أزمة "كريدي سويس"..عملية إنقاذ تاريخية لأحد أشهر بنوك العالم

اقتصاد

21/03/2023 10:49:00

أخبارنا المغربية

أزمة "كريدي سويس"..عملية إنقاذ تاريخية لأحد أشهر بنوك العالم

يعد تفويت بنك "كريدي سويس" صفحة درامية من تاريخ النظام المالي السويسري الذي ظل مفخرة وطنية يصدر قيم الثقة والاستقرار والرفاه عبر الحدود، ويعزز جاذبية البلاد كقلب نابض لحركة المال من كل الاتجاهات.

 

تمت عملية الإنقاذ بشكل استعجالي في نهاية أسبوع طافحة بالتوتر والانتظار. صحة المال لا تحتمل عطلة، وكان على المفاوضين التضحية بالحق في النوم والاستجمام يومي السبت والأحد، كي لا تطلع شمس الاثنين بدون حسم مصير البنك المعلق، فتفتح الأسواق المالية أبوابها بلون أحمر يهز العالم، بمفعول دومينو زاحف.

 

صفحة من 167 عاما طويت، حين تم الإعلان عن استحواذ مصرف (يو.بي.اس) على كريدي سويس. الرقم الثاني في تصنيف الأبناك السويسرية أسدل الستار عن قصته التي دشنها رجل أعمال في ذروة الازدهار الصناعي والتجاري للبلاد خلال النصف الثاني من القرن 19. ليس مجرد علامة تجارية إذن، بل مرجعا رمزيا لقصة نجاح واحة حمت نموذجها وأمنت تطوره على مدى عقود متواترة، واجتازت مطبات الحروب والأزمات الاقتصادية الدورية للرأسمالية العالمية.

 

لذلك، قالت وزيرة المالية السويسرية، كارين كيلر سوتر، إن كريدي سويس "أكبر من أن ينهار" وأن انهياره كان سيتسبب في "اضطراب اقتصادي لا يمكن إصلاحه" في سويسرا وفي جميع أنحاء العالم. مواكبة للاندماج الاضطراري، سيقوم البنك الوطني السويسري بتسهيل الصفقة من خلال توفير 100 مليار فرنك (108 مليار دولار) من السيولة للبنكين. ووافقت الحكومة الفدرالية على ضمان ما يصل إلى 9 مليارات فرنك من الخسائر المحتملة لبنك يو بي إس.

 

على مدى أسابيع، بل شهور، كان حضور كريدي سويس في الخبر الاقتصادي الدولي سلسلة من نذر الأفول القادم. من إغلاق 14 فرعا، إلى تكبد خسارة سنوية قياسية (3، 7 مليار فرنك عام 2022)، إلى التوجه نحو طلب قرض ضخم من المصرف الوطني، وإعلان عملية إعادة هيكلة تنطوي على تسريح آلاف العمال، وصولا إلى قضية تسريب بيانات بنكية موضع تحقيق قضائي.. كانت هيئة أركان المالية السويسرية تتوقع الأسوأ وتسعى لتلافيه، بنهاية درامية أقل ألما. وجاء انهيار البنكين الأمريكيين ليخلق حالة توجس أعادت إلى الأذهان أشباح الصدمة المالية المدمرة لـ 2008، وليسرع مسار الإعلان عن وفاة "الرجل المريض".

 

تنفس رواد القطاع المالي والأسواق الصعداء، وصفقوا لعملية الإنقاذ القسرية التي تسمح بتوقع أيام أفضل. من الخزانة الأمريكية إلى البنك المركزي الأوروبي مرورا بعدد من أقوى البنوك المركزية، تواترت بلاغات الترحيب بالعملية. لكن ذلك لم يبدد توقعات المتشائمين حول الضرر البعيد الأمد لهذا الانهيار المغلف في عملية اندماج بنكي. الثقة في الاقتصاد عملة ذهبية، والسويسريون يخشون من أن التردد سيدخل بقوة إلى ذهنية المستثمر الدولي تجاه بنيات النظام المالي المتمركز في شوارع جنيف وزوريخ.

 

تفرز عملية الاستحواذ مؤسسة ضخمة، هي وجه جديد لـ (يو.بي.إس). فإلى 72600 موظف موزعين عبر أنحاء العالم، سينضم 50000 موظف في كريدي سويس، منهم 16000 في سويسرا فقط. صباح الاثنين، يرجح أن أحاديثهم الجانبية تمحورت حول المصير الذي ينتظرهم. ذلك أن التخفيف من الكلفة البشرية الوظيفية سيكون حتما على صدارة الأجندة التسييرية الجديدة. لن تكون الضمانات الشفوية التي قدمتها الحكومة بخصوص استمرارية الوظائف كافية لطمأنة النقابات والبنكيين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا لاختيارات سيئة.

 

في المشهد الحزبي المحلي، لم تقنع لغة الأرقام السوداء الجميع. يكتب مارك ليفينغستون في موقع (سويس. أنفو) أن الأحزاب السياسية ذات التوجهات اليسارية في سويسرا تقود زمام المبادرة الداعية للقيام بالمزيد من الإصلاحات في القطاع المصرفي. وتشمل الاقتراحات المطروحة منح الجهة المسؤولة عن تنظيم وتعديل القطاع المالي مزيدا من التمويل والقدرة على فرض غرامات على البنوك الفاسدة. كما تتداول أيضا المزيد من المطالب الصارمة من أجل تقديم المديرين التنفيذيين للمصارف إلى المحاكم وإيداعهم وراء القضبان إذا ما انتهكوا القواعد المقررة بشكل صارخ.

 

هي المفارقة الصعبة التي تجدد نفسها في نسخ متكررة. يشتد الحنق على مدراء المؤسسات البنكية الذين يغامرون بكل شيء، لكن سويسرا تدين لجانب كبير من رخائها لهذه المغامرات التي تصاحب حركة المال، ولن تكون مستعدة للتفريط في قطب من أقطاب نموها وجاذبيتها.

 

و. م. ع

مجموع المشاهدات: 4378 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟