جنازة رجل...جنازة امرأة

حصّل ما شئت من المراتب والدرجات في حياتك الدنيا، واجمع ما قدرت عليه من شواهد التقدير والجوائز والنياشين، وتلقب بأعلى الألقاب وأشرفها، فإنها لاتنفعك حين يقف الإمام لصلاة الجنازة عليك حين تفارق روحك جسدك، ويهرول بك الأهل والأصحاب إلى مثواك الأخير.

(جنازة رجل...جنازة امرأة يرحمكم الله)، هذا هو اللقب الذي تودع به الدنيا، لقب نكرة، ليس فيه اسمك الذي تعرف به ولا لقبك العائلي، فمن هنا تنقطع الأنساب إلى ما بعد يوم الحساب، فصدق الله تعالى في قوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] وصدق الصادق المصدوق في قوله:(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

قال زين العابدين رضي الله عنه:

لَيْسَ الغَرِيبُ غَرِيبَ الشَّامِ وَاليَمَنِ ... إِنَّ الغَرِيبَ غَرِيبُ اللَّحْدِ والكَفَنِ

فما الذي يبقى لك من دنياك ويكون أنيسك وقد وسدت التراب، يبقى سعيك العملي، قال تعالى: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39 - 41]، هذا السعي بيّنه لنا رسول الله صلى الله عليه في قوله: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

نفعني الله وإياكم: إن كل يوم يمر بنا يحمل ما ثبت فيه من خير أو شر ثم يمضي فلا يعود أبدًا، فإن قدرتم أن تحظوا كل يوم بمكرمة، وتثبتوا فيه حسنة فلا تؤخروا، فإن الأيام صحائف، فخلدوا فيها الجميل، فقد رأيتم حفظها لما استودعت من المحامد والمحاسن والمكارم في قديم الدهر وحديثه.