بعد سنة من الاضطرابات..متى تنفرج أزمة الريف؟

بعد سنة من الاضطرابات..متى تنفرج أزمة الريف؟

أخبارنا المغربية

بقلم: اسماعيل الحلوتي

مضى أزيد من ثلاثة شهور عن انعقاد المجلس الوزاري برئاسة الملك يوم 25 يونيو 2017 بالبيضاء، الذي عبر فيه عن استيائه من عدم تنفيذ مشاريع البرنامج التنموي الكبير "الحسيمة منارة المتوسط"، وأصدر خلاله تعليمات صارمة لوزيري الداخلية والمالية عبد الوافي لفتيت ومحمد بوسعيد، قصد قيام مفتشيتيهما العامتين بما يلزم من أبحاث وتحريات، تحديد المسؤوليات ورفع تقرير عاجل. ومرت كذلك عدة مناسبات وطنية ودينية، فيما ظل المغاربة عامة وعائلات معتقلي حراك الريف خاصة، يتلهفون إلى صدور عفو ملكي وإطلاق سراح أبنائهم، أكثر من الإفراج عن التقرير إياه.

ذلك أن أزمة الريف ذات جذور عميقة، إذ مازال الريفيون يشعرون منذ الاستقلال بالإقصاء والتهميش وعدم الاستفادة من خيرات البلاد، يواجهون البحر والهجرة والتهريب وتجارة المخدرات. وهي أكبر من أن تنهيها خلاصات وتوضيحات تقرير صوري، ولا حرمان وزراء من عطلتهم السنوية، ولا معاقبة المقصرين في إنجاز هذه المشاريع ذات الكلفة الباهظة، التي لو أن الأشغال انطلقت في حينها، ما كان للحراك الشعبي أن يأتي بكل ذلك الزخم من التعبئة والاحتجاجات، وبلوغ المسيرات والتظاهرات حد العنف المتبادل بين القوى الأمنية والمحتجين، وما ترتب عن ذلك من إصابات بليغة في الجهتين واعتقالات واسعة في صفوف نشطاء "الحراك".

فالمغاربة اليوم لا يراهنون على ذلك التقرير التقني، لسبب بسيط هو أن نتائجه لن تفيدهم في شيء، حيث أن لهم ذكريات سيئة مع عديد اللجن، وخاصة التي يعهد إليها بتقصي حقائق ما يحدث من تجاوزات وانتهاكات... لأن غالبيتها غير ذات فاعلية في إنصاف المتضررين ومؤاخذة المتورطين، وتشكلت فقط لامتصاص الغضب الشعبي وذر الرماد في العيون. ولنا في هذا الصدد الكثير من الأمثلة، نذكر منها: اللجنة البرلمانية للبحث في ظروف تسرب مواد امتحانات البكالوريا خلال دورة ماي 1979، التي استغرقت حوالي 60 ساعة في الاستماع إلى 62 شاهدا، وانتهت بعد مرور خمسة أيام إلى رأيين متضاربين: أحدهما يدعي عدم وجود أي تسرب، وأن المسألة لا تعدو أن تكون أعمال غش عادية. والآخر يقر بوجوده مع اختلاف في تحديد مداه ! وهناك أيضا لجنة تتعلق بأحداث فاس الدامية على إثر الإضراب العام في 1991، وثالثة عن تجارة المخدرات وزراعة الكيف بمنطقة الريف في 1995، ورابعة عن أحداث سيدي إفني عام 2008، التي استخدمت فيها الهراوات والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، ومداهمة البيوت وتكسير أبوابها وترهيب المواطنين، ثم تلك المرتبطة بأحداث مخيم إكديم إزيك سنة 2011 وأعمال العنف والشغب التي شهدتها مدينة العيون، وآخرها في 2016 عن إفلاس صناديق التقاعد... دون أن تكون لذلك أدنى أثر إيجابي للحد من الخروقات والانتهاكات. كما كانت هناك دعوات لتشكيل لجن عاجلة بدون جدوى، منها من طالبت بالبث في سوء تدبير الملك العمومي، لما عرفه من تجاوزات همت تفويت العقار العمومي والأحباس وأراضي الجموع دون مناقصة شفافة، مما فوت على الدولة الملايير كان من شأنها تقليص نسبة عطالة حملة الشهادات العليا.

وفضلا عما سلف، لم يكن تعثر تنفيذ البرنامج التنموي الضخم سببا مباشرا في اشتعال أزمة الريف، بل كانت الشرارة الأولى هي المصرع الرهيب للسماك محسن فكري، الذي هز مشاعر المغاربة في أواخر شهر أكتوبر 2016 بالحسيمة، انطلقت على إثره احتجاجات عفوية للتنديد بالجريمة النكراء والمطالبة بمحاسبة الجناة. وفي تطور لافت، لم يعد الأمر مقتصرا فقط على فتح تحقيق وتقديم المتورطين للمحاكمة، بل أصبحت المطالب ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية لا تختلف كثيرا عما ينادي به سائر أبناء الشعب، من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، لتتوالى المسيرات والوقفات الاحتجاجية في أجواء يسودها القلق والتوتر دون أن يلقى صوت المتظاهرين الآذان الصاغية، في غياب تام للأحزاب السياسية والنقابات والمنتخبين القادرين على رفع هموم وقضايا الساكنة للجهات المعنية والدفاع عنها.

فعلى مدى أزيد من ستة شهور من الاحتجاج السلمي والحضاري، الذي أبهر العالم بنضج وانضباط المتظاهرين وإبداعاتهم النضالية، وفي وقت كان الكثيرون ينتظرون التجاوب الفعلي مع ملفهم المطلبي، والتعامل معه برصانة في إطار مقاربة تنموية شاملة، تقوم على روح المواطنة والرغبة الصادقة في إنهاء مسلسل الاستياء والتذمر، انشغلت السلطات بالمقاربة الأمنية عبر منع التظاهرات وتفريق المحتجين بشتى السبل والوسائل، وزاد من تأجيج الغليان محاولة تأليب الرأي العام ضد النشطاء واتهامهم بالانفصال والعمالة لزعزعة الاستقرار، فكان أن عرفت الأزمة منعطفا خطيرا. ورغم أن رئيس الحكومة العثماني عاد للاعتراف بمشروعية المطالب، فقد تضاعف منسوب الاحتقان، لتتواصل الاعتقالات والمحاكمات ومعارك الأمعاء الخاوية داخل السجون، حيث يوجد أكثر من300 سجين... فأين نحن من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟

قد يطول الحديث ويتشعب عن أزمة الريف وما رافقها من أخطاء من قبل السلطات والمحتجين، ومن لدن الهيئات السياسية والنقابات والمجتمع المدني والمنتخبين والإعلام... وبصرف النظر عن ذلك، تقتضي الحكمة خلق أجواء من التوافق والمصالحة ونبذ كل أساليب العنف والكراهية، وتكثيف الجهود في اتجاه حلحلة الوضع القائم وإعادة الثقة للنفوس اليائسة، بإطلاق حوار جدي وهادف مع كل المعنيين، الإفراج عن الموقوفين والالتزام بالتوزيع العادل للثروات، وتكريس الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وربط المسؤولية بالمحاسبة...فنحن نرفض الدعوة إلى التفرقة بين مكونات الشعب، وأحوج ما نكون إلى الحفاظ على وحدة الوطن واحترام هيبة الدولة، وحماية حقوق ومكتسبات المواطنين.


عدد التعليقات (3 تعليق)

1

محمد

الأزمة انفجرت بقي أزمة الضمير وأزمة النفس لمن كان يحاول الذهاب بعيدا والزج بالبلاد في الفتنة فتحية للشعب المغربي الذي ادرك المرامي الحقيقية لمن كان يختبئ وراء مطالب اجتماعية محضة للتصعيد واستغلال حادث المرحوم فكري لتنفيذ مخططات يسعى من وراءها عملاء وخونة تسخير بعض شباب الحسيمة لإشعال فتيل الفتنة والتفرقة بين المغاربة لكن العقل والتبصر حالا دون ذلك الآن وقد هدأت الأمور على الدولة مواكبة ما وعدت به الساكنة وإشراك الفاعلين المحليين من الشباب للنهوض بالمشاريع وتنمية مختلف القطاعات لتمكين الشباب من فرص العمل وإنشاء المقاولات وتكوين اليد العاملة المتخصصة في مجال الصيد البحري والفلاحة و تشجيع الاستثمار في المجال السياحي لاستغلال الإمكانيات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها منطقة الريف الرائعة وشبابها الطموح والجاد كما هو معمول به في باقي ربوع المملكة ونأمل أن يقفل هذا الملف بإطلاق سراح من تورط في أحداث الحسيمة خاصة اولائك من لم يثبث تورطهم في جريمة الخيانة والعمالة مع جهات داخلية كانت أو خارجية فالوطن غفور رحيم إذا أقر المخطئ بذنبه.

2017/10/09 - 10:23
2

مطالب حراك الريف مطالب مشروعة فهي مطالب باقي الشعب المغربي و التهميش و اﻹهمال التي تعاني منها الحسيمة و المنطقة نفس اﻷمر يتعلق ببعض المدن و باقي المناطق ، الى هنا اﻷمر عادي . اما ما ليس هو عادي ان تخرج مسيرات احتجاجية باعلام غريبة على اغلبية الشعب المغربي و بهتافات بشعارات تهين المغاربة و تحط بكرامة المغرب و وحدته فلن يسكت المواطن المغربي عن هذا . فاني اتحدى و من هذا المنبر ان يخرج منظمي و قادة ما يسمى بحراك الحسيمة الذين ما فتؤوا يتملصون عن الحديث عن اعلامهم و شعاراتهم اﻹستفزازية ، اتحداهم ان يخرجوا في مسيرات باعلام وطنية و شعارات معقولة و موضوعية و بصور عاهل البلاد وهكذا سيبرهنون للعالم و ليس للشعب فحسب ان الحراك وطني و متشبت بوحدة الوطن من طنجة الى لكويرة تحت رعاية جلالة الملك و هكذا كذلك سيقطعون الطريق لكل من سولت له نفسه ان يركب على مطالب المغاربة ﻹثارة الفتنة و خلق الفوضى و الشغب سواءا من داخل المغرب او خارجه. ← [ فاﻷيام او اﻷسابيع القادمة كفيلة باستيبان النوايا ] فاذا حدث شيء مما سبق ذكره يمكن ان ننظم مسيرة مليونية سلمية من جميع مكونات الشعب و من مختلف فئاته باﻷقاليم للمطالبة بالغاء كل التهم و باطلاق سراح معتقلي حراك الحسيمة و مناطقها ← [ فاﻷيام او اﻷسابيع القادمة كفيلة باسيبان النوايا ]

2017/10/09 - 10:37
3

مواطن

متى تنفرج أزمة مع الشعب كله؟؟؟

2017/10/09 - 01:15
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات