقة للدول "العظمى" للثورات المضادة للربيع العربي المغدور ، و التأييد الكلي للانقلابات العسكرية و المدنية على التجارب الديمقراطية الوليدة في أكثر من بلد عربي ، و إجهاض أي مكسب سياسي و مجتمعي يضر بالمصالح الإستراتيجية و الحيوية  للعالم "الحر" ، و في سياق العدوان الإسرائيلي الإرهابي على فلسطين و قطاع غزة ، بمباركة "المجتمع الدولي" ، و بعض "الأنظمة" العربية بهدف تدمير الفصائل المقاومة للمشروع الصهيوني العنصري .. في ضوء كل هذا الدمار الممنهج و الرهيب ضد الحلم العربي في الوحدة و التقدم ، يطل علينا بعض "المثقفين" و "المختصين" في الدفاع عن المكتسبات الليبرالية و الحداثية الغربية ، و استهداف القيم الثقافية العربية و الإسلامية ، و "تجريدها " من أي دور في بناء الحضارة الإنسانية ! و في هذا المنحى بالذات  نظمت مجوعة من الأنشطة و اللقاءات و الندوات "الفكرية" ، للاستدلال ب "الحجج و البراهين" العلمية و التاريخية ، على التعارض

"الجوهري" بين الإسلام و الديمقراطية !  و التنديد بانتهازية المثقفين الليبراليين الذين لا ينتفضون في وجه "الظلاميين" و أنصار الإسلام السياسي "الفاشل" ، و لا يبذلون جهدا كافيا من أجل "تقويض" البنية التحتية للتيارات الإسلامية الماضية في "السيطرة" على المجتمعات العربية ، و الانقضاض على "المكتسبات"الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الانقلاب على "المعطى الديمقراطي"  !

 2 -  من أبجديات الفكر السياسي الكوني أن الديمقراطية نسق من المفاهيم و الآليات و الميكانيزمات  المترابطة ، توظف من اجل تدبير الشؤون السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية .. داخل بلد معين ، و بالتالي فهي أهم وسيلة نظرية و إجرائية في يد الإنسانية راهنا ،  لممارسة الحكم ، و التعاطي إيجابيا مع ظاهرة الاختلاف و التعددية ، من خلال العمل الدؤوب على استنبات قيم الحرية و المساواة و العدالة و الكرامة .. و لن يتأتى ذلك إلا عبر الفصل التام بين السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية  و الإعلامية .. و وجود أحزاب سياسية مستقلة تحمل مشروعا مجتمعيا شاملا ، و تمثل مكونا من مكونات الشعب ، و تتنافس سلميا على السلطة ، في استحقاقات سياسية دورية شفافة و نزيهة ، و في مناخ من الاحترام المتبادل بين الأغلبية و المعارضة ، كل ذلك بغية إقامة بناء كيان مجتمعي يحظى بالاستقرار و التقدم و التنمية المستدامة ! و لئن كان مفهوم الديمقراطية قديما يعود إلى فترة ما قبل الميلاد ، و تحديدا إلى العصر اليوناني ، فإن المنجز الديمقراطي المحكم و الملموس وليد العقود الأخيرة ، و خاصة  بعد الحربين العالميتين ، و بالتالي فإن البحث عن التطبيق الفعلي للأنظمة الديمقراطية في التاريخ القديم للمجتمعات الغربية و الشرقية لا يجدي نفعا كبيرا ! فكل المجتمعات الإنسانية الأعجمية و العربية عاشت قرونا تحت نير الفساد و الاستبداد محرومة من أبسط حقوقها في العيش الكريم ، و أن نظرة عابرة في أدبيات تاريخ الدول الغربية الراهنة ، تجعلنا نستنتج دون عناء ، أن المستوى الحضاري الرفيع الذي تعيش بين أحضانه ، كان بعد نضال مرير و شاق و بعد أن سالت أنهار من دماء المقاومين ، الذين وقفوا في وجه الطغيان الديني و المدني و العسكري ! مما يجعلنا منطقيا أمام خلاصة مفصلية مؤداها أنه من الخطأ التاريخي  محاكمة التاريخ الإسلامي ،  واتهامه بمعاداة الديمقراطية ، و غياب  أنظمة الحكم الرشيد طيلة مسيرة بناء الحضارة الإسلامية ، بل سيكون من الصواب القول إن التاريخ الإسلامي لم يخل من  مراحل بالغة التقدم و الرقي و الحضارة ، و الممارسة السياسية العادلة سواء في عهد الرسول محمد (ص) أو في عهد الخلفاء الراشدين ، و فترات متفرقة من تاريخنا المشرق ، حيث كانت تتخذ قرارات البناء و السلم و الحرب ، في شكل من أشكال التشاور و الانفتاح و التعايش و التسامح و قبول الآخر ، في مكة و بغداد و دمشق والإسكندرية و قرطبة ومراكش .. دون تجاهل صفحات الدم و الجبروت في عدد من محطات التاريخ العربي المديد، تماما كما هو الشأن بالنسبة لسابق عهد المجتمعات البشرية الراهنة . فليس من حق أدعياء الحداثة و المعاصرة و "المثقفين" رافعي يافطات الليبرالية و العلمانية .. في واقعنا المجتمعي المزايدة علينا بالإنجازات الغربية الديمقراطية الباهرة ، و الاستقواء "المعرفي" ، للتعويض عن الفشل الأيديولوجي و السياسي للهيئات المعادية لكل ما يرتبط بالمجال التداولي العربي الإسلامي . إن الإسلام ديانة سماوية مقدسة ،  جاءت لتخرج الناس من ظلمات الفساد و الاستبداد ، إلى نور الصلاح و العدل ، و مادامت الديمقراطية منظومة رؤيوية و إجرائية بالغة الرقي ، تروم نشر القيم الإنسانية الخالدة ؛ من حرية و عدالة اجتماعية  و مساواة و كرامة .. فإنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعارض مع نبل الرسالة الإسلامية الداعية إلى الحق و الخير و الجمال و الحرية : ( متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) !!

 

3 -  و من المزاعم  بالغة الغرابة التي اشتغل بها بعض "مثقفي" المغرب ، أن "حماة" الديمقراطية و العلمانية و الحداثة يهادنون التيارات الإسلامية و أحزاب الإسلام السياسي المعتدل ، و لا يرغبون في "تفكيك" و "خلخلة" معتقداتهم و منطلقاتهم و تصوراتهم السياسية و المعرفية و الأيديولوجية ، مما يفسح لهم المجال للانتشار و التغلغل و الهيمنة على مفاصل المجتمعات العربية . و الحقيقة التي لا مراء فيها أن واقعنا العربي الكئيب في حاجة إلى كل أبنائه و فصائله الإسلامية و العلمانية الوطنية ، من اجل القطع مع ثقافة الانقلابات العسكرية البغيضة ، و الإقصاء المنهجي للمخالفين في الرأي و المعتقد ، مع ضرورة الاعتراف بالهزيمة إثر الاستحقاقات السياسية ، دون نهج سبل الانتقام من الفائز أيا كان انتماؤه القومي والاشتراكي و الليبرالي و الإسلامي . و حدها ثقافة الديمقراطية التشاركية البناءة قادرة على جمع شمل الأمة العربية ، و تنظيم كفاءاتها و إمكاناتها المادية و البشرية ، في  كيان مجتمعي مدني ، تـصاغ فيه المواثيق و الدساتير المنظمة ، و تقام فيه المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و التعليمية .. عالية الجودة ، و يشعر فيه المواطن بقد كبير من الأمان و الاستقرار و رغد العيش الكريم ، وحدها ثقافة الرأي و الرأي الآخر و الفهم و الإفهام و الاتجاهات المتعارضة و تبادل التجارب و الخبرات ،  بإمكانها أن تؤسس لعالم عربي موحد ، له مكانة محترمة تحت الشمس ، صحيح أن القارئ الكريم لهذه السطور قد ينعت الكاتب ، و من حقه ، بأنه يحلق في دنيا الخيال و الحلم ، ليكن ! فأحلام صادقة خير من إطلاق الكلام على عواهنه ، لإرضاء أعداء العروبة و الإسلام و ما أكثرهم داخليا و خارجيا .

مجموع المشاهدات: 843 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة