الرئيسية | أقلام حرة | وجدت جزءا من الثروة غير المادية

وجدت جزءا من الثروة غير المادية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
وجدت جزءا من الثروة غير المادية
 

 

المجتمع المدني يتحرك، والفعاليات المدنية تبادر، والناشطون الحقوقيون والإعلاميون والسياسيون والمثقفون والجامعيون ينخرطون أكثر فأكثر في النقاش العمومي، وفي تناول القضايا الحساسة بجرأة وإبداع دون خطوط حمراء ولا صفراء ولا خضراء. 

في شهر واحد طالعنا مذكرة شاملة حول الانتخابات الشفافة والنزيهة وجهها فاعلون في المجتمع المدني إلى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يطالبون من خلالها وعبر (44 إجراء) بالإشراف السياسي والقانوني على الانتخابات المقبلة وإعمال المقاربة الشفافة والنزيهة في كل أطوار الاستحقاق القادم من إلغاء اللوائح الانتخابية، وتعويضها بلوائح البطاقة الوطنية إلى يوم الإعلان عن النتائج، مرورا بالتمويل والإشراف على المكاتب والتقطيع والمراقبة وضمان نزاهة العملية الديمقراطية. 

بعد عريضة المطالبة بانتخابات شفافة ونزيهة عبر إجراءات ملموسة نزلت عريضة البحث عن الثروة، أو قل النقاش العمومي حول الخطاب الملكي الأخير الذي طلب من المغاربة تقييما موضوعيا لحصيلة حكم ملكهم، وإجراء بحث علمي حول مصادر الثروة المادية وغير المادية. النداء وقعه 130 فاعلا مدنيا من كل التيارات والاتجاهات والشرائح الاجتماعية والمهنية، وهي خطوة جريئة ومبدعة قادها كريم التازي وفؤاد عبد المومني ومحمد الساسي وهمت فتح أحد أهم الجروح في جسمنا المغربي «الريع» والمستفيدون منه.

طبعا غير هاتين المبادرين هناك العديد العديد من المبادرات المدنية في كل مجالات الحياة العامة، حيث يتحرك المجتمع لتغطية نقص حضور الدولة، خاصة في المجال الاجتماعي، حيث خارطة الفقر كبيرة، والتهميش عميق، والحكرة مستشرية. أكثر من هذا، في كثير من الأحيان تعاني جمعيات المجتمع المدني مضايقة السلطة لها ولعملها. مازلت أذكر في بداية التسعينات كيف كان رجال السلطة، من عمال وقياد، يمنعون المحسنين من توزيع الأكل والحريرة في رمضان بشكل جماعي على الفقراء في الشارع العام، وقد حضرت في البيضاء واقعة عمد فيها أحد العمال المقربين آنذاك من إدريس البصري إلى منع جمعية من توزيع الحريرة، وقال لها بغضب سلطوي حاد: «أنتم تشوهون سمعة المغرب وسمعة جلالة الملك الحسن الثاني، نصره الله، وتظهرون بهذه الصورة كأن المغرب مليء بالفقراء، وكأن المغاربة لا يجدون ما يأكلون»، ثم عمد إلى ضرب طنجرة الحريرة برجله، ومضى إلى حال سبيله وهو يصرخ: «المغرب ليس هو الصومال أو إثيوبيا»…

عشنا ورأينا كيف تحول الملك محمد السادس إلى قائد حملة التضامن كل سنة، حيث تجمع المليارات للفقراء والمساكين، حتى إن البعض لم يجد حرجا في إطلاق لقب ملك الفقراء على الجالس على العرش…

لنرجع إلى مبادرات المجتمع المدني في المجال السياسي والاجتماعي والحقوقي والإعلامي والثقافي، والمدني عموما، حيث تعددت المبادرات، وأصبحت هناك دينامية وسط هذا المجتمع تنبئ عن تحولات كبيرة مافتئت السلطة تقاومها وتحجمها إذا لم تستطع أن تحتويها وتدجنها، وهنا لا بد من إبداء ثلاث ملاحظات على هذه الدينامية الجديدة:

أولا: المجتمع المدني يأخذ يوما بعد آخر زمام المبادرة في عدد من المجالات، وأبرزها المجال السياسي العام، وهذا يتم على حساب الأحزاب (التي يغط جلها في نوم عميق)، والسلطة التي رغم آلياتها وإمكاناتها وخبرتها لم تعد قادرة على التصدي لهذا المجتمع، وقد رأينا كيف أن حركة 20 فبراير، وهي حركة مدنية عفوية وغير مؤطرة، كانت سببا في وفاة دستور الحسن الثاني، ووفاة حكومة عباس الفاسي قبل الأوان ومعها برلمان 2011، وكيف أن هذه الحركة العفوية كانت سببا في إطلاق جملة من الإصلاحات التي أتت ببنكيران إلى الحكومة، في الوقت الذي كانت الدولة ترفض إعطاء حزبه مجرد عمادة الرباط حيث يوجد مقر الحكم الرسمي في المملكة!

ثانيا: تحركات المجتمع المدني تنم عن وعي كبير بالتعددية والقبول بالاختلاف والتعايش بين التيارات المتباينة. في جل النداءات والعرائض والتظاهرات والملتقيات التي تنظم حول القضايا الكبرى والحساسة نجد اليساريين إلى جانب الإسلاميين إلى جانب القوميين إلى جانب الليبراليين إلى جانب الأمازيغيين، والمتدينين إلى جانب العلمانيين، معتدلين ومتطرفين.. النساء إلى جانب الشباب الذين واللواتي لهم ولهن حضور أكبر في تعبيرات المجتمع المدني بالمقارنة مع غيره، وهذا تطور نوعي في الوعي السياسي وإرادة العيش المشترك بين المغاربة، والقدرة على إدارة الاختلاف الثقافي والإيديولوجي والسياسي، وحتى العقدي…

ثالثا: نلمس يوما بعد آخر جرأة كبيرة في وسط المجتمع المدني في نقاش القضايا الحساسة جرأة غير موجودة في الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية التي صارت جلها محافظة بل وجامدة، تجر المجتمع إلى الخلف عوض أن تساعده على التقدم إلى الأمام. وكل هذا لأن حساباتها انتخابوية صغيرة وليست صاحبة مشاريع اجتماعية كبيرة…

المجتمع المدني المغربي، بكل مشاكله وأعطابه، يشكل واحدا من المكتسبات المغربية، ومنجما واعدا، وثروة غير مادية أتمنى أن ينتبه إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو ينجز دراسته عن الثروة غير المادية التي طلبها القصر…

مجموع المشاهدات: 1790 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة