الرئيسية | أقلام حرة | خطبة عيد الفطر باليوسفية والتمويه الإيديولوجي

خطبة عيد الفطر باليوسفية والتمويه الإيديولوجي

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
خطبة عيد الفطر باليوسفية والتمويه الإيديولوجي
 

 

عرج خطيب صلاة العيد على موضوع ارتفاع أسعار المحروقات وأزمة الخبز، واعتبرهما أمرا غير ذي شأن، مضيفا أن أم المشاكل التي تقف وراء ما يقع من مثل هذه الأزمات هي غياب التقوى، أو بمعنى آخر ضعف الالتزام الديني، دون أن يحدد بالضبط من هذا الذي وهنت عقيدته وأدخل المغاربة إلى جحيم الأزمة الاقتصادية، بقي كلام الخطيب عالقا، ولا ندري هل يقصد الحكومة والقائمين على تدبير الشأن الوطني، أم يقصد المواطنين الذين ربما رأى أن الله سلط عليهم من يزيد في الأسعار ويضيق عليهم الخناق جراء ما اقترفوه من إثم وذنب، وإذا كان الأمر كذلك سنكون أمام المعادلة التالية حسب تصور الخطيب: بما أن الله عز وجل أخذ قوما بالسنين ونقص في الأموال والأولاد، وعاقب آخرين بالدم والقمل والضفادع، وأغرق فرعون في اليم، فقد عاقب المواطن المغربي حينما سلط عليه من يزيد في الأسعار، ولا يهتم يتوفير الأمن الغذائي له، ولا يرقب فيه إلا ولا ذمة، ويسحق جيبه، أو ما اشتمل عليه جيبه سحقا، أو يقصد بكلامه هذا الشركات المتغولة لافتقادها إلى الحس الديني الذي يفرض عليها أن تراعي ضيق ذات يد المغاربة، وأن تجعل في أموالها حقا معلوما للسائل والمحروم، قبل أن تقدم على خطوة إلهاب الجيوب وإشعال النار فيها، مغمضة العين عن واجب الرفق الاقتصادي بالناس، واستبعاد منطق الربح واللهث وراء الغنى الفاحش على حساب معاناة الفقراء المرملين الكادحين.
أعتقد جازما أن الخطيب من خلال متابعتي لأطوار خطبته وتقريعه للمواطن في موطن آخر لا يعنيه من قريب أو بعيد أمر الحكومة وأمر شركات الإنتاج الرأسمالية، فهدفه موجه إلى الأمواج البشرية التي كانت تتابع كلامه، حتى تستوعب الدرس وتبلغ من غاب وتخلف  لغاية في نفس يعقوب، هاهنا، وبعيدا عن منطق السخرية السياسية المصطبغة بلون العقيدة الدينية التي تم إقحامها في مشكل يفترض أن تبقى بعيدة عنه احتراما لقدسيتها وترفعا عن الزج بها في سجالات يتغيا بها البعض حجب الحقيقة المرة، حقيقة انخفاض مؤشر التنمية في المغرب، وهرع أصحاب القرار كلما مسهم طائف من جنون الأزمة إلى جيوب المغاربة بزيادات هنا وهناك من أجل تحقيق التوازن المالي المفقود، والذهاب بالبلد نحو المجهول نتيجة الارتهان لسياسة صندوق النقد الدولي ونوجيهاته.
إن التقوى التي كان يجدر بالخطيب الحديث عنها هي ضرورة التزام أصحاب القرار بتوفير شروط العدالة الاجتماعية، والكفر بتراتيل وطقوس صندوق النقد الدولي، ومراعاة القدرة الشرائية للمغاربة، لأن الإسلام ليس دينا كهنوتيا يرتبط بعلاقة عمودية بين الخالق والمخلوق فقط، بل هو نظام حياة يمتد إلى كل فعل أو سلوك أو ممارسة يراد منها خدمة الإنسان وتحسين ظروف عيشه، وانتشاله من براتن الفقر والعوز والحرمان، وإدخال بسمة التنمية المستدامة عليه، ففي ذلك أجر عظيم وثواب كبير.
 
إن من مظاهر عدالة الله عز وجل أنه جعل التنمية الدنيوية والازدهار الاقتصادي رهن إشارة الجميع شريطة أن يسعوا لهما سعيهما، بغض النظر عن عقيدتهم ومدى التزامهم الديني، يقول الله سبحانه في محكم تنزيله:"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون"، وبناء عليه يجب أن يمتد النقاش إلى صلب المشكل وأن تحدد المسؤوليات بعيدا عن منطق الهروب إلى الأمام والبحث عن شماعة ما لتبرير هذا الإخفاق أو ذاك، ولنتذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما ضرب الجفاف جزيرة العرب فيما يسمى عام الرمادة، لم يرتكن إلى التفسير البسيط للمشكل، ولم يقل للناس أنتم سبب الكارثة بانصرافكم عن الدين، ليعفي نفسه من المسؤولية، بل تجند وقدم تضحيات جساما حتى وضعت الأزمة أوزارها.
مجموع المشاهدات: 2662 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (2 تعليق)

1 | samir
امة ظحكت من جهلها الامم
صاحب الموضوع على صواب. يمكن اضافة شيء اخر هوءلاء. المحسوبون اءمة. ليس لهم سوى المواطن البسيط ليضربوا راسه اما اصحاب السلطة فهؤلاء لايقذرون على قول الحق في وجههم’ اصبحت اكره سماعهم في الجمعة احضر فقط للصلاة فكلامهم استغباء للبسطاء
مقبول مرفوض
1
2014/07/31 - 09:38
2 | majed
كفى تحاملا على الخطيب
كنت من بين الذين حضروا واستمعوا إلى الخطبة و قد قال الخطيب بالحرف " على الحاكم أن يتقي الله وعلى المحكوم أن يتقي الله وعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن يتقي الله كل في مجال تخصصه، الطبيب والمهندس والتاجر…" للأسف صاحب المقال اتبع طريقة "ويل للمصلين" فالخطيب معروف بخطابه المعتدل والهادف ولم نرى منه أي تجاوز أو إساءة طيلة فترة اشتغاله بالشأن الديني. فلنتقي الله في خطبائنا
مقبول مرفوض
1
2014/08/01 - 11:32
المجموع: 2 | عرض: 1 - 2

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة