الآباء وشبح الدخول المدرسي

أضحت مناسبات الأعياد والدخول المدرسي تشكل عبئا كبيرا على كاهل الآباء، نظرا لما تتطلبه من مصاريف مختلفة تفوق الراتب الشهري والقدرة الشرائية عموما، مما يضطر معه الآباء إلى الاستدانة لتلبية حاجيات الأطفال والتوسعة عليهم، هذا مع أصحاب الرواتب المتوسطة، وشبه المتوسطة، أما أصحاب الرواتب المتدنية فغاية ما يقال (الله يحسن لعوان).

ليس قديما كان الآباء يستطيعون تدبير الكتب المدرسية بواسطة انتقالها من الأكبر إلى الأصغر، أو بالتبادل مع أبناء الحي الواحد، أما اليوم فمع غلبة الهاجس الاقتصادي على المقررات الدراسية، تطلع علينا في كل عام مقررات لاجديد فيها سوى الغلاف والألوان وبتوزيع بين الحضري وشبه الحضري والقروي مما أضحى معه هذا التدبير مستحيلا.

وهنا تشرئب أعناق المؤسسات الربوية لتغري هؤلاء الآباء بعروض تدخلهم في دوامات ومتاهات لا سبيل إلى الخروج منها، مما تتفاقم معه المشاكل الأسرية والاجتماعية، فما يتم ترقيعه في الدخول المدرسي، تأتي عليه مناسبة عيد الأضحى وغيرها لتمزقه، وتظل حالة الأب كما صورها المثل العربي (اتسع الخرق على الراقع) أو (زاد في الطين بلة) أو (تكاثرت الظباء على خراش...) واسرد ما شئت من كتاب الأمثال وحكاياتها للميداني، فكلها تصدق على هذا الأب المسكين.

هذا مع الموظفين ذوي الرواتب القارة، فما بال الفقراء والمحتاجين ذوي (دزينة) العيال من خمسة فما فوق، أظن أن حالهم لا يخفى عليكم، ولولا المبادرة الملكية (مليون محفظة) لكان هناك مليون طفل غير قادر على الدراسة، ولولا جمعيات المجتمع المدني التي تقوم حثيثة في تلبية حاجيات الأطفال الفقراء والأيتام في هذه المناسبة لكان الحديث عن تعميم التمدرس (حديث خرافة).

فمن يتق الله في هؤلاء الآباء وقد أنهكتهم الكبوات والعثرات، فلا يقومون من حفرة إلا ليسقطوا في أخرى، فيا أيتها الوزارة الوصية على تعليمنا، ويا أيتها المؤسسات المالية، ويا أيها الناس، حتى لا يصبح الدخول المدرسي شبحا مخيفا (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).