الرئيسية | أقلام حرة | أمِــي لا تُساوي ألف درهم يا "بنكيران".

أمِــي لا تُساوي ألف درهم يا "بنكيران".

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أمِــي لا تُساوي ألف درهم يا "بنكيران".
 

ليس الأسْوَدُ دائما مضرب المثل في التشاؤم وسواد القلب وكلّ ما هو سيئ....

 فالألوان  أحيانا خداعة كمّا المظاهر. وحده الليّل كشف حقيقة السّواد بلون ظلامه، فليس السكارى والعاشقيّن والسّاهرين واللصوص و المومسات من يتخذ من ظلامه مطيّة لما تقترفه أروحهم، بل  أيضاً الذين يحنون لشيئ بعيد يتخذون من الظلام ستارا لحنينهم. فيتحول الحنين إلى بكاء صامت.

إنه نحيبٌ تصعد فيه الأنفاس والشهقات لتصل حدود الحلق فتُحدث لغة الصمت أثرها فيه. السواد نعمة العُشّاق حين يرنون لبدر مُكتمل يبثون له صدود من عَشِقُوهُمْ سراً. أمّا هكذا علمنا الحب العذري؟؟. لمّا تتكلم الروح بعيداً عن لذة الجسد الفاني و لمسات منتصف ليّلٍ كئيب. به تستُر المومسات قهر الزمن وترقصن تحت ترانيم أهازيج قتل إلأحاسيس،  فيعتقد الزبون أن دمع المومس هو فرح ثمالة حد البكاء.

لظلام الليل عُشاق لا من هذا الصنف ولا ذاك. هم وحدهم يعرفون لما إختاروا الظلمة ليُعبروا فيها عن حنين لشيئ ما. لوطن أو لأرض تركوها غصبا لأنها لم تعد تنجب سوى جلاديها. لحبيبة ذابت وسط لجة مطامع الحياة فهَجَرة عشق صدره وسكنت أول سيارة تفتح لها بابها. لصديق خاب القدر في عدّ حياته فخطفها خلسة وهو يهّم بالنوم . لأختٍ أو لأخ، لإنسان أو ذكرى. لمكان أو لحظة.... لكن يبقى أشد الحنين بأساً هو ذاك الذي ينمو بين الأضلع فيحرقُها، يزاوج بين التلهف و البكاء. الحسرة والألم ولا يُبردهما سوى لحظة ترقب باللقاء. إنه الحنين لــــلأم.

الأم.....

وسط مآسي الحياة تصعد كومضة ناصعة تنير درب الحياة، كفجوة نور في سراديب مُعتمة. كنجمة تجلب الفأل و أيقونة ليس لها مال. مجدتها النظريات الفلسفيّة و الأديان. وحتى العبثيون وقفوا حُيالها جامدين كجلمود تسمَّر ينظر لأخدود الماء المتدفق أمامه. إنهّا وحدها من يستحق الحياة إن أجبنا درويش حين تسائل بلطف " على  هذه الأرض ما يستحقُ الحياة"، ولأجلها رسم الرسام لوحته وكتب الزجال شعره وعزف الموسيقي على آلته. لعيونها تغنى سكير و همست تلك المومس في أذن صديقتها أنها حنَّت إليها.

ترنو في المساء وهي بعيدة عنك وتناجي صورتها، أولا يضع المسافر صورة أمه في جيب سترته الداخلي و يعتني بها كنبثة صغيرة، وهي التي إعتنت به منذ أن كان قطعة لحم؟ . بل قبل ذلك مذ أن كان نُطفة في قعر بطنها . يفرح لفرحها ويحزن لحزنها ويبكي معها في أحشائها. حين إزداد هلّت الفرحة في عيونها بحجم قطرت العرق المُتصببة من جبينها لحظة ولادته، كانت تضع رجلا هنا و الأخرى في العالم الآخر، لكنها إنتصرت على من يجذبها للعالم الآخر وظلت هُنا. أرضعته حتى أوشك أن يرث النهد طول حياته، و ظلت الليل تسهر حين يجافيه النوم.

ذبت الحياة فجأة في قطعة اللحم الصغير فأصبحت بشراً، ومعها ذب الحلم في دواخلها و نمّا الحلم بنمو الصبيّ. كانت تحلم بحلمه و تصير هي درع أمنه حين يفر هربا من مكروه، يختار حضنها و يعتكف فيه لأنه الآمان الوحيد وسط لهيب حياةٍ لا ترحم. صار الصبي مراهقا فأضحى الحلم خوفا عليه، يجافيها النوم حين يغيب ليلاً كما كانت تفعل وهو لازال قطعة لحم. خافت أن تجرفه نزوة، أن تغتاله لحظة طيش، أن يذوب في عشق لذة سترمي به لتهلكة. وحتى هو يكبر ظل في عينيها ذلك الطفل الرضيع و إن نمت شواربه و إتسعت أكتافه. فهو الإبن الذي لن تفور أو تهدأ لوعة الحب بداخلها إتجاهه.

هــي والأب وجهان لورقةِ عُملةٍ واحدة، لكنها الوجه الذي به الأرقام. فإن مُحيّت الأرقام أو إختل ترتيبها أضحت العملة لا تصلح لتداوّل. كذلك الحياة لم تعد بطعمٍ إن غابت. نبكي دموعا في غيابها و نعاتب صروف الزمن على إبعادنا عنها، و إن قابلنها ومنعنا تَمَنُعَنَا على الإرتماء في أحضانها، ننحني لنرتشف بعضاً من حنانها بقبلاتٍ على راحة يدها المُتصلبة، فهو يدب في جسدها. منبعه الصدر لكنه في كل طرف فيها، و إن لم نكتفي باليد ونشبَع، ننهل القليل بتقبيل رأسها فهو الذي تلقى ضربات طيشنا و نرفزتنا و غضبنا وتحمّل ذلك بصبرْ.

بالعَبرات نُعبر لنكشف حجم الخصاص الذي تركه غيابها، و بالسلوّ (النسيان) نداوي جرحا تركه رحيلها ورغم ذلك ظل ينزف، و إن لم تمت. فنومها في غرفة أخرى يوجع، نبتغي أن تظل أمامنا، حتّى الرموش نرفض أن تزورنا ونحن في حضرتها. فهي القديسة و الوالدة، الشمس بلون ورائحة الحناء. الموسيقى في تجاويف لحن لا يمل طبل الأذن من سماعه. سمفونية جمعت بين كل السمفونيات، شريط طويل بلا نهاية وله أجمل بداية. نافورة مزينة بتيجان تتلألأ و يدور مائها مثل زئبقٍ وردي لا يُمسك. نحسّ حنانها ولا نمسكه..... هو إذاكَ الزئبق.

كـل هـذا...

ويأتي اليوم من يقدر كل هذا بثمن. ألف درهم لأم إذ صارت أرملة. أنت بلا أب و أمك ثمنها ألف درهم يهبها لها مسئُول غاب عنه كل هذا و عدّ ذلك إحسانا وبُراُ. كم هو مؤلم أن يغتال الوطن الشيئ الجميل الذي لازال يعطينا رشفات البقاء أحياء وسط كل نهبهم وغطرستهم وبطشهم.

 ألف درهم ويقولونها كأنهم جاؤوا بفعل جليل. ربطوا بين برّ الأم و برّ الوطن و سموا روايات بإسمها و إنتحر شبابٌ لأنهم إستعصى عليهم شراء دواء لكبد إحترق عليهم وهم صغار، وتفتت مرضا حين كبروا وما وجدوا لرد الدين له سبيلا. و ها هم يأتون اليوم  و يُعيّرون الأم ــ الأرملة بوريقات لا تكفي مصاريف ـ حتّى ــ من لهم معيل على قيد الحياة

أليس لبنكيران أم.؟؟؟

 بل له، هل يقيس كل ما كابدته من أجله بتلك الألف درهم ويمنحها لها آخر كل شهر من مرتبه السمين؟ و إن كانت ترقد في مثواها الأخير، هل يكفي أن يُصَرفَ الألف درهم  قطعاً نقدية ويوزعها على البؤساء لتشفع له. إنهم يجلسون أمامك يا بنكيران في قبة البرلمان ما إن وصلوا للسلطة حتى أودعوا أمهاتهم في خيرات لأنهن لم يعدن يصلحن لمناصبهم، ومن كان رؤوفاُ بهن فهو يرسلها لمنزل في قرية و يبعث لها مصروفا، مُعتقدا أن كل ما تنتظره منه حفنة دراهمه تلك.

أه على هذا الوطن.

 

 كل يوم يمر ينزف دما من طعناتهم، لم يتركوا شيئا إلا باعوه حتّى الأم ثمنوها في الألف درهم. كم هو مؤسف أن تجعل التي قال فيها أمير الشعراء: " الأم مدرسة إن أعددتها ــ أعددت شعباُ طيّب الأعراق"، مجرد فتات دراهم تصلها كل شهر و تسرقها منها بزيادتك و غلّو سياستك إتجاه الطبقة المسحوقة.

مجموع المشاهدات: 948 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | رشيد من كندا
اي شيء
أيها الحافة "اسم على مسمى" قبح الله الجهل. أليست هذه سابقة في تاريخ حكومات المغرب ان يتم الالتفات للأرامل. ماذا أعطتهن الحكومات السابقة غير الكلام. ان أردت ان تعبر عن وجودك اسلك سبلا اخرى. ثم انتبه لأسلوبك الركيك في الكتابة.
مقبول مرفوض
0
2014/11/24 - 12:42
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة