الرئيسية | أقلام حرة | من يدفع عن الأمة الظلم والاستبداد ؟

من يدفع عن الأمة الظلم والاستبداد ؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
من يدفع عن الأمة الظلم والاستبداد ؟
 

 

   الإحساس بالمسؤولية الوظيفية والفهم الصحيح لفن إدارة شؤون الأمة ومهارة تدبيرها على الوجه الأمثل ولا أقول الأكمل - إذ لا كمال إلا لله عز وجل - هو الكفيل بدرء المفاسد عن الشعوب وصيانتها من الظلم والظالمين وحفظها من عبث العابثين ، وإكرام الأفراد والجماعات بحقوق المواطنة '' كلكم لآدم وآدم من تراب '' وبحياة طيبة وعيش كريم وإن لم يكن رغدا مع العلم أن الرفاهية الحسنة والحياة الرغيدة وتيسير العسير على الامة مطالب حتمية بل ضرورات خُلقية لتحقيق العدل والاستقرار والأمن ، ولا تتأتى هذه الفنون والمهارات إلا لذوي العقول الذكية المتيقظة بنور الحكمة والبصيرة العليمة بحسن تدبير السادة السابقين ليس فقط في السياسات الاقتصادية من توفير للعمل والمأكل والمشرب والملبس وما إلى ذلك من مستلزمات حياة الأبدان الكريمة لكل مواطن بل يتعداه إلى حياة القلوب والأذهان والسمو بالأمة إلى مدارج العلم والعرفان ومراتب عليا من النضج الفكري والوعي المجتمعي والأخلاق الفاضلة .

   عندما نتحدث عن المسؤولية والوظيفة العمومية وغير العمومية وخدمة الوطن يطرح سؤال كبير وعريض ، من يحمل على كاهله عبء سياسة الشعب ؟ والسياسة هنا بمفهومها الشامل الكامل وليس بالمفهوم الخامل الهامل كما هو الشأن عند كثير من الناس خصوصا عند موظفي الدولة ، فعندما تعتلي ظهر بغلة فإنك " تسايس معها " حتى تبلغك مأمنك وإلا فمصيرك أن تلقى على الأرض في أول حجرة أو عثرة تعترض طريق هذه الدابة .

الجواب على سؤالنا تستأثر به كل طبقة لنفسها دونا عن سواها معتبرة وظيفتها ومسؤوليتها قطب الرحى والنجم الذي تدور حوله الأفلاك ، فتنزلق به نرجسيته من خادم للأمة إلى مخدوم وآمر مطاع ولا يزال كذلك حتى يغرق في مدارك الظلم والاستبداد ، وأول هذه الفئات على التوالي هم الحكام ثم الأجهزة " الأمنية " فالوزراء فالأحزاب و" المناضلون " ورجال " التعليم " وإخوانهم في الإعلام وهلم جرا حتى آخر موظف في الدولة ، فإن نغمة الفضل والاستعلاء عليك تحس بها وتتيه في أشكالها وألوانها بمجرد ما تحاور رجل سلطة أو رجل تعليم أو إعلامي ولا ينفك يذكرك بها كلما عرض لك عارض معه من قبيل " المخزن هو اللي هاز البلاد " ما كاينش اللي كايخدم فهاد البلاد كد الأستاذ والمعلم " الصحافة مهنة المتاعب والمخاطر " خمسين عام وحنا كناضلو باش تعيش انت " ، أما باقي الشعب غير نافع والأجدر به أن يعيش في الطبقة السفلى من الأرض وأن يكون خدما وحشما لأسياده الحاملين على أكتافهم المسؤولية " العظمى"  في هذا البلد المحظوظ بهم .

   فالمسؤولية " العظمى " التي يتشدق بها هؤلاء وأولئك تتجلى واضحة في رجل شرطة وصقرين من صقور الدار البيضاء الجارحة فتكون شاهدا على حقيقة مرة من حقائق هذه المسؤولية العظمى والتي تتمثل في إرهاب الناس بممارسات سلطوية وذلك عندما أوقف هذا الأخير شابين يستقلان دراجة نارية يبدو أنهما " خرقا القانون " على حد زعمه والله أعلم ، وبدأ يتعجرف على الشباب أي " يتفطح " والناس المتحلقون حوله يستعطفونه ويسترحمون له والديه وهو يرد عليهم بصوت عال وجهوري أن " بعدوا للتيساع وإلا ..... أما صوت الشباب والناس فلا أسمعه رغم قربي الشديد منهم ، ويتوعد أحد الشباب قائلا له " راه نجيبك نجيبك " ويصول ويجول في المنطقة كأنه يملكها بمن فيها من الناس ، حقيقة لقد أحسست ساعتها أنه لا قيمة لي ولا للمغاربة أمام هذه التصرفات البهيمية التي تبين عن مدى ضعف هذا الجهاز وتفاهته علما وفكرا وثقافة ويمثلون الدولة والحكومة أسوأ تمثيل وقد قيل " هذا الجحش من ذاك القطيع " .

   والمسؤولية " العظمى " كذلك هي التي يتغنى بها أكثر رجال التعليم تظهر عيانا بيانا عندما ترى بأم عينيك ولي أمر تلميذة ينتظرُ وقتا طويلا وقد تغيب عن عمله ليجدكِ أنتِ أيتها المعلمةُ المربّيةُ متأخرةً عن تلاميذك زمنا لا بأس به فرددته ناكرة إياه " سمح لي أسيدي راني نسيتك " لتتركيه دون أن تعطيه ولو دقيقة من وقتك الثمين مع العلم أنكِ أعطيتِهِ هذا الموعد ، لينكسر الرجل ذو الشّيْبة وقد جر أذيال الخيبة والمهانة وضاع وقته الذي لا ثمن له عندك في قاموس اللامبالاة وتعتقدين أنه خادم لديك هو وابنته التي تدرسينها أصول التربية ومكارم الاخلاق ، عجبا لكم ! كيف تحكمون ؟

   والمسؤولية " العظمى " أن تكون " مناضلا " وقد تدلى بطنك إلى الركب وانتفخت أوداجك إلى اللبب واحمرت تخمة ورخاوة من أثر " النضال "في أكل ما لذ وطاب من اللحم الدسم و" الجهاد " في سبيل أن يعيش الشعب المغربي الذي صوت لك كسير الجناح كسيح الخطى لتطير أنت بجناحيه عاليا في عالم المسؤوليات الحزبية المرموقة ثم الاستوزار ثم الغنى والثراء الفاحش وترتقي على جراحه وجراح أبنائه من أجل الاغتناء بأموال الأمة ومن أجل وضع القدم في البرلمان ثم الحكومة ولم لا رئيسا للحكومة ، وفي الأخير تتبجح وتدعي أنك " مناضل " نِعْمَ النّضال وإلا فلا .

   لقد هزُلت وهرِمت ورذُلت عقولنا وقلوبنا ونفوسنا وجراحُنا حتى سال منها القيح وما بعد القيح إلا الدم ، نِعْمَ المسؤولية العظمى أن تكون بطلا في الحق ورفع الحيف والظلم عن الناس كل الناس بالقانون وإن كان فيه هذا القانون نظر بل نظرات ، نَعَمْ أنتَ وأنتِ كلنا في ميزان واحد أمام القانون إلا من رغب عن ذلك فإنه شاذ منحرف يجب تقويمه باللين قبل القوة ولا أقول العنف وما خلق الله الجزاء والعقاب إلا لتزكية النفوس وتطهير المجتمع ، الجزاء بل وأحسنه لمن قدم خدمة جليلة  للشعب والوطن وحفظهم في المال والأهل والولد وصان كرامتهم وشرفهم والعقاب بل وأشده لمن خان الأمة ودنس أرضها بِمُنْتِنِ الأفعال وضيّع الحقوق بسوء الحُكم والجهل بتدبير الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي كائنًا من كان لا أحد خيْرٌ من أحد ولا أحدَ لهُ الفضلُ على أحد ولا أحدَ غنيٌّ عن أحد إلا الواحدُ الأحدُ الفردُ الصّمد ، يقولون " مولْ التّاج كايْحتاج" وجاء في الأثر " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة " .

 

   إن الذي يدعي أنه مسلم ويدعي أنه ينتمي إلى جماعة المسلمين وولاه الله تدبير شؤون الأمة وزيرا كان أم رئيس حكومة أو أيا كان فليعلم أن عليه وِزْرَ كلِّ ظالم أو سارق أو مغتصبٍ للحقوق لا ينقص من أوزارهم شئ ، فإن كنت شاهدا على عشرات الخروقات في مغربنا الحبيب من طرف السلطة والقطاعات العمومية بدون استثناء ، فلا شك أن المئات من المغاربة بل الآلاف وربما الملايين شهدوا مثلها وأفظع منها ولكن المغاربة كما هو معروف تربّوْا على الخوف والرعب والإرهاب منذ الصغر " عنداك بوعو جاي "عنداك الكلب الكحل جاي " عنداك بوليسي جاي " ولا يستطيع الكثير من الناس الإفصاح أو التبليغ عن الظلم الذي يتعرضون له ، فمن إذن يدفع عن الشعب هذا الظلم إلا من ولي أمرهم ؟ ورحم الله عمر كان يقول لعلمه بجسامة المسؤولية وعظمها ولشدة خوفه من سوء العاقبة " لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تُمهّد لها الطريق ياعمر ؟؟    

مجموع المشاهدات: 1325 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة