الحق يعلو ولا يعلى عليه والروح عزيزة عند الله مهما طالت الايام لابد من ظهور الحقيقة، وهي ما نتطلع إليها
عبد العزيز الإدريسي
منذ سنوات خلت ونحن نسمع بكلمة منبوذة لدى عامة الناس، وهي "الفساد" و أخيرا توسم المواطنون العاديون خيرا بعد المصادقة على دستور 2011، والذي حمل ما حمل من بنود وفصول يمكن أن يقال عنها قومت مسار المغرب إلى الوجهة الصحيحة أكثر من أي وقت مضى، ومن أهم هذه الفصول:
ربط المسؤولية بالمحاسبة، غير أن المواطن لم يلمس بعد مفهوم هذا الفصل بكل وضوح وشفافية، ونال كل مخالف لهذا الفصل عقابه، أو على الأقل تم ربط مسؤوليته بالفعل المخالف، وهو في انتظار المحاسبة، وأعتقد أن السبب في تأخير تطبيق هذا الفصل الذي أثلج صدور الأبرياء المحبين للوطن هو تنزيل مضامين الدستور واستكمال الهياكل المؤسساتية الدستورية، حيث أنه في الأيام القليلة الماضية ستشرع في إحداث وتنصيب هذه المؤسسات الدستورية، وموضوع ربط المسؤولية بالمحاسبة ورد في الباب الأول "أحكام عامة" الفصل (1) مفاده باختصار:
* نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية، وهي مطالب الجماهير الشعبية المغربية التي لا تثق إلا في ملك البلاد.
* يقوم النظام الدستوري للمملكة على أسس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية.
* تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي.
* التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.
أما الفصل الثاني من هذا الباب، مفاده هام جدا حيث يقول:
* السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها.
* تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.
الفصل السادس من هذا الباب، ونجده يؤكد أن:
* القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.
* تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
أما الفصل (27) من الباب الأول، منح المواطن حق جد هام لم يكن يستفيد منه سابقا، ومفاده:
* للمواطنات و المواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
لكن مع الأسف الشديد لازالت توجد بعض الإدارات العمومية تمتنع عن هذا الحق، وقد توقع الطالب لهذا الحق في ضياع حقه.
أما الفصل 37 من هذا الباب، فهو واضح وصريح، والامتثال له واجب أخلاقي وديني ووطني، وقوله،
* على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلاءم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات.
أما الأمر الذي أثار انتباهي وحيرني في الأيام القريبة الماضية، وهو عندما استجد جديد في نازلة وقعت منذ 1993، وهي جناية يعاقب عليها القانون، كما يضمن هذا القانون للظنين حقه ومن بينها حقه في التزام الصمت، وحق الاستفادة في اقرب وقت ممكن من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه طبقا للقانون، وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة.
والإشارة هنا في هذا الصدد هو ان زملاء هذا الظنين بدأوا يشهرون أداة التهديد والتخويف، بالتشكيك في نزاهة القضاء قبل أن يحدث أي إجراء قضائي فمنهم، وبالتالي لم يمتثلوا إلى ضرورة فصل السلط وتوازنها وعدم المساس بمقومات دولة الحق والقانون، وهم دون ان يطالبوا بشروط ضمان شروط المحاكمة العادلة، واحترام قرينة البراءة، والمساواة.
والمساواة امام العدالة بدون أي تمييز، أو انتقائية وبالتالي تحصين القضاء من التأثيرات السلطوية، كيفما كان نوعها ومصدرها.
ويؤكد الحقوقيون على ان هذه الخروقات القانونية التي ارتكبها البعض وهم مسؤولون حكوميون في بعض التدوينات، وهو يدافع عن زميل له في الحزب، وإن كان هذا الزميل متهم بالمساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وهو يعلم علم اليقين أن النازلة تختلف وقائع المتابعة فيها عن ما حكم به هذا الظنين، وهو ما يعتبر عند الحقوقيين بالمغالطة، وانزلاقات تتدخل في اختصاص القضاء، وأساسا أن الذي تدخل هو مسؤول حكومي، والقانون يجرم مثل هذا الفعل، وقد يرتقي هذا الفعل إلى جناية يحال بها هذا المتدخل لصالح الظنين على الوكيل العام المختص للبحث والتحقيق والتدقيق في حيثياتها وملابساتها، والتدخل قد لا يكون فعليا وشخصيا و إنما قد يعتد به إن وقع عبر الإعلام، أو الخطاب، أو التصريح، والغريب في هؤلاء زملاء الظنين يلتمسون عدم التحقيق والمتابعة و كأن هذا الشخص فوق القانون، والآخرون ليس لهم حق الحياة كما نص على ذلك دستور 2011، والغرابة في الموضوع أن المسؤول الذي يدافع عن هذا الظنين، وهو يقول أنه تلقى باندهاش متابعة هذا الظنين بتهمة المساهمة في القتل العمد، وهو يعلم أن قاضي التحقيق قد رفض ملتمس دفاع الظنين بسبق البث، وأن الدفاع استأنف رفض هذه الملتمسات لدى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، وهي غرفة لها مكانة متميزة داخل الجسم القضائي المغربي بالعديد من الاختصاصات، ومنها مراقبتها لقرارات قاضي التحقيق، لذا ليس لرجل قانون أن يندهش للمتابعة، حيث إذا ما بحث المختص في هذه الواقعة لوجدها تختلف كل الاختلاف عن ما يدعيه رفقاء الظنين، وهو ما يعبر عنه بمحاولة التأثير عن القضاء وتعتيم الوقائع عن المتتبع لهذه النازلة، وخصوصا القول بأن المتابعة خرق خطير يوجب المساءلة.
ونجد زميلا آخر للظنين وهو مسؤول كبير أيضا، يقول لا أتخلى عن زميلي في الحزب، وهي كلمة لها أبعاد متعددة ومتنوعة، وقد تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها، لذا على هؤلاء تحكيم العقل والمنطق وهم عارفون ودارسون وامتهنوا، وتحملوا مسؤوليات سياسية وقضائية و إدارية، وحتى تشريعية، وهذا ليس بعزيز على العاقل المحنك وصاحب تجربة، اللهم إلا إذا كان طاغية عديم الضمير يأخذ ولا يعطي.
واعتقد إن هم تمادوا في أفعالهم هاته الغير العقلانية قد ينجروا هم أيضا إلى التحقيق، ويقول المثل (اللي دار الذنب يتسحق العقوبة).
وما وجد القانون والقضاء إلا من أجل الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، فإذا كان الحق إلى جانب الضحية فالجاني ومن يسانده عليهم بقبول الحكم بصدر رحب، أما وإذا كانت البراءة وهي الأصل قبل التدقيق وبعده فهنيئا للظنين وزملاءه، ولكن عليهم بل من الواجب عليهم أن يتركوا القضاء يتبع مجراه من اجل الحقيقة، فالمتهم ابن الوطن، والضحية ابن الوطن، لذا لا يمكن أن يغلب الباطل عن الحق، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.
والشيء الذي يدعو إلى الاستغراب أكثر هو أن هؤلاء الذين يودون مناصرة زميلهم على حساب مواطن اغتصب في حقه في الحياة، كما اغتصبت عائلته التي كانت عاقدة عليه آمال قوية في الرفع من معنوياتها الاجتماعية، قلت أن أولائك المناصرون كانوا في الأمس القريب ينادون باستقلالية القضاء.
وعلى ضوء هذه النازلة، والقضاء فيها هو الذي له الصلاحية المطلقة في إظهار الحقائق وتكييف الجريمة والحكم بناء على قناعته بالحقيقة، أما المتدخلون المحاولون التشويش على القضاء أو الذين يوجهون له النصائح ويذكرونه في أحكام الماضي البعيد أو مآل بعض القضاة الذين سموهم بالمنسيين لأنهم كانوا يصدرون أحكامهم بناء على تعليمات، القول لهم أن هذه هي سنة الحياة الدنيا لأنها كالمنزل الذي له بابان، تدخل من الأول وتخرج من الثاني، والحديث الشريف يقول: القضاة ثلاثة، قاضي يحكم على هواه فهو في النار، وقاضي يحكم بدون علم فهو في
النار، وقاضي يحكم بالحق فهو في الجنة، تلك هي المهن، وتلك هي أحوال الناس والبشر بصفة عامة، فيهم الصائبون وفيهم الخطاءون، وكم من بريء دخل السجن جراء خطأ أو فقدانه لبرهان براءته وإن كان هذا يحدث بعد حين، و كم من شخص حكم بالإعدام وفيما بعد ظهرت براءته، أو اغتصب في حقه وظهر الحق فيما بعد، وما ضاع حق من ورائه مطالب.
لذا على الجميع بالصبر والانتظار والتريث، ولا نمنح لهذه النازلة أكثر من حجمها، فإن الأمور ستتعقد وقد يحدث زلزال سياسي عنيف وتتجلى الحقائق، وعموما ان المغاربة أذكياء وهم واعون غاية الوعي بمجريات الأحداث وجلهم على معرفة بهذه النازلة منذ تاريخ وقوعها، وان الذين يعملون من أجل طمس الحقيقة وانحراف النازلة عن مسارها الحقيقي قد يجنون على أنفسهم سياسيا واجتماعيا، وأساسا أن الجماهير الشعبية فطنوا باللعبة السياسية التي خدعوا فيها أكثر من الطبقة الواعية المثقفة.
إنه مجرد رأي خاص، وليس بنصيحة و تأويل أو شماتة أو حقد، فانا لست متحزبا ولا أعرف الجاني أو المجني عليه، المسألة في يد القضاء وعلى الجميع الحياد، حتى يقول القضاء كلمته وهو مستقل دستوريا، دون أن يشوش عليه أحد، وأملي أن يبتعد القضاة الذين يهمهم هذا الملف عن قراءة الصحافة سواء كانت مكتوبة أو مقروءة أو سمعية بصرية في هذه المرحلة من التحقيق والمحاكمة، وذلك عن طوع منهم، كما آمل أن توفر لهم الحماية الأمنية.
و برأي المختصين وتبعا للنقاش الدائر حول النازلة بين رجال القانون، فالنازلة ذات موضوعين لا يتعلقان بنفس الوقائع، وإن كان البعض يحاول تغييرها و إضفاء صيغة البراءة، فإنه من الصواب هو ترك الأمر إلى القضاء وهو المختص كما تمت الإشارة إليه، حتى يقول كلمته النهائية التي هي عنوان الحقيقة مهما كان هناك رأي مخالف.
والاعتقاد فيما يخص الموضوع الأول فهو تقادم الأفعال، وهو أمر يتعلق بالنظام العام وتحكمه نصوص قانونية ملزمة للجميع.
أما الموضوع الثاني هو صدور حكم نهائي يخص الوقائع المتابع بها المعني بالأمر، علما أن القاعدة الأساسية وفق القانونيون في مادة الإجرام أنه لا يجوز متابعة شخص عن وقائع حوكم بها ولو بتكييف تلك الوقائع بصفة أخرى.
إن استقلال القضاء لا يعني عدم جواز انتقاد أحكامه أو عدم مناقشتها فذلك أمر مسموح به بل ومطلوب لتطور الفكر القانوني في أي بلد، والكتب القانونية والمجلات المختصة مليئة بالآراء القانونية "الموافقة والمعارضة" للأحكام التي يصدرها القضاة، في مختلف المحاكم، وكل تعليق أو مناقشة يجب ان تتم في احترام كامل للأطراف، والأكيد أن استقلال القضاء يعني منع التدخل بأي شكل من أجل إملاء نظرية معينة على القاضي أو دفعه إلى إصدار حكمه مخالفا لاعتقاده أو ضميره أو القانون تطبيقا للفصل 109 من الباب السابع من دستور 2011.
"يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليقات ولا يخضع لأي ضغط"
أما الفقرة الأخيرة من هذا الفصل، فتقول: "يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة"
وخلاصة القول في هذا التحليل المتواضع والذي هو ليس بفتوى قانونية أو تاويل أو رأي قانوني، وإنما مساهمة في تحليل النقاش الدائر حول هذه النازلة، وان الفصل 119 الباب السابع من دستور 2011.
"يعتبر كل مشتبه فيه او متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به".
اللهم أرينا الحق حقا، وارزقنا إتباعه، وارينا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
