أخبارنا المغربية
بقلم: إسماعيل الحلوتي
في أول دورة عقدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مطلع الأسبوع الجاري، تحت إشراف رئيسه الجديد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب السابق ووزير التعليم الأسبق، عاد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، للتأكيد مرة أخرى على أنه رغم الجهود المبذولة من أجل إصلاح منظومة التربية والتكوين، فإن النتائج ظلت دون الطموحات والرؤية الاستراتيجية المشتركة، ولم ترق إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، وإعادة الثقة للمواطن في المدرسة العمومية.
ذلك أن الوزير بنموسى كشف عن حقائق جد مقلقة، تتمثل في مجموعة من الاختلالات البنيوية والهيكلية من حيث تواصل تدني مستوى المتعلمين، عدم تحقق التعليم الإلزامي والتزايد السنوي لحالات الانقطاع عن الدراسة وغيره. وهي اختلالات لم تستطع سلسلة الإصلاحات المتوالية والبرامج الوطنية والاستعجالية، وما تم رصده من ميزانيات ضخمة التصدي لها والحيلولة دون تفاقمها. وهو ما يثير مجموعة من علامات الاستفهام حول مدى توفر الإرادة السياسية في محاربة الفساد وتفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فقد أوضح بنموسى أن وزارته قامت مع مطلع الموسم الدراسي الجاري 2022/2023 بعملية تقييم داخلي، شمل 25 ألف تلميذا وتلميذة من مستوى الخامس ابتدائي، أظهرت نتائجه أن نسبة ضئيلة من التلاميذ هم فقط من يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال طور التعليم الابتدائي، وهو ما ينطبق كذلك على تلاميذ الإعدادي، فضلا عن محدودية فرص التفتح وتحقيق الذات من خلال ضعف المشاركة في الأنشطة الموازية وتعلم اللغات. فيما أشار رئيس المجلس المالكي إلى أنه لا ينبغي النظر إلى أي رؤية إصلاحية على أنها ظرفية وعابرة، بل على أساس كونها سيرورة واستمرارية ومستدامة للأجيال القادمة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس لجنة النموذج التنموي الجديد بمثل تلك الأرقام المرعبة، حيث سبق له أن بين خلال إحدى الجلسات بمجلس النواب للرد على الأسئلة الشفوية، بأن نحو 331 ألف تلميذة وتلميذ ينقطعون عن الدراسة كل سنة في مختلف مناطق المملكة، وأن معدل الهدر المدرسي في المراحل التعليمية الثلاثة (ابتدائي، إعدادي وثانوي) في القطاع العام يصل إلى 5,3 في المائة، وأن النسبة ترتفع في العالم القروي إلى 5,9 في المائة، مشددا على أن وزارته اتخذت مجموعة من التدابير لمحاربة الظاهرة، منها تعميم التعليم الأولي الذي يعتبر من بين أهم الوسائل الكفيلة بالحد من الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، مؤكدا على أن هذه الآفة التي ما انفكت تؤرق المسؤولين التربويين، تعد من بين أبرز أوجه الاختلالات التي تعاني منها المنظومة التعليمية ببلادنا، حسب ما أوردته عديد التقارير الرسمية.
وفي لقاء سابق نظمته جمعية خريجي المدرسة الوطنية للطرق والقناطر بفرنسا، وبحضور ثلة من المسيرين لعدد من المؤسسات التعليمية في القطاعين العام والخاص، أفاد وزير التربية الوطنية بأن 13 في المائة فقط من تلاميذ مستوى السنة الخامسة ابتدائي، هم من يجيدون إجراء عملية قسمة برقم واحد، أي أن ما يعادل 87 في المائة يعجزون عن حل عملية حسابية بسيطة، مستندا في ذلك على دراسة حديثة، شملت 30 ألف تلميذ وتلميذة في السنوات: الثالثة والرابعة والخامسة من المستوى الابتدائي. وأضاف بأن "تعميم التعليم الابتدائي مكتسب، لكن يبقى الأهم هو ضمان الجودة ومحاربة الهدر المدرسي"، معتبرا أن إصلاح الوضع القائم، يتوقف على الخروج من المقاربة التقليدية التي تعتمد على رفع ساعات الدروس، ومشيرا إلى أن نسبة مهمة من التلاميذ متأخرون عن زملائهم من نفس المستوى بحوالي أربع سنوات.
وبالعودة إلى ما قدمه الوزير من معطيات صادمة حول التعثر الدراسي والهدر المدرسي، يرى عدد من الخبراء والمهتمين بالشأن التربوي أن الاهتمام المستمر بالنهوض بمنظومة التربية والتكوين لم ينجح في انتشال القطاع من عمق الأزمة التي ظل يتخبط فيها منذ عقود. إذ أنه كلما تضاعفت جهود ومخططات الإصلاح، كلما تراكمت في المقابل الأرقام والحقائق الموجعة، التي تؤكد أننا مازلنا بعيدين عن الإصلاح الحقيقي في ظل انعدام الحس بالمسؤولية وروح المواطنة وغياب الإرادة السياسية. وإلا كيف يمكن تفسير وجود كل هذه الأعداد الهائلة التي يلفظها القطاع سنويا في الشارع قبل استكمال دراستها الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، إضافة إلى عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد المغربية؟
إن أشد ما نخشاه هو أن يتواصل الدوران في الفراغ بلا طائل، حيث لا يمكن لشكيب بنموسى أو غيره أن يدير عجلة الإصلاح بأدوات فاسدة، ساهمت بشكل أو آخر في تدمير المدرسة العمومية. إذ لا يستطيع الوزير نفسه إنكار حجم الفساد الذي عرفته الإدارة المركزية بالوزارة على عدة أصعدة، منها عقد صفقات عمومية مشبوهة وتبديد ميزانيات هامة في البرامج والمخططات الاستعجالية دون حسيب ولا رقيب، وبقاء رؤساء المديريات والأقسام وبعض الأكاديميات في مناصبهم لسنوات طويلة وعلى رأسهم الكاتب العام للوزارة الذي تم تغييره في الأيام الأخيرة.
لقد حان الوقت للقيام بافتحاص حقيقي لوزارة التربية الوطنية يشمل على الأقل العقدين الأخيرين، سواء على المستوى المالي أو التدبيري وطريقة إسناد المسؤوليات، وتنظيم حوار مع الخبراء والمختصين والفاعلين التربويين بمن فيهم العاملون بالمؤسسات التعليمية والمراكز الجهوية والجامعات وغيرهم من المهتمين بقضايا التربية والتكوين، والانفتاح أيضا على فاعلين دوليين في ذات المجال.
عبد الدايم
عين العقل
للأسف الاهمال الذي تعرض له قطاع التعليم منذ تسعينات القرن الماضي أدى إلى تراكمات سلبية و خطيرة . لما حاولت الدولة علاج الوضع الكارثي في مطلع القرن الحالي عبر اصلاحات بمسميات مختلفة لم تنجح. في القرن 21 مازالت مؤسسات في قلب المدينة غيرمرتبطة بشبكة الإنترنت و لا بالهاتف إذ يتناوب الإداريون على موديم انترنت في وضع رديء و إذا غاب رئيس المؤسسة يحمل معه الهاتف المحمول و تبقى المؤسسة بدون وسيلة للتواصل .لا يمكن تحقيق الجودة بمؤسسات تعيش نقصا حادا في الأطر الإدارية . مؤسسات تنعدم فيها الخدمات الاجتماعية المخصصة للتلاميذ .