من الصخيرات إلى العالمية.. رؤية ملكية سديدة حولت المغرب إلى قوة كروية تنافس على كل البطولات القارية والدولية

من الصخيرات إلى العالمية.. رؤية ملكية سديدة حولت المغرب إلى قوة كروية تنافس على كل البطولات القارية والدولية

أخبارنا المغربية ـــ عبدالإله بوسحابة

منذ انعقاد المناظرة الوطنية حول الرياضة في الصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر 2008، دخلت كرة القدم المغربية مرحلة جديدة من التخطيط والنهضة، إذ أطلقت المناظرة رؤية ملكية واضحة وشاملة للنهوض بهذه اللعبة التي تمثل شغف الملايين. ومن تلك المناظرة انطلقت أولى الخطوات العملية لبناء منظومة كروية متكاملة ترتكز على التكوين، البنية التحتية، الإعداد الاحترافي للمواهب، وتكوين الأطر البشرية من لاعبين ومدربين وإداريين، ضمن استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى وضع المغرب بين الدول الرائدة عالميا في كرة القدم.

وقد تجلت هذه الرؤية في إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عام 2009/2010 بمدينة سلا، على مساحة تقارب 17 هكتاراً، تضم نحو عشرة ملاعب ومرافق متعددة للتدريب والتعليم والطب الرياضي والإقامة والتغذية. الأكاديمية تعمل على اكتشاف المواهب منذ سن مبكرة وتكوينها بشكل متكامل، وقد تخرجت منها أجيال من اللاعبين الذين أصبحوا أسماء بارزة في المنتخبات الوطنية والأندية الأوروبية، مثل يوسف النصيري، عز الدين أوناحي، نايف أكرد..، كما لعب العديد من خريجي الأكاديمية دوراً محورياً في فوز المنتخب الوطني للشباب بكأس العالم تحت 20 سنة عام 2025.

واستكمالاً لهذا المشروع، أُحدث مركز محمد السادس لكرة القدم بالمعمورة عام 2019 ليكون المركز الرئيسي لإعداد المنتخبات الوطنية المختلفة. ويضم المركز تجهيزات متطورة من ملاعب متعددة، صالات رياضية، مسبح أولمبي، مراكز تأهيل بدني وطبي، وفندق مجهز يوفر للاعبين بيئة احترافية كاملة تضمن أفضل إعداد للمنافسات الكبرى. وقد ساهم المركز في رفع مستوى الأداء الفني للمنتخبات على مختلف الأصعدة.

وقد تجلت نتائج هذه الرؤية الملكية على أرض الواقع في إنجازات غير مسبوقة للمنتخبات المغربية. فبالإضافة إلى الوصول التاريخي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر، الذي جعل المغرب أول فريق عربي وإفريقي يصل إلى هذا الدور، حقق المنتخب الوطني للشباب تحت 20 سنة يوم 19 أكتوبر 2025 بطولة العالم بفوزه على الأرجنتين 2‑0 في النهائي، وهو إنجاز تاريخي يؤكد نجاح منظومة التكوين الوطنية ويبرز المغرب كقوة صاعدة على الساحة الكروية العالمية.

ولم يقتصر الاهتمام على المنتخب الأول وفئة الشباب، بل شمل جميع الفئات، بما فيها الفرق النسوية والفئات الصغرى، التي حققت نتائج مشرفة على الصعيدين القاري والدولي؛ فقد توج المنتخب الوطني للشباب تحت 20 سنة بكأس العالم في تشيلي 2025، وحصد منتخب أقل من 17 سنة لقب كأس إفريقيا لنفس الفئة وحقق نتائج قوية في نهائيات كأس العالم، بينما أظهرت المنتخبات النسوية حضورًا لافتًا بتأهلها لأول مرة إلى نهائيات كأس العالم 2023 وبلوغها نهائيات كأس أمم إفريقيا 2024، كما حققت الفئات العمرية النسوية مثل أقل من 20 وأقل من 17 سنة انتصارات كبيرة في البطولات الإقليمية والدولية، مما يعكس نجاح المنظومة الكروية المغربية في تطوير المواهب منذ الصغر لكل من الإناث والذكور وضمان استمرارية التفوق على الصعيد القاري والعالمي.

في سياق متصل، أولت المبادرة الملكية عناية كبيرة بتكوين المدربين، من خلال الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالتعاون مع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، عبر تنظيم دورات متعددة للحصول على رخص التدريب وتأهيل طواقم قادرة على قيادة الفرق والمنتخبات بكفاءة عالية. وقد أسهم ذلك في ظهور جيل بارز من المدربين الذين أحدثوا ثورة كروية في الملاعب الافريقية والعربية والدولية، ضمنهم وليد الركراكي، جمال السلامي، طارق السكتيوي، الحسين عموتة، محمد وهبي.. وغيرهم، ممن أصبحوا أعمدة في تطوير كرة القدم الوطنية والإفريقية.

على صعيد البنية التحتية للملاعب والمنشآت الرياضية، شهد المغرب تحديثاً واسعاً استعداداً لاستضافة البطولات الكبرى. فقد تم اختيار تسعة ملاعب في ست مدن لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025 التي ستُقام من 21 دجنبر 2025 إلى 18 يناير 2026، من بينها ملاعب حديثة في الرباط، البيضاء، طنجة، فاس، وأكادير. كما تم افتتاح وترميم ملاعب رئيسية في الرباط، منها الملعب الأولمبي بسعة 21 ألف متفرج، وملعب الأمير مولاي عبد الله بسعة 69.500 متفرج تم الانتهاء منه في شتنبر 2025 لاستقبال مباريات أمم إفريقيا 2025 ومنافسات كأس العالم 2030.

كما يعمل المغرب على تشييد ملعب الحسن الثاني ببنسليمان والذي سيتسع لما يقارب 115.000 متفرج ضمن التحضيرات لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، ومن المتوقع أن يصبح هذا الملعب أحد الأكبر عالميًا عند اكتماله في 2028.

ولم يقتصر الاستثمار على الملاعب، بل شمل تطوير البنية التحتية المحيطة بها من طرق ومواصلات وفنادق ومحطات نقل حديثة، بما يخدم الجانب الرياضي والاقتصادي والسياحي، ويعزز مكانة المغرب على الصعيد الدولي كوجهة رياضية عالمية.

وعموما، يمكن القول إن ما تحقق اليوم في كرة القدم المغربية من إنجازات، أرقام، تكوين لاعبين ومدربين، وتطوير البنى التحتية، ليس مجرد نجاح عابر، بل نتيجة رؤية ملكية استراتيجية طويلة المدى بدأت منذ مناظرة الصخيرات، وأثبتت فعاليتها في تحقيق نتائج ملموسة على المستويات القارية والعالمية، مما يجعل المغرب نموذجاً رائداً في تطوير كرة القدم ويضعه في موقع قوة بين الأمم، مع توقعات واسعة بأن يكون المنتخب المغربي منافساً قوياً للفوز بكأس العالم 2026، وفق ما يؤكد أكثر العارفين بشؤون كرة القدم.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة