مزراري يشخص لـ"أخبارنا" دلالات إعلان استقلال "القبايل" عن الجزائر ويحذر من حماقات "الكابرانات" على استقرار المنطقة
أخبارنا المغربية - عبد الإله بوسحابة
كما هو معلوم، أعلنت حركة تقرير مصير القبائل، المعروفة اختصار بـ"الماك"، الأحد المنصرم 14 دجنبر 2025، عن استقلال منطقة القبائل عن الدولة الجزائرية في خطوة غير مسبوقة أعادت إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية في المشهد الجزائري.
جاء هذا الإعلان على لسان زعيم الحركة، "فرحات مهني"، خلال تجمع احتضنه قصر المؤتمرات بالعاصمة الفرنسية باريس، بحضور شخصيات سياسية وثقافية وفنية من القبائل، أكد خلاله "مهني" أن "القبايل لم تكن ولن تكون جزائرية"، مشددا على أن الحركة تتوفر على وثائق تاريخية تثبت "استيلاء النظام الجزائري على أراضي القبائل مباشرة بعد الاستقلال"، في سياق ما وصفه بإرث الدولة ما بعد الاستعمار.
في مقابل ذلك، لقي الإعلان رفضا رسميا من السلطات الجزائرية، التي شنت حملة إعلامية واسعة ضد فرنسا، وفرضت رفع الأعلام الوطنية بالقوة في مختلف المدن، في محاولة لتأكيد الوحدة الوطنية، بينما يرى مراقبون أن هذه الإجراءات تكشف عن تصدع داخلي متزايد وتعكس القلق داخل دوائر القرار، خاصة في ظل تناقض الخطاب الجزائري الذي طالما دعم الحركات الانفصالية خارج حدود البلاد، وعلى رأسها جبهة البوليساريو ضد المغرب.
ولمعرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، كان لموقع "أخبارنا" حديث خاص مع الكاتب الصحفي والخبير في الشؤون الجيوسياسية، الدكتور "عبد الهادي مزراري"، أوضح من خلاله أن إعلان حركة تقرير مصير القبائل استقلال المنطقة عن الجزائر لا يمكن التعامل معه كحدث معزول أو مجرد خطوة رمزية بلا أثر، بل يمثل، حسب تعبيره، "مؤشرا خطيرا على تصدع عميق داخل بنية الدولة الجزائرية، وعلى فشل تاريخي للنظام في إدارة التنوع السياسي والثقافي و الهوياتي داخل البلاد".
وأضاف "مزراري" موضحا أن "النظام الجزائري وجد نفسه اليوم أسير الخطاب الذي صدّره إلى الخارج لعقود، والقائم على الترويج لحق تقرير المصير كأداة سياسية للضغط الإقليمي"، مشددا على أن "هذا الخطاب، الذي استُخدم بشكل مكثف ضد المغرب عبر دعم جبهة البوليساريو، ارتدّ اليوم إلى الداخل الجزائري بشكل لم يكن في الحسبان". كما أوضح ذات المتحدث أن "أخطر ما في إعلان حركة ماك لا يكمن في غياب الاعتراف الدولي في المرحلة الراهنة، بل في التوقيت والسياق الدولي الذي جاء فيه، حيث يشهد العالم تحولات جيوسياسية كبرى، تعيد رسم خرائط النفوذ، وتمنح الحركات الانفصالية قدرة أكبر على التسويق لقضاياها داخل الدوائر الغربية، خاصة عندما تتقاطع مع خطاب حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها".
إلى جانب ذلك، أشار "مزراري" إلى أن "النظام الجزائري أخطأ استراتيجيا حين اعتقد أن بإمكانه الاستمرار في دعم حركات انفصالية خارج حدوده، دون أن يفتح ذلك الباب أمام مطالب مماثلة في الداخل"، معتبرا أن "القبائل اليوم تستثمر، بذكاء، التناقض الصارخ بين الخطاب الجزائري المعلن والممارسة الفعلية على الأرض". وأكد أن "التعامل الأمني وحده مع هذا الملف لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة"، محذرا من أن "فرض الشعارات الوطنية بالقوة، وتشديد القبضة الأمنية، قد يعطي نتائج عكسية، ويغذي الإحساس بالتهميش والاغتراب السياسي لدى فئات واسعة من المجتمع".
كما أشار الخبير المغربي أيضا إلى أن "الضغوط الدولية المتراكمة على الجزائر، سواء بسبب القرار الأممي 2797 المتعلق بنزاع الصحراء، أو بسبب تدهور علاقاتها مع فرنسا وإسبانيا ودول الساحل، تجعل هامش المناورة أمام النظام ضيقا للغاية"، مضيفا أن "المرحلة الحالية تتطلب مراجعة شاملة للسياسات الداخلية والخارجية، وليس الهروب إلى الأمام عبر خلق أعداء خارجيين".
وختم "مزراري" تصريحه لـ"أخبارنا" بالتأكيد على أن "إعلان استقلال القبايل، سواء نجح أو فشل على المدى القريب، سيبقى نقطة تحول في التاريخ السياسي الجزائري المعاصر"، محذرا من أن "أي تجاهل جدي لأبعاده السياسية والقانونية والرمزية، قد يدفع البلاد نحو سيناريوهات عدم استقرار، لا تقل خطورة عن تلك التي عرفتها دول انهارت من الداخل بسبب إنكار أزماتها البنيوية".
