مشاركة "صحراويون من أجل السلام" في مؤتمر الأممية الاشتراكية تفجّر نقاشاً تاريخياً حول أسطورة "الشعب الصحراوي"

مشاركة "صحراويون من أجل السلام" في مؤتمر الأممية الاشتراكية تفجّر نقاشاً تاريخياً حول أسطورة "الشعب الصحراوي"

أخبارنا المغربية – عبد الإله بوسحابة

شكلت مشاركة حركة "صحراويون من أجل السلام" في اجتماع مجلس الأممية الاشتراكية في مالطا حدثاً سياسياً لافتاً أعاد ترتيب النقاش حول القضية الصحراوية على نحو غير مسبوق. فقد حضر وفدان صحراويان، أحدهما يمثل جبهة البوليساريو والآخر يمثل الحركة سالفة الذكر، في مشهد كشف عن تعدد الأصوات وتراجع احتكار التمثيل الذي بنت عليه الجزائر والبوليساريو سرديتهما طوال خمسة عقود. 

غير أن هذا التطور، الذي يراه مراقبون اختراقاً دبلوماسياً مهماً، سرعان ما قاد إلى نقاشين متوازيين: الأول يتصل ببنية المفاهيم التي تحكم الخطاب السياسي في المنطقة كما كشفها المستشار الأممي السابق سمير بنيس، والثاني يتعلق بالبعد الإنساني العميق الذي سجله السكرتير الأول لحركة "صحراويون من أجل السلام"، الحاج أحمد باريكلي، حول طبيعة الثقافة السياسية داخل البوليساريو.

في تحليله المفاهيمي، أشار "بنيس" عبر تدوينة مطولة نشرها عبر حسابه الفيسبوكي الخاص إلى أن استعمال بعض مكونات الحركة لعبارة "الشعب الصحراوي" يطرح إشكالاً بنيوياً، لأنه يعيد إنتاج خطاب استعمار إسباني قديم حول وجود شعب مستقل عن محيطه المغربي، وهو المفهوم الذي روّجت له مدريد منذ عام 1966 بهدف "إعطاء الانطباع للعالم الخارجي أن سكان الصحراء يختلفون إثنياً وقبلياً واجتماعياً عن باقي مكونات الشعب المغربي، ومن ثم بطلان المطالب المغربية بخصوص السيادة على الصحراء". وتابع ذات المتحدث قائلا: "من خلال استعمالها لهذه العبارة (الشعب الصحراوي)، فإنها تعيد تدوير وإنتاج الخطاب النيوكولونيالي الإسباني الذي تبنته الجزائر…".

ولإبراز هشاشة هذا التصور، يطرح "بنيس" تساؤلات عدة تقوّض الفكرة من أساسها، حيث قال في هذا الصدد: "بأي منطق ينتمي الركيبي المتواجد في العيون والسمارة لشعب مغاير للركيبي المتواجد في طانطان وطرفاية؟ وبأي منطق ينتمي بعض عروش ركيبات الشرق في الساقية الحمراء لشعب مغاير لأبناء عمومتهم… في تندوف؟".

كما استشهد "بنيس" بتصريح الدبلوماسي الإسباني "أدولفو مارتين غاميرو" الذي أكد سنة 1978 أن إسبانيا حوّلت "الصحراء" من مفهوم جغرافي واسع إلى مفهوم سياسي ضيق يخدم استراتيجيتها الاستعمارية، حيث قال آنذاك: "لقد تم تحويل الصحراء من مفهوم جغرافي إلى مفهوم سياسي يقتصر على ساكنة الساقية الحمراء ووادي الذهب…". هذه الشهادة تكشف، في نظر بنيس، أن مصطلح "الشعب الصحراوي" ليس سوى نتاج عملية هندسة استعمارية استُخدمت لإنتاج قطيعة مصطنعة بين سكان المنطقة وامتدادهم التاريخي داخل المغرب.

وفي مقابل هذا التحليل، جاءت رسالة "الحاج أحمد باريكلي" لتضع بين أيدي الرأي العام وصفاً حياً لنوعية الثقافة الأخلاقية والسياسية التي تحكم البوليساريو من الداخل. وفي هذا السياق، نشر تدوينة عبر الصفحة الرسمية للحركة، أشار من خلالها إلى إن اجتماع مالطا كشف "تأملات مُرّة، مزعجة، لكنها لا مفر منها" بشأن سلوكيات أصبحت جزءاً من بنية التنظيم، حيث تنهار الصداقات والروابط العائلية بمجرد اختلاف بسيط في الرأي. ويصف "باريكلي" هذا المشهد بدقة صادمة، حيث قال: "الإنسانية تتطوّر، والناس تتغيّر، لكن في العالم الذهني للبوليساريو يتحول هذا الفعل البسيط من النمو الشخصي إلى إساءة لا تُغتفر… توجد خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وعقائد تعمل كالجدران، ومن يجرؤ على تخطيها يدخل تلقائيًا المنطقة الملعونة في أخلاقهم النضالية".

كما يشير "باريكلي" أيضا إلى مفارقة عبثية تكشف درجة التشدد العقائدي داخل الجبهة، حيث قال في هذا الصدد: "اعتناق ديانة أخرى قد يُفسَّر كضياع، أما التخلي عن الأيديولوجيا الرسمية فهو خيانة وجودية… التوقف عن التفكير مثلهم خطيئة أعظم من التخلّي عن الله".

ومن هنا يعتبر ذات المتحدث أن البوليساريو بنت منظومة تعتبر الولاء السياسي أعلى من كل الروابط الإنسانية، بحيث يصبح الاختلاف "جريمة أخلاقية" تستوجب العزل والنفي الاجتماعي. ويضيف: "هناك ممارسات داخل البوليساريو لا يجرؤ حتى أكثر التيارات التوتاليتارية صرامة على تبنيها… ففي البوليساريو، الاختلاف لا يبتعد فقط، بل يدمّر ويلتهم ويلوث أي رابط مهما كان متيناً".

هذه المفارقة تبلغ ذروتها حين يتحدث "باريكلي" عن استعداد وفد البوليساريو للحديث مع الوفد المغربي، بينما يعتبر توجيه "صباح الخير" لرفاق الأمس هرطقة تستوجب الإدانة. وفي هذا الصدد، يقول: "الوفد نفسه يسمح لنفسه بالسلام والحديث مع الوفد المغربي ــ العدو التاريخي المفترض ــ لكن تبادل عبارة صباح الخير مع رفاق الأمس يدخل في دائرة أسوأ أنواع الهرطقة".

هذا التوصيف الإنساني العميق يكشف جانباً من الأزمة البنيوية التي يتحدث عنها "بنيس" من زاوية أخرى. فالحركة التي تعيد إنتاج المفاهيم الاستعمارية لتبرير وجود "شعب" منفصل هي نفسها الحركة التي تنتج داخلياً أخلاقاً سياسية لا تقبل التعدد ولا تسمح بالتطور. كلا الخطين، المفاهيمي والإنساني، يكشفان أن الأزمة التي يعيشها المشروع الانفصالي ليست فقط أزمة مشروعية تاريخية، بل هي أيضاً أزمة بنية نفسية وأخلاقية تجعل الاختلاف مستحيلاً، والنقد خطراً، والتفكير المستقل تهديداً وجودياً.

وفي النهاية، تتقاطع رسالة الحركتين (تحليل بنيس المفاهيمي وشهادة باريكلي الإنسانية) لتقول إن الطريق إلى حل النزاع لا يمر فقط عبر تصحيح المفاهيم التي زرعها الاستعمار، بل أيضاً عبر تحرير الإنسان الصحراوي نفسه من منطق "الطاعة العقائدية" الذي حكم البوليساريو لعقود، تماما كما أكد ذلك "باريكلي" في نهاية رسالته التي قال فيها: "كان يفترض أن تكون الحياة أبسط وأكثر إنسانية من أي عقيدة، فالبشر سيرحلون، وكذلك الإيديولوجيات التي تبدو اليوم راسخة، وما سيبقى هو الأثر الإنساني لكل فرد".


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

مواطن مغربي

الاسترزاق

كلهم ممتلون بارعون المغرب الحمد لله عندو الناس اللي يموتو اعليه بدون مقابل مستعدون للتضحية وبدون استرزاق كلهم يتمنون استمرار المشكل على هاد الحال لانهم يسترزقون ويتسولون على حساب محتجزين وهي جريمة نكراء يحبون ان تستمر النفقة فالمغرب في صحراءه الى يوم يبعثون

2025/12/01 - 11:38
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات