كيف يعيد المغرب هندسة الأطلسي الإفريقي؟.. "الشرقاوي" يقدم لـ"أخبارنا" قراءة في سيادة الممرات والتحالفات الجديدة
أخبارنا المغربية - عبد الإله بوسحابة
قال الدكتور "الشرقاوي الروداني"، أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيو-استراتيجية والأمنية، إن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (2025 NSS) تمثل قطيعة عميقة مع العقائد الأمنية التقليدية، وتؤشر على انتقال تاريخي في كيفية تعريف القوة، مبرزا أن المغرب لم يعد فاعلا متكيفا مع هذه التحولات، بل أصبح مساهما في صياغتها من خلال نموذج سيادي جديد يقوم على الربط، وتنظيم التدفقات، وهندسة الممرات الجيو-اقتصادية.
وارتباطا بالموضوع، أوضح "الروداني"، في تصريح مطوّل خصّ به موقع "أخبارنا"، أن الوثيقة الأمريكية الجديدة تعكس إدراكا متقدما لدى واشنطن بأن النظام الدولي لم يعد يُدار بمنطق التفوق العسكري وحده، بل بقدرة الدول على تأمين سلاسل القيمة، والتحكم في الموارد الحرجة، وضمان استمرارية الإمدادات، وإدارة البنى التحتية والممرات اللوجستية. واعتبر أن هذا التحول يعكس انتقال الصراع الدولي من المجال العسكري الصرف إلى فضاء مركب تتداخل فيه الأبعاد الاقتصادية، والطاقية، والتكنولوجية، والغذائية، والمعلوماتية.
في سياق متصل، أشار الخبير المغربي إلى أن 2025 NSS تعترف، بشكل غير مسبوق، بأن الأمن الغذائي والمعادن الحرجة والطاقة الخضراء أصبحت خطوط سيادة، وأن المنافسة العالمية ستتمحور حول من يملك القدرة على تنظيم هذه المجالات لا من يفرضها بالقوة. وفي هذا الصدد، تندرج مخاوف واشنطن من صعود الجنوب العالمي، وتحرر عدد متزايد من الدول من أنماط التبعية التقليدية، وإعادة تشكل التحالفات بناء على الموارد والممرات بدل الاصطفافات الإيديولوجية.
وفي قراءته للموقع المغربي داخل هذه المعادلة، شدد الدكتور "الشرقاوي الروداني" على أن إدراج الفوسفات ضمن قائمة المعادن الحرجة الأمريكية لسنة 2025 يشكل تحولا استراتيجيا بالغ الدلالة، موضحا أن الولايات المتحدة تعترف، لأول مرة بهذا الوضوح، بأن الغذاء أصبح جزءا من أمنها القومي. وأبرز أن المغرب، الذي يتوفر على نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من الفوسفات، يتحول بذلك من مصدر مادة أولية إلى فاعل سيادي في الجيوسياسية الغذائية العالمية، خاصة في ظل حقيقة علمية حاسمة مفادها أنه لا بديل للفوسفور في الزراعة.
إلى جانب ذلك، شدد "الروداني" على أن الرؤية الملكية سبقت هذا التحول الدولي، من خلال إعادة تموقع الفوسفات داخل منظومة متكاملة تشمل الأمونيا الخضراء، والطاقات المتجددة، والسيادة الصناعية، مستحضرا الأهداف المعلنة لمجموعة OCP لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمونيا وفتح مسار تصدير منخفض الكربون. واعتبر أن هذا الربط بين الفوسفات والطاقة الخضراء يعيد تعريف السماد باعتباره "طاقة معالجة سياديا"، وليس مادة مستوردة خاضعة للابتزاز الجيوسياسي.

كما توقف المتحدث ذاته عند البعد الاستراتيجي المتقدم المرتبط بإمكانية استخلاص العناصر الأرضية النادرة من مخلفات الفوسفات، مبرزا أن هذا المسار يضع المغرب ضمن النقاش العالمي حول المعادن الضرورية لصناعات الدفاع والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، و يمنحه قدرة على الانتقال من اقتصاد استخراج إلى اقتصاد تحويل عالي القيمة.
وعلى المستوى الجغرافي-الاقتصادي، اعتبر الدكتور "الشرقاوي الروداني" أن المغرب أعاد، بتوجيهات ملكية، هندسة مجاله الاستراتيجي، خاصة في الأقاليم الجنوبية، التي تحولت من هامش جغرافي إلى منصة أطلسية إفريقية صاعدة. وأوضح أن مشاريع الموانئ الكبرى، وعلى رأسها ميناء الداخلة الأطلسي، لا يمكن فهمها كمشاريع بنية تحتية معزولة، بل كعناصر في منظومة سيادة تشغيلية تهدف إلى ربط إفريقيا غير الساحلية بالأطلسي، وتأمين تدفق السلع والطاقة والموارد.
في هذا الإطار، قدم "الروداني" مفهوم "Strait Belt" باعتباره عقيدة مغربية ناشئة لإدارة الممرات والتدفقات، تقوم على تحويل المضائق والموانئ والطرق إلى أدوات نفوذ واستقرار، وليس مجرد نقاط عبور. وأوضح أن هذه العقيدة تسعى إلى إعادة تشكيل الأطلسي الإفريقي كفضاء تكامل اقتصادي بين إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية، بدل بقائه ساحة تنافس صفري بين القوى الكبرى.
كما أكد المتحدث ذاته أن هذا التوجه ينسجم تماما مع أولويات 2025 NSS، التي تفضّل شركاء إقليميين قادرين على هندسة محيطهم وتأمين التدفقات دون اللجوء إلى تدخلات عسكرية طويلة، مشيرا إلى أن الرؤية الملكية لفك العزلة عن دول الساحل عبر الواجهة الأطلسية تقدم بديلا استراتيجيا عمليا لمنطق القواعد العسكرية والهشاشة الأمنية.
وفي ما يتعلق بالتنافس الصيني-الأمريكي، شدد "الروداني" على أن المغرب يعتمد مقاربة سيادية براغماتية تقوم على اختيار الرتبة لا المعسكر، أي تثبيت موقعه كمنصة تحويل واستقرار، وبناء شراكات متوازنة تضمن نقل التكنولوجيا والتصنيع المحلي والتقاط القيمة، دون السقوط في التبعية لأي قوة.
وختم الدكتور "الشرقاوي الروداني" تصريحه بالتأكيد على أن المغرب يمتلك اليوم مقومات قوة أطلسية إفريقية بنيوية، قادرة على ترجمة التحولات الجيو-استراتيجية إلى نفوذ مستدام، معتبرا أن نجاح الشراكة المغربية-الأمريكية رهين بانتقال واشنطن من منطق النفاذ إلى الموارد إلى منطق بناء القدرات المشتركة، والاستثمار طويل الأمد في سلاسل القيمة والبنى التحتية والتحول الطاقي. وخلص إلى أن المغرب لم يعد مجرد شريك في النظام الدولي، بل فاعلا يشارك في إعادة تصميمه من بوابة إفريقيا والأطلسي.
