الرئيسية | أقلام حرة | مناضلون شرفاء .. أم باعة تقسيط للحرية

مناضلون شرفاء .. أم باعة تقسيط للحرية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مناضلون شرفاء .. أم باعة تقسيط للحرية
 

 

 

بعد الخطاب الملكي الآخير، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت)، تعالت بعض الأصوات التي تقول عن نفسها حقوقية أو سياسية، استياءا من تجاهل الخطاب لجهودها، في الوقت التي أشاد بالمجهودات الكبيرة التي يبليها رجال ونساء التعليم، وبعض الأحزاب السياسية القوية والفاعلة، وعدد من النقابات التي وصفها الخطاب بالجادة.

واعتبر المستاؤون، بأن لهم أيضا دور في تنمية وتطوير البلاد، ولم يقبلوا بالتجاهل الذي طالهم، ومنهم من ذهب إلى حد المطالبة بتوضيح للأمر، وتفصيل في المقصود بمصطلح "النقابة الجادة"، وغيرها من التصريحات التي تنم على تدمر شديد لاستثنائهم من خطاب كان بمثابة تقييم ل15 سنة من حكم الملك محمد السادس.

 على ما عتقد، ما يستوجب التوضيح ليس التجاهل الذي لحقهم، ولا حتى مصطلح "النقابات الجادة"، أو أي عبارة من عبارات الخطاب الملكي، فهو لم يأتي عبثا، بل صيغة بناءا على قراءة دقيقة وعميقة للمختلف المحطات التي قطعها المغرب خلال 15 السنة، وبناءا على تحليل دقيق وعلمي للأدوار التي لعبها مختلف الفاعلين في المشهد السياسي والجمعوي بالمغرب، وانطلاقا من فهم علمي وسليم لمفهوم النضال، وهذا ما يجب توضيحه أكثر، ما هو النضال في نظركم؟ وما هو في حقيقة الأمر؟ من هو المناضل بالنسبة لكم؟؟ ومن هو المناضل المطلوب لتقدم مجتمعنا؟ كيف تفهمون الحرية؟  وكيف هي الحرية في حقيقة الأمر؟.....

إن  الإنسان على هذه الأرض، هو ﻓﻲ زيارة عابرة، نجهل سببها، ولكننا نعتقد ﻓﻲ قرارة أنفسنا أننا نحس ونُدرك هذا السبب،ففي رأي، بالنسبة للمناضل الشهم، يجب أن يكون مقتنعا أنه هنا من أجل أولئك الذين يستمد كل سعادته من ابتسامتهم وبهجة حياتهم، فلذات أكباده وأحباؤه، وكذلك أيضاً من أجل الجمع الغفير من الناس الذين وإن كان لا يعرفهم، تربطه وإياهم روابط الرفقة الإنسانية، إنه هنا للدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية.

فالحرية هي أهم ميزة تُميز طبيعتنا البشرية، وهي التي تُميزنا عن بقية الكائنات المُحيطة بنا، فهي كبذرة وضعت في صحراء قاحلة، علينا الاعتناء بها أشد العناية، حتى تنمو وتبسط فروعها في جميع أركان مجتمعنا، حتى نتمكن ويتمكن أبنائنا وأحدفادنا بعدنا من استثمارها.

حياتنا وكرامتنا، تعتمد على ما بذله أسلافنا من جهد، وعلى جهدنا وجهد معاصرينا ـ من مفكرين ومناضلين وسياسيين شرفاء ـ، لذا حتماً علينا أن نعمل بكل طاقتنا لنرد جميلهم بقدر ما نلنا ومازلنا ننال من ثمرات جهودهم، فمظاهر النجاح الظاهري، كالرفاهة المادية والشهرة، ما هي إلا بضاعة بخسة.

في هذه المقالة سأحاول تشريح الفهم العربي والمغربي العامي لمفهومي المناضل والحرية، فلهذان المفهومان على ما يبدو علاقة وطيدة بالتيه العربي والمغربي الراهن والمُخيف ﻓﻲ صحراء التخلف.. يقول الأديب الروسي الشهير مكسيم جوركي : "حينما تمتليء روح إنسان إلى حافتها، فلا مفر من أن تسكب أحزانها وأفراحها على العالم وﻓﻲ آذان الناس". فالوجدان الحُر، لا يعترف بالبطولة إلا لمن يجعل سبيله ﻓﻲ الحياة تحرير الإنسان، لا استرقاقه ـ كما يحاول الفكر الظلامي وبعض الأفكار المحسوبة على اليسار أن تفعل بكل الطرق ـ، بغض النظر عن عرقه أو لونه أو عقيدته أو جنسيته إلخ.

المناضل هو بمثابة الشمعة المتوهجة في قمة هرم تنظيمي، وكلما اتسعت قاعدة هذا الهرم استطاع أن يستوعب المزيد من الحرية، وازداد إشراقه وجماله، وأصبح توهجه غير قابل للانطفاء. المناضل هو من درب نفسه وملأها وحررها وعودها على العطاء الدائم بدون كلل ولا ملل. إنه كأس لا قرار لها، ﻓﻲ امتلاء مستمر وطفح مستمر.

يقول إدوارد سعيد : "قد يحدث أن ينجح ـ وهذا نادر وصعب الحدوث ـ مناضل مزعوم ﻓﻲ إطعام أبناء أمته، فلا يبقى جائع واحد. قد ينجح ﻓﻲ بناء المصانع، والمزارع، والمستشفيات، ودور العبادة. قد ينجح كذلك ﻓﻲ إحراز الانتصارات العسكرية المُدوية، وﻓﻲ بناء القنبلة النووية. قد ينجح هذا المُخلص الزائف أيضاً ﻓﻲ محو أمية أبناء أمته، فلا يبقى أمي واحد، وينبت المدارس ﻓﻲ ثنايا بلاده وثغورها، فلا يبقى مواطن لم يتخرج من مدرسة أو معهد أو جامعة، وينشر المكتبات، والمسارح، حتى لا تبقى قرية لم تصلها هذه الوسائل. يفعل المناضل الزائف هذا كله، ليصادر الحرية من أبناء أمته، وليُمكِن الرق من العقول والقلوب..".

وهذا ما يحدث عندنا، فالحزب الحاكم، دون أن يسجل أي أنجاز صادر حريتنا فقط لأنه جاء من صناديق الإقتراع، والمناضل الزائف ما أن يتربع على رأس نقابة ما أو حزب ما أو أي تنظيم أخر، يصادر حرية رفاقه وقواعد تنظيمه، فقط لأنهم نصبوه على رأس الهرم، فيبدأ في أصدار أوامره يمينا وشمالا، دون أن يراعي مبادئ تنظيمه ولا قيم الحرية والديمقراطية التي لطالما تغنى بها من أعلى المنصات، سرعان ما يحجز لنفس الحرية الكاملة للتصرف في ما تملكه باسم الديمقراطية، وقيد حرية الباقي.

يقول هيجل: "لنتخيل رجلاً أعمى، يجد نفسه فجأة، وقد أصبح مُبصِراً، فيشاهد البريق الذي يشعه ضوء الفجر، والتألق المتوهج لطلوع الشمس. إن أول شعور له هو نسيان، بغير حد، لشخصيته الفردية ﻓﻲ هذا السناء الرائع المطلق  ـ أي الدهشة التامة ـ ، عندما ترتفع الشمس تقل هذه الدهشة، إذ يدرك الأشياء المحيطة به، ومنها ينتقل الفرد إلى تأمل أعماق وجوده الداخلي، وعند نهاية النهار يكون الإنسان قد شيد بناء أسسه من

مجموع المشاهدات: 1096 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة