إنسان الألفية الثالثة
عبد اللطيف مجدوب
مدخل عام عبر بوابة المستقبليات
يتكهن علم المستقبليات Futures Science ؛ بما أصبح يمتلكه من أدوات الرصد والمعالجة والإحصاء والتوقعات ؛ أنه في ظل التوسع الذي تعرفه وسائل الاتصال والتواصل ، وولوج الإنسان إلى الطفرة الرقمية Digital leap، ستأخذ الرقعة الجغرافية البشرية ؛ في المستقبل المتوسط ؛ في التضاؤل إلى درجة سيكون في مقدوره ؛ بفضل أجهزة التنصت والمراقبة والتجسس ؛ رصد كل ظاهرة وتتبعها وامتلاكها وإخضاعها إلى البنك المعلوماتي Data Bank . والأدهى من هذا توظيفها في حقول التزييف واستنبات حقائق ومشاهد مماثلة ، بقصد السطو على الحقوق والسعي إلى تملكها ، مهما كانت الوسائل والتي ستعرف بدورها خروقات سافرة لكل المعايير الأخلاقية والقيم الكونية التي درج عليها أسلافنا .
تعاظم الإمبراطوريات المالية
يشهد تاريخ الاقتصاديات الدولية حاليا حركية محمومة في تعاظم الإمبراطوريات المالية واتساع نفوذها ؛ مكتسحة كل الأسواق الصغرى ، وبالتالي ستعرف الاقتصاديات المحلية Local Markets نكوصا وتراجعا أمام تغول نظيراتها الكبرى ، وستجد نفسها أمام تحد يحكم عليها بالفناء ، إذا هي لم تشكل مع الوحدات الصغرى سوقا بمواصفات معينة قابلة وقادرة لأن تصبح شريكا لسوق إقليمية أو قارية مرتهنة لحاجيات الإنسان .
هذه المنافسة الاقتصادية الشرسة غير المتكافئة بين الدولية الموسعةGlobal wide ، والإقليمية الضيقة Regional narrowed ، سيتولد عنها توجيه العقل البشري إلى تعميق ثقافة النصب والاحتيال والسعي الحثيث إلى الغش والتدليس ومراكمة الثروات والربح السريع بأقل تكلفة ؛ وفي خرق سافر لكل قوانين قيم السوق والتنافسية .
تداعيات جد خطيرة
من التداعيات الأولية لانتشار ثقافة الربح بهذه المواصفات انحسار القيم الإنسانية والأخلاقية ، وولوج الإنسان إلى عالم يسوده الشك ، ويرتفع فيه منسوب القلق إضافة إلى أمراض مزمنة ؛ كما تكهنت به منظمة الصحة العالمية World Health Organization ) WHO ( كداء العصاب وتصاعد معدلات ظواهر الانتحار والاكتئاب بمعدلات جد مهولة تفوق كل التوقعات ، إلى جانب تصدر الجريمة ؛ بمختلف صورها ؛ الأخبار اليومية . وفي ظل هذه البيئة القاتمة ستغدو الحقوق بمفهوم ذات حدين ؛ يتم تكريسها من طرف الدول الأكثر هيمنة على اقتصاديات العالم ، كسلاح تشهره في وجه الدول المارقة .. بيد أن حقوق المواطن العادي ستكون محل مساومات ، طالما كان الخصم شرسا قادرا على إغراء القضاء . على أن مصادرة الحقوق بهذه البشاعة سيستتبعها ازدهار سوق أسلحة الدمار ، والفتك بالإنسان سواء عبر الأسلحة الكلاسيكية أو الجرثومية أو الرسائل الملغمة .. أو الاختطاف أو النفي ... ،
وفي هذا السياق يجدر بنا التوقف عند ظاهرة الإرهاب التي ستأخذ لنفسها مسارات وتشعبات لتتحول إلى ظاهرة كونية لامنتمية لجنس أو عقيدة أو جغرافية معينة ، كما أن وسائلها ستعرف ؛ هي الأخرى ؛ صورا جد تراجيدية مرعبة ؛ يمكن في عملية إرهابية واحدة لها أن تزهق أرواحا بالمئات ، عبر أسلحة بيولوجية أو جرثومية . كما سيكون بمقدورها تعطيل شبكات التواصل عبر العالم أو التحكم في مسارات الطائرات والسفن والبوارج الحربية ، فضلا عن إقدامها بين الحين والآخر على تعطيل الإضاءة بالمدن الكبرى .
انشطارات وتصدعات في بنية الدول
تشير الأبحاث وكذا الإحصائيات المستقبلية Future Statistics إلى أن الدولة ؛ بالمفهوم القانوني المتصل بالإنسان والجغرافية والتاريخ واللغة .. ؛ في طريقها إلى الزوال لتحل محلها أو بالأحرى لتنبثق عنها دويلات أو مجموعات إثنية محتلة ، تبعا للنموذج البشري الذي سيهيمن على الساحة ؛ نموذج بشخصية ذات خصوصيات متفردة ستبدو لنا حاليا ؛ وعلى بعد بضعة عقود ؛ موغلة في الغرابة والتميز ، مقارنة لها بالإنسان السوي ؛ إنسان يسعى بكل وسائله المسخرة للاستقلالية وعدم التبعية لأحد ، أو سيكون مضطرا إلى خلق جماعة ضاغطة لها طقوسها وعاداتها المتفردة ؛ قد تعود به القهقرى إلى عصور الظلام أو بداية العصر البرونزي ، وبالتالي فالولاء إلى الدولة سيعرف عصيانا غير مسبوق ؛ ومن ثم الإسراع بانشطارها وتفجيرها من الداخل . هذا الانشطار والتفتت سيلاحق العديد من الدول ، سواء في أمريكا أو أوروبا أو إفريقيا .
