أصحاب الشواهد العليا ... بين مطرقة العطالة و سندان القمع الحكومي
المعزوزي أيوب /أخبارنا المغربية
لا شـك أن الأطر العليا تشكـل - في أي بلد يحـترم إمكـانـياته البشرية و الفكـريـة – حجر الأساس لأي مشروع نهضوي تنموي، لذا فقد أجمع المفكرون على ضرورة الاعـتناء بالثروة العقـلية، و وقف نزيف الأدمغة الذي تشهده بلداننا العربية... و لا شك بما أننا في زمن العولمة و التحديات فوطننا الحبيـب في أمس الحاجة للطاقـات الشابـة، و التي يعـول عليـها خصوصا في إنجاح مشـروع الإصلاح الذي تشهده بلادنا... مشـروع الإصلاح الذي يهـدف أساسا إلى القطـع مع كـل الممارسات التسويـفية و القـمعـية، و إلى ضمان حياة كريمة لجميع المواطنين بدون استـثـناء أو إقصاء...
إن تحليلا بسيطا لممارسات الحكومة يوضح بشكل جلي أنها لا تنوي التخـلي عن عاداتها و سلوكياتها كما أن ممثـليها ما زالوا مصرين على اعتماد المقاربة الأمنية-الإعلامية وسيـلة وحيـدة للتخلـص من مشاكـل شبـاب الوطن... أتحـدت هنا بالذات عن أصحاب الشواهد المعطـلين، حيث نتذكر جميعا كيف خرجت علينا الحكومة بتاريخ 1 مارس خرجتها الإعلامية الشهيرة "الإدماج الفوري و المباشر لأصحاب الشواهد العليا" و نتذكر جميعا كيف طبـلت وسائـل الإعـلام العمومي لهذا التصريح الحكومي في حين تنكرت لمهنيتها عندما تعرضت مسيـرة 25 أبريل – و التي كان الغرض منها الاستنجـاد بصاحب الجـلالة و طلب تدخله المباشر لرفع الظلم عن فئة من شعبه غلبت على أمرها – لإعتداء وحشي من طرف آلة القمع البوليسية مما خلف العديد من الإصابات و الكسور في صفوف المعطلين، كما خلف أثارا و ندوبا نفسية تصعب معالجتها نتيجة للسب و القذف البشع الذي تعرضت له الأطر المعطلة وهو السب الذي طال للأسف مقدسات المغاربة و المسلمين... سب صدر من طرف مسئولين – المفروض فيهم حماية المواطـن و كـرامته – في حق شباب تهمته الوحيدة هي حيازة طموح دفعه إلى مواصلة دراسته و محاولة الوصول إلى أقصى درجات العلم.
لقد شهد ملف الأطر العليا المعطلة بداية مسرحية جديدة عنوانها "الإقصاء و التسويف" و أبطالها مسئولون اتخذوا من الوعود و المماطلة وسيلة و من القمع و التهديد منهاجا و جعلوا الإجهاز على حقوق المعطل غاية و هدفا...
إن المتتبع لملف الأطر العليا المعتصمة بالرباط يعلم جيدا أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب قرار سياسي بحل هذا الملف,, كما يعلم أن ذريعة "عجز الميزانية" التي تحاول الحكومة استغلالها للتملص من وعودها السابقة ما هي إلا حجة واهية تتداعى أمام جملة من الحقائق: فالميزانية نفسها التي تدعي الحكومة عجزها تحملت و تتحمل الضغط المالي الناتج عن الآلاف من الموظفين الأشباح و الميزانية نفسها التي تدعي الحكومة عجزها تحملت و تتحمل الاستنزاف الناتج عن سوء التسيير و التبذير الذي تعرفه جميع مصالح الدولة ولعل التقارير" المرعبة" للمجلس الأعلى للحسابات خير دليل على هذا التسيب... دون أن نتحدث عن ملاين الدراهم التي تصرف شهريا كمرتبات لكبار المسئولين بالإضافة إلى التعويضات و المكافآت الخيالية التي يتلقونها بمناسبة و بدون مناسبة، و التي تسبب تضخما كبيرا في كتلة الأجور بالمغرب...و الميزانية نفسها التي تدعي الحكومة عجزها تحملت و تتحمل أعباء مدربين لم يتقدموا بكرة القدم الوطنية إلا إلى الوراء... و تقاضوا مقابل "انجازهم" ملايين الدراهم... في حين يعيش الحاصلون على الشواهد –الإجازة ، الدبلومات و الشواهد العليا – أزمة بطالة حقيقية ...
كما أن المطلع على أحوال الإدارة المغربية يعلم جيدا أنها تعاني من نقص و خصاص شديد في الموظفين و أشير هنا إلى أن عـدد موظفي الدولة التونسية اكبر من عدد موظفي نظيرتها المغربية ... و لعل أهم مظاهر هذا الخصاص يظهر جليا من خلال الاكتظاظ الذي تعرفه أقسام مدارسنا العمومية و من خلال معاناة المواطن الذي يضطر "للسكن" داخل الإدارات من أجل قضاء مصالحه حيث إن الكادر البشري في أغلب الإدارات المغربية غير كاف لتقديم خدمة في المستوى... و مع ذلك فالحكومة مازالت مصرة على حمل شعار "قولوا العام زين" و ترفض الاعتراف بعجزها, وبدلا من توفير الكادر البشري المناسب خرج علينا الوزير الأول بحل غريب عجيب... حيت دعا السيد عباس في منشور صدر مؤخرا، كافة الوزراء إلى السهر على قيام مصالحهم المركزية واللاممركزة، بتحسين علاقتها بالمواطن وحث على تحسين الاستقبال بالإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وكأن المواطن يتجه إلى الإدارة طمعا في ابتسامة...
إن تماطل الحكومة و محاولتها التملص من التزاماتها السابقة - والتي أعطيت باسم ملك البلاد- و نهجها لأساليب مبتكرة حينا و مبتذلة أحيانا لن يزيد ملف الأطر العليا المعطلة إلا تعقيدا فثقة الأطر في الحكومة بلغ مستوى الصفر و محاولات هته الأخيرة لربح الوقت لن يزيد الأعداد إلا ارتفاعا ولن يزيد الأطر إلا تشبثا بمطلبهم و بحقهم الدستوري ولن يدفعهم إلا إلى مزيد من التصعيد في الاحتجاج المشروع و هو ستقابله –على الأغلب- الحكومة بتدخلها و مقاربتها الأمنية المعهودة... الشيء الذي يتعارض جملة و تفصيلا مع مضامين الخطاب الملكي السامي بتاريخ 9 مارس والذي أصبح الأطر يعتبرونه مرجعا للدفاع عن قضيتهم على اعتبار أن هذا الخطاب التاريخي أسس لمغرب جديد... مغرب الحريات و الحقوق... مغرب المساواة و الكرامة... مغرب بدون إقصاء أو تعنيف... و الذي نتمنى صادقين أن يظهر المسئولون فهمهم لمضامينه و أن يقدروا المسئولية التي يتحملونها حق قدرها،..
لكن ما كل يتمناه المرء يدركه.. فالقمع الممنهج الذي طال جميع المحتجين العاطلين في المغرب (الرباط، الداربيضاء، اسفي، خريبكة... ) يظهر بجلاء أن جعبة الحكومة خالية إلا من مختلف أصناف الهراوات و العصي و التي انهالت طيلة الأسبوع الماضي على أجساد أنهكتها البطالة لسنوات مخلفة مئات الجرحى و حالة إجهاض في حصيلة أولية قابلة للارتفاع...
