تاعرابت ، بلفوضيل، أديبايور ، هذه ليست سوى عينات قليلة من ظاهرة خطيرة تعرفها القارة السمراء عشية انطلاق عرسها الكروي أبطالها اللاعبون الأفارقة المحترفون في أوروبا ، حيث يرفض الكثير منهم تلبية نداء منتخبات بلدانهم للدفاع عن ألوانها ، و آخرون يماطلون و لا يحضرون الا لتأدية الواجب و يستعجلون عودتهم إلى أوروبا.و هو ما جعل الأوساط الرياضية خاصة الإعلام و الجماهير تشكك في ولاء هؤلاء هل هو : هل هو لمنتخباتهم الوطنية أم لأنديتهم الأوروبية خاصة انه لم يحدث ان رفض لاعب محلي الانضمام إلى المنتخب في هذه البطولة.
و رغم أن هذه المسالة ليست جديدة بحكم أن دورات سابقة عرفت نماذج منها لعل أبرزها رفض صاحب الكعب الذهبي رابح ماجر المشاركة في نهائيات المغرب عام 1988 رغم أن أسمه ورد في لائحة الـ 22 آنذاك عندما كان ينشط مع نادي فالنسيا ، فرغم قدمها إلا أن الحديث عنها يتجدد و يشتد مع إنطلاق كل دورة و يخفت بمجرد أن تنتهي و حتى أولئك اللاعبين الذين رفضوا تمثيل المنتخب يتم العفو عنهم تحت غطاءات كثيرة و يعودون إلى التشكيل الأساسي معززين مكرمين دون حياء.
الكثير من المتابعين للموضوع يؤكدون بأن ولاء اللاعب الإفريقي لمنتخبه الوطني قليل فهو يفضل تركيز جهوده على النادي الذي يلعب له و يقرر مستقبله وفق ما يخدم مصالحه مع النادي و وفق زاوية مادية قبل أي اعتبار أخر ، فالنادي هو الذي يمنحه راتبه الشهري و هو الذي يعالجه من الإصابات التي تعترضه خلال مسيرته التي يعتبرها محدودة و من حقه ان يؤمن مستقبله و مستقبل عائلته الاجتماعي ، و يؤكدون بأن هذا الطرح حقيقي و واقعي خاصة بالنسبة للاعبين الذين لم يضمنوا تواجدهم في التشكيلات الأساسية لأنديتهم .
كما يرون بأن اللاعب الأفريقي المحترف في أوروبا ممن بلغوا مستوى عال من الشهرة و النجومية و خاصة الذين ولدوا و ترعرعوا في القارة العجوز أو من غادروا أفريقيا في أعمار مبكرة يفقدون الشعور بالروح الوطنية و يعتبرون اللعب للمنتخب في هذه البطولة القارية لن يضيف لهم أي شيء لا فنياً و لا مادياً و من الأفضل إعطاء كل جهودهم للنادي الذي فضلاً عما يمنحهم اياه من امتيازات مادية فانه يمنحهم فرصة للتألق و إثراء سجلهم ببطولات تغنيهم عن كأس أمم أفريقيا .
و مما يزيد من تأكيد هذه المقاربة هو انه لم نسمع عن رفض لاعب أفريقي في أوروبا تمثيل منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم على مر السنين ، لأنها بطولة كبيرة و جميع النجوم يحلمون على الاقل بالمشاركة فيها ، و يضربون أمثلة عن هؤلاء الأفارقة الذين يصنفهم البعض في خانة الانتهازيين مثلما حدث مع المنتخب الجزائري في مشاركاته الثلاث في المونديال حيث كان الخضر يتأهلون بتشكيلة و يخوضون النهائيات بتشكيلة أخرى بعدما يتم إبعاد العناصر التي صنعت التأهل و استدعاء من يوصون بالمحترفين رغم ان بعضهم لا يحمل من صفة الاحتراف سوى الأسم و مع ذلك يلبون النداء و تجدهم يقدمون دروساً في الوطنية و يصرون على التقاط صور حاملين العلم الوطني .
و مقابل وجود من يصف هؤلاء اللاعبين بالانتهازيين أو حتى الخونة فأن هناك من يدافع عنهم من منطلقات عديدة و يطالبون بعدم معالجة الموضوع من زاوية واحدة بل لا بد من تدويره من مختلف الزوايا و الجوانب ، فالتشكيك في وطنيته و انتمائه في نظرهم مرفوض أو على الأقل لا يجب تعميم نفس الحكم على جميع اللاعبين ، كما يجب مراعاة ظروفهم في أوروبا فحسب وجهة نظرهم فان اللاعب الأفريقي هناك موقفه ضعيف مع إدارة ناديه حتى في ظل وجود لوائح للاتحاد الدولي تسمح له بترك ناديه و المشاركة في البطولات التي تدخل في أجندته ، فهناك أساليب أخرى تلجا إليها الأندية للانتقام من هؤلاء اللاعبين الذين تعتبرهم متمردين ، إذ أنهم يتعرضون لتهديد من قبل مدربيهم بإبقائهم على دكة الاحتياط و من مسئوليهم بفسخ عقودهم أو تحويلهم إلى الفريق الرديف ، و طبيعي جدا أن لاعباً في مقتبل العمر يخشى على مستقبله القصير من تلك التهديدات فلا يجد حلاً اخر سوى الاعتذار عن اللعب مع منتخبه طالبين العفو و تفهم موقفهم.
و يحملون جزءا من المسؤولية لإتحاداتهم الوطنية التي ظلت تتنصل من المسؤولية و لم تدافع عن حالات كثيرة تعرض أصحابها لجور الأندية الأوروبية ، خاصة في حال تعرضهم إلى إصابات خطيرة و وأفضل مثال على ذلك ما تعرض له اللاعب الجزائري بلباي قبل حوالي عشر سنوات عندما وجد نفسه تائهاً اثر إصابته مع الخضر و اضطر الجنوب الأفريقي بنديت ماكارتي إلى فسخ عقده مع ويستهام الإنكليزي و التوقيع لمواطنه اورلاندو بيراتس بسبب إصراره على تلبية نداء البافانا في الوديات الإعدادية لمونديال 2010 ، فضلاً عن ذلك فأن اللعب في أفريقيا يطرح إشكالاً لا يمكن تجاهله بالنسبة للاعبين القادمين من أوروبا ، و يتعلق بالتأمين الصحي خاصة أن نسبة تعرضهم للاعطاب الخطيرة كبيرة بسبب الخشونة الزائدة و التحكيم السيئ و أموراً أخرى يمكن ان تحدث لهم ، و في هذا الصدد ربطت مصادر تماطل اللاعب الجزائري علي بن عربية في الالتحاق بالخضر عام 1999 بقضية التأمين شأنه شأن جمال بلماضي .
و يحملون بعض المسؤولية للاتحاد الأفريقي ، ذلك أن إقامة البطولة في منتصف الموسم يجعل من الصعوبة بما كان على أي لاعب الاستجابة لنداء المنتخب في وقت تقام جل البطولات القارية و الدولية في نهاية الموسم مما يسمح لجميع لاعبي العالم بالمشاركة فيها دون الدخول في متاهات مع أنديتهم و حتى في حال أصيبوا فأن فرصة علاجهم و اللحاق بالموسم الجديد تكون وفيرة ، و يرون بأنه مثلما نجد ولاء فهناك أيضا وفاء ، فيلا يعقل لاي لاعب أن يأتي إلى أفريقيا ليصنع أفراح بلاده و يترك ناديه يتخبط في أسفل الترتيب خاصة بالنسبة لبعض اللاعبين الذين يمثلون كوادر النادي و غيابهم قد يتسبب في هبوطه أو إهداره بطولة أو بطاقة قارية .
و مما يزيد الطين بلة و يضع اللاعب في حرج كبير هو إمكانية بقائه في دكة احتياط المنتخب فما الداعي وقتها لاستدعائه إذا لم يتم الاعتماد عليه و هو أمر وارد جداً ما دام أن هناك تقريباً في كل منتخب إفريقي أكثر من 11 لاعب ينشطون في أوروبا، و أكثر من ذلك فأن هناك عدة نقاد يؤكدون بأن بعض اللاعبين يلجئون الى الحيلة فيشاركون في البطولة دون أن يقدموا نفس العطاء الذي يقدمونه مع النادي فيتفادون الإصابات و يتحاشون اتهامهم بعدم الولاء للوطن.
ووفقا لهذه المعطيات فأن المسالة تحتاج إلى معالجة خاصة من قبل الإتحادات الإفريقية معالجة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المنتخب دون إهمال مستقبل اللاعب من خلال مراعاة ظروفه مع ناديه ومدى قدرته على تحمل الضغوط التي قد تمارس عليه ، و لا يجب مقارنة لاعب مثل يحيى توري في مانشستر سيتي مثلا مع لاعب آخر ، فتوري عندما سيعود إلى إنكلترا سيجد مكانه محجوزاً حتى لو رحل المدرب و حتى في حال قرر إبعاده فهناك أندية كثيرة مستعدة لضمه.
إيلاف