الرئيسية | أقلام حرة | نحن حكومة صاحب الجلالة .. فإياكم ومحاسبتنا

نحن حكومة صاحب الجلالة .. فإياكم ومحاسبتنا

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
نحن حكومة صاحب الجلالة .. فإياكم ومحاسبتنا
 

 

كل من تتبع برنامج مباشر معكم في حلقته ليوم الأربعاء الماضي، سيصل إلى خلاصة واحدة لا غير، هي أن الأمناء العامين لبعض أكبر الأحزاب السياسي في المغرب، أصبحوا غير قادرين على انتاج خطاب سياسي سليم، خطاب هادئ يتسلل إلى عقول المتتبع ويداعب خلايا عقله حتى تخرج من خمولها، لتنتج صورة واضحة عن المشهد السياسي والقضايا الكبرى، خطاب علمي من شأنه أن يتناول بالدراسة والتحليل مختلف الأوضاع الحساسة والقضايا الكبرى لوطننا، وجعلها واضح وبينة للمواطن العادي قبل المثقف، بعد فك رموز معادلاتها المعقدة بحرفية تامة، خطاب دقيق من شأنه أن يدفع بعموم المواطنين للمشاركة السياسية الفعالة والتفاعل الإجابي مع التطورات السياسية..

للأسف لم يعد بمقدور زعماء غالبية الأحزاب القيام بهذه المهمة، التي تعتبر بديهية في عالم السياسية، هذا العالم الذي يعتمد على الإقناع قبل كل شيء. فأصبح ساستنا ضد على المنطق السياسة الذي يفرض التنافس والصراع من أجل تحمل المسؤولية يتهربون منها، ويتوارون عنها خلف صاحب الجلالة، عن طريق تصريحات تنم عن عجز كبير على مجارات الواقع.

"نحن حكومة صاحب الجلالة"، هكذا صرح بها زعيم الحزب الشيوعي، بدون لف ولا دوران، وبوضوح تام، وكأنه يقول لا تحاولوا محاسبتنا، ولا حتى مساءلتنا حول الوضع الحالي، وحول الإجراءات التي استهدفتكم، وحول تفقيركم وضرب قدرتكم الشرائية، وحول طرد أبنائكم من الجامعات والمدارس، وحول الزيادات في الأسعار، وحول ضعف الخدمات المقدمة في القطاعات العمومية، وحول وحول .... فنحن حكومة صاحب الجلالة، لا يحق لكم محاسبتنا.

وهذه ليست المرة الأولى ـ وطبعا لن تكون الأخيرة ـ التي يتفوه فيها أحد زعماء الاغلبية بمثل هكذا عبارات للتهرب من مسؤولية، سبق رئيسه في الحكومة عبد الإلاه بنكيران، أن صرح بنفس الشيء خلال إحدى الجلسات البرلمانية بمجلس المستشارين حين قال أن الملك هو رئيس الحكومة الفعلي.. لقد أصبح نهجا يعتمدهم ساسة فاشلين للتهرب من مسؤوليتهم وتخفي وراء عاهل البلاد، ضدا على كل المبادئ والقيم الديمقراطية، ضاربين عرض الحائط أدبيات الممارسة السياسية، متهربين من المسؤولية في زمن الدستور الجديد، الذي جاء بأهم مبدأ، ربط المسؤولية بالمحاسبة.

لا لا ... وألف لا، أيها الساسة الجبناء، الملك بريء منكم ومن تصرفاتكم وقراراتكم الجائرة، ألم تستوعبوا بعد أن الدستور حدد اختصاصات كل مؤسسة على حدة؟؟ ألم تستوعبوا بعد أنه حدد مسؤولية المؤسسة الملكية بوضوح ومسؤولية الحكومة وأيضا البرلمان ؟؟ لم تفهموا بعد أن مسؤوليتكم قائمة وعليكم تحملها؟؟

لقد بات جليا أن الخطاب السياسي لدى عدد كبير من الفاعلين السياسين، يعرف تدني وانحطاط فضيع، يعبر في حقيقة الأمر عن تدن فكري وسياسي في ذات الوقت، لدرجة أصبحنا معها نشتاق إلى أيام خوالي، أيام كان فيها السياسيون يعبرون عن أفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم من خلال ما يصدر عن أحزابهم من بيانات رسمية أو من خلال البرامج التلفازية والإذاعية، بكل رصانة وثبات، بهدف التعبير عن الفكرة أو أفكار معنية وشرحها وتفصيلها بدقة، وكان مناوئوهم يناقشونهم بناء على ذلك، وتجد المتتبع لشأن السياسي يشهد على حوار وجدال منقط النظير، يعتمد على مقارعة الفكرة بالفكرة، والاستناد إلى حجج وأدلة دامغة وتحليل العلمي ومنطقي...، وذلك في احترام تام لكل أدبيات الحوار السياسي السليم.

كان السياسيون المحترفون يعبرون عن آرائهم الرصينة، وعن أفكار أحزابهم في الاجتماعات واللقاءات الصحفية وعبر الخطب السياسية المدروسة، يتم الاتفاق على أدق مفرداتها وحروفها، بل وحتى نقاط الوقوف والفواصل داخل الحزب، وذلك في إطار القيم الناظمة للحياة الاجتماعية، وضمن القيم المكرسة في الحياة السياسية في سياق ثوابت المجتمع، دون تهريج أو تهديد أو وعيد أو استعراض للعضلات المفتولة وغير المفتولة، ودون تزييف أو تحريض.

ولكن الذي يحدث اليوم هو أن بعض السياسيين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من مهرجي السيرك يتنططون في الاستعراض والتهريج والصراخ، وينتظرون من الجمهور تصفيق حار إعجابا بمهاراتهم في الإثارة الفارغة، فانهارت بذلك القيم الأخلاقية قبل السياسية، وأصبحنا نسمع عبارات مقززة وكلمات جارحة غير مهذبة في وصف رجال السياسة ونسائها، قافزين بذلك عن كل بديهيات الخطاب السياسي وقواعده العلمية، وضاربين عرض الحائط كل قيم ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير والممارسة السياسية الرزينة التي يتشدقون بها، وهي منهم بريئة براءة الذئب من دم يوسف.

إن تدنى مستوى الخاطب السياسي، قد بلغ درجة لم يعد من الممكن معها على المواطن البسيط أن يستوعب ما يدور حوله من مشكلات، وما نواجهه من تحديات خطيرة تهدد المجتمع، وتعمل فقط على تكريس المصلحة الشخصية الضيقة بدلا من المصلحة الوطنية العامة.

إننا بأمس الحاجة إلى نهج سياسي عقلاني ومتوازن يقوم على أساس من التربية السياسية القائمة على المنهج الديمقراطي واحترام الحق في الاختلاف والرأي الآخر وتقدير الذات والآخرين والإيمان بالمشاركة السياسية والمجتمعية، والأهم من ذلك انتاج خطاب سياسي رزين يمكن من إيصال فكرة واضحة ودقيق، خطاب سياسي يمكن المتلقي مهما كان بسيطا من تبيان الحدود الفاصلة بين حزب وأخر، مشروع سياسي وأخر، حكومة ومعارضة... حتى يتسنى له تحديد موقفه بسهولة، وبالتالي يمكنه الانخراط في الممارسة السياسية، بمختلف أوجهها...

 

فقبل أن تسألوا المواطن المغربي .. لماذا العزوف عن السياسية؟؟ .. اسألوا أنفسكم أولا .. هل فعلا تمارسون سياسية سليمة؟؟؟ .. هل فعلا حافظتم على نظافة السياسية؟؟ .. حتى ينخرط معكم الشرفاء ..   

مجموع المشاهدات: 2078 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة