حقوقيون: "أزمة عرض تربوي بمراكش وآلاف الأطفال يقصون من حقهم في تعليم جيد"

حقوقيون: "أزمة عرض تربوي بمراكش وآلاف الأطفال يقصون من حقهم في تعليم جيد"

أخبارنا المغربية - مراكش

في تقريره السنوي الخاص بالدخول المدرسي الأخير (2025/2026)، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش أن العرض التربوي بمديرية مراكش يشهد اختلالات بنيوية عميقة. وتتجلى هذه الاختلالات، حسب التقرير، في استمرار إغلاق عدد من المؤسسات التعليمية التي كان من المفترض أن تعزز الطاقة الاستيعابية، تخفف الاكتظاظ، وتساهم في تقليص نسب الهدر المدرسي، خاصة في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق القروية والهشة.

وأبرز التقرير الثانوية التأهيلية توبقال بدوار إزيكي، التي انطلقت أشغال بنائها يوم السبت 5 يونيو 2021 على عقار مساحته 12.543 متر مربع، وبغلاف مالي يناهز 11.851.140 درهم خصصه مجلس عمالة مراكش. وكان من المفترض أن تفتح أبوابها خلال الموسم الدراسي 2023/2024، أي منذ أكثر من سنتين، إلا أن المشروع عرف تعثرات متكررة بسبب مرور قناة للصرف الصحي وسط العقار، ما استدعى تدخل المديرية الإقليمية وإيداع ملف تقني لدى الجهات المختصة، بعد ضغط متواصل من الجمعية.

وقد أدى هذا التأخير إلى حرمان التلميذات والتلاميذ من الاستفادة من المؤسسة، واضطرهم إلى التنقل نحو مؤسسات بعيدة، ما زاد الضغط على ثانويات صلاح الدين، الزرقطوني، ابن تومرت، وسيدي عبد الرحمان، التي تعاني أصلاً من اكتظاظ غير مسبوق، حيث تجاوز عدد التلاميذ في بعض الأقسام 46 تلميذاً، ما يعيق جودة التعلمات ويؤثر على السير التربوي العادي.

وبالإضافة إلى الثانوية التأهيلية توبقال، لا تزال الثانوية التأهيلية أحمد بن حنبل في طور البناء بجماعة سيد الزوين، بعدما انطلقت أشغالها سنة 2024. ويشير التقرير إلى أن هذه المؤسسة كان يُعول عليها لتغطية الخصاص الحاد في العرض التربوي بالمنطقة، لكنها لم تدرج بعد ضمن خريطة التمدرس، ما يفاقم معاناة التلاميذ ويكرس التفاوتات المجالية.

أما الثانوية التأهيلية أنوال بالمسيرة الثالثة، فرغم افتتاحها، فإنها لم تحقق الغرض المرجو منها في تخفيف الضغط على المؤسسات المجاورة، بسبب مشاكل بنيوية في الربط بالماء والكهرباء والإنترنت وضعف التجهيزات، ما جعلها غير قادرة على استيعاب العدد المتوقع من التلاميذ، وأثر على جودة الخدمات التربوية المقدمة بها. كما أن مؤسسات أخرى في جماعات مثل السويهلة وسيدي يوسف بن علي لا تزال خارج الخدمة أو تعمل بوحدات مفككة، ما يفاقم الهدر المدرسي ويضعف العرض التربوي في هذه المناطق ويهدد صحة المتعلمين والأطر العاملة.

ويرتبط هذا الوضع بشكل مباشر بالشق التعليمي من مشروع "مراكش حاضرة متجددة"، الذي أُعلن عنه سنة 2014 بميزانية تفوق 6.3 مليار درهم، وكان من المفترض أن ينجز 42 مؤسسة تعليمية جديدة، لكن لم يتم إنجاز سوى 12 فقط. ويشير التقرير إلى أن هذا التعثر لا يعود فقط إلى ضعف التخطيط، بل يشمل شبهات فساد وتبديد للمال العام، وغياب آليات المراقبة والمساءلة، حيث تم تفويت عقارات مخصصة للتعليم في ظروف اعتبرها غير شفافة، وتأخر إنجاز المشاريع أو توقفت في مراحلها الأولى، بما في ذلك المدارس الجماعاتية مثل تامنصورت.

وقد انعكس هذا الفشل مباشرة على عمليتي التوجيه وإعادة التوجيه، إذ لم يتمكن عدد كبير من التلاميذ من الالتحاق بالشعب والمسالك التي يرغبون فيها، خاصة في الشعب العلمية والتقنية، ما جعل التوجيه إجراء شكلياً لا يعكس طموحات المتعلمين ويزيد من معاناة الأسر في البحث عن بدائل غير متاحة. ويخلص التقرير إلى أن العرض التربوي بمديرية مراكش، في ظل هذه المعطيات، لا يستجيب لمتطلبات الإنصاف وتكافؤ الفرص، ويستدعي مراجعة جذرية للسياسات التعليمية المحلية، وتسريع وتيرة إنجاز المؤسسات المبرمجة، وتفعيل المغلقة منها، لضمان حق التلاميذ في تعليم جيد ومتعدد ومتاح للجميع، بعيداً عن التراكمات التقنية والبيروقراطية التي عطلت مشاريع كان من شأنها أن تغير وجه التعليم بالمدينة.

وبخصوص معطيات التمدرس الديمغرافية، أشار التقرير إلى استمرار تفاوتات بنيوية صارخة في نسب التمدرس بعمالة مراكش. ففي الفئة العمرية من 6 إلى 11 سنة، ورغم أن المعدل الوطني للتمدرس بلغ 95.8%، فإن هذا الرقم يخفي تفاوتاً حاداً بين الوسطين الحضري والقروي، حيث لا تتجاوز نسبة التمدرس الأولي للأطفال بين 4 و5 سنوات 56.9% في الوسط القروي مقابل 66.8% في الوسط الحضري. ويترجم هذا التفاوت ميدانياً في جماعات مثل السويهلة، أكفاي، سيد الزوين، أولاد دليم وسعادة، حيث تكاد تغيب مؤسسات التعليم الأولي، وتفتقر الوحدات المدرسية إلى الحد الأدنى من البنايات والتجهيزات والولوجيات، ما يؤدي إلى إقصاء مبكر للأطفال من الحق في التمدرس ويؤسس لهدر مدرسي بنيوي منذ السنوات الأولى.

أما على مستوى الجنس، فعلى الرغم من ارتفاع معدل تمدرس الفتيات القرويات إلى 95.1%، فإن هذا التحسن يبقى شكلياً، إذ سرعان ما يتراجع عند الانتقال إلى المستويات الإعدادية والثانوية، حيث تتفاقم نسب الانقطاع في صفوف الفتيات بسبب غياب النقل المدرسي، وانعدام المرافق الصحية داخل المؤسسات، وغياب مراكز مؤهلة للاستماع، وغياب مؤسسات تعليمية قريبة وآمنة. وفي جماعات مثل حربيل، تسلطانت، أولاد دليم، السويهلة وسعادة، لا تزال الفتيات القرويات يواجهن عراقيل يومية تحول دون استكمال مسارهن الدراسي، في ظل غياب إرادة حقيقية لتوفير شروط التمدرس الكريم.

ويخلص التقرير إلى أن الأرقام، وإن بدت إيجابية ظاهرياً، تخفي واقعاً تعليمياً هشاً، حيث يُحرم آلاف الأطفال بمراكش يومياً من حقهم في تعليم جيد بسبب ضعف البنية التحتية، غياب النقل المدرسي، وانعدام المرافق الصحية، ما يجعل المدرسة فضاءً طارداً بدل أن تكون حاضنة للكرامة والحق في التعلم.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات