إلى متى ستستمر لعنة التسقيف في ملاحقة المعطلين المغاربة؟
بقلم: إسماعيل الحلوتي
يحز في النفس كثيرا أن يستمر في التعاقب على تدبير الشأن العام ببلادنا، أشخاص يعتمدون فقط على أمزجتهم أكثر من أي دراسة علمية أو تخطيط مسبق في معالجة عديد القضايا والملفات التي تشغل بال الرأي العام، مما يؤدي ليس فقط إلى الارتباك في اتخاذ القرارات التي تنعكس بالسلب على المواطنين، بل إلى الإجهاز أيضا على أهم المكتسبات الاجتماعية، التي ناضل من أجل تحقيقها شرفاء الوطن.
ويندرج في هذا السياق قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة السابق شكيب بنموسى، القاضي بتحديد السن الأقصى في 30 سنة عند تاريخ إجراء المباراة، بالنسبة للراغبين في ولوج سلك التدريس أو الدعم التربوي والإداري والاجتماعي، بدعوى أنه الإجراء الكفيل بتحسين جودة التعليم وتعزيز المنظومة التربوية، وجذب المترشحات والمترشحين الشباب نحو مهن التدريس والاستثمار الأنجع في التكوين والمسارات المهنية...
وهو القرار الجائر الذي دشن به الوزير السابق بنموسى ولايته في عام 2021، ودخل حيز التطبيق ابتداء من الموسم الدراسي 2022/2023، مما خلف استياء عميقا في أوساط الأسر المغربية، وأثار حفيظة آلاف الشباب من حملة الشهادات العليا، الذين وجدوا أنفسهم فجأة مقصيين من اجتياز مباريات التعليم، التي كانوا يعلقون عليها آمالا كبيرة للخروج من دائرة البطالة، لاسيما في ظل انعدام فرص الشغل في مجالات أخرى سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. حيث من غير المقبول أن يحرم هؤلاء الشباب من حقهم الدستوري في الشغل، علما أن الفصل 31 من الدستور ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة من عدة حقوق، ومنها الحق في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق ...
إذ فضلا عن أنه صدر في عهد حكومة الراحل عبد الرحمان اليوسفي المرسوم رقم: 349.02.2 بتاريخ 27 جمادى الأولى 1423 الموافق ل(7 غشت 2002) الذي يقضي برفع حد السن الأقصى للتوظيف إلى 45 سنة بعد أن كان محددا في 40 سنة بموجب بعض الأنظمة الأساسية الخاصة بموظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية، فيما يتعلق بولوج الأسلاك والأطر والدرجات المرتبة على الأقل في سلم الأجور رقم 10 والأسلاك والأطر والدرجات ذات الترتيب الاستدلالي المماثل.
ورغم أن وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة غيثة مزور، سبق لها أن أكدت في معرض ردها على أسئلة النواب الأمة بخصوص سن التوظيف، خلال إحدى الجلسات العامة بمجلس النواب في السنة الماضية 2024، أن النظام الأساسي الخاص بالوظيفة العمومية يحدد السن الأقصى للتوظيف في الدرجات العليا (السلم 10 وما فوق) عند 45 سنة، وأن القرار لا يزال ساري المفعول حتى اليوم. وأوضحت بخصوص الدرجات الأدنى، أ أن السن الأقصى للالتحاق بالوظيفة هو 40 سنة، مثل التقنيين والمحررين والمساعدين الإداريين، ويمكن تمديد هذا الحد إلى 45 سنة، إذا كان المترشح قد سبق له العمل في الإدارة.
فإن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الحالي محمد سعد برادة، الذي توسم فيه عموم المغاربة وخاصة الشباب المعطلين الخير في إعادة الأمور إلى نصابها وتصحيح القرار غير المنصف، من خلال العودة لمقتضيات القانون المؤطر للوظيفة العمومية، باعتماد 45 سنة كحد أقصى لسن التوظيف بأسلاك التعليم، خاصة أنه سبق له التأكيد خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب في 13 أكتوبر 2025 أن وزارته في طور تقييم قرار تسقيف السن، استجابة لمطالب البرلمان والنقابات التعليمية، متعهدا بمراجعة السن الأقصى واتخاذ القرار المناسب، بيد أنه لم يلبث أن خيب ظن الجميع باستمراره في التمسك بمبدأ التسقيف، ليتبخر حلم إلغاء القرار المشؤوم المتخذ من قبل سلفه بنموسى، دون احترام مقتضيات المرسوم المشار إليه أعلاه، حيث اكتفى فقط برفع الحد الأقصى إلى 35 سنة بدل 30 سنة، أمام الراغبين في الترشح لاجتياز مباريات ولوج سلك تأهيل أطر التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي يرتقب أن تجرى في نهاية الأسبوع ما قبل الأخير من شهر نونبر 2025...
وهو القرار الذي زاد في تأجيج نيران الغضب في أوساط الشباب المعطلين من ذوي الشهادات العليا وأسرهم، وأثار سيلا عارما من الانتقادات الحادة للحكومة على منصات التواصل الاجتماعي، ودفع بلجنة دعم العريضة الموجهة لرئيس الحكومة من أجل إلغاء تسقيف سن التوظيف، إلى إصدار بلاغ يوم الخميس 30 أكتوبر 2025 للتعبير عن استيائها ورفضها القاطع للقرار، معتبرة أنه قرار مجحف، خاصة أنه يتعارض مع الدستور، يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ويعمق الإقصاء الاجتماعي بالنسبة لشريحة عريضة من الشباب المغاربة خريجي الجامعات والمعاهد الوطنية.
إن إصرار الحكومة على التشبث بمبدأ تسقيف سن التوظيف في أسلاك التعليم وغيره من القطاعات، يعد تحد صارخ لقانون الوظيفة العمومية وتغاض واضح عن مقتضيات الدستور، ولن يساهم سوى في مزيد من الاحتقان الاجتماعي وتفاقم معضلة بطالة خريجي الجامعات المغربية، التي فشل التحالف الحكومي الثلاثي في معالجتها، فضلا عن أنه سيحرم ليس فقط فئة واسعة من الشباب من حقهم المشروع في الترقي الاجتماعي وتحسين وضعيتهم الاقتصادية، بل إنه سيحرم أيضا المدرسة العمومية من خبراتهم وما راكموه من معارف من شأنها الارتقاء بالمنظومة التعليمية والرفع من جودة التعلمات...

ابراهيم
التسقيف
ومتى سيتم تسقيف عمر البرلمانين والوزراء