إسلام "الاستسلام" وشل العقل أمام "كورونا" !
عبد اللطيف مجدوب
في أتون الهلع والرعب اللذين يخلفهما المارد الجبار "كوفين-19" ؛ وهو يحصد ضحاياه بمئات الآلاف في أنحاء العالم ، نشطت بعد خمود العديد من براكين المواقع الالكترونية ؛ وعلى رأسها منصات التواصل الاجتماعي ، بعضها يزعم أنه يساهم في توعية الجماهير الشعبية بمخاطر الفيروس وطرق الوقاية منه ، وبعضها يروج لأدعية وأذكار "قمينة" بطرد نعلة "الفيروس" وجلائه عن ذواتنا . بيد أن المفارقة العجيبة في كل هذا بروز تيار "دعوي" يرى دعاته وأدعياؤه أن الفيروس هو "سخط" الله أنزله على عباده بقصد تنبيه الغافلين ورد المارقين ، ومن ثم وجب طلب المثوبة والعدول عن إتيان الكبائر والعودة إلى جادة الصواب والتسليم لقضاء الله وقدره .
وفي ركاب هذا اللغط يروجون لآيات قرآنية وأقوال مأثورة ؛ يلبسونها أو بالأحرى ينزلونها على أوضاع اجتماعية وأزمات لينتحلن لها فتاوى نسوق ؛ فيما يلي ؛ أبرز نماذجها :
* "المرض جند من جنود الله " ؛ اقتبسها بعض "المتصوفة الغلاة" من الآية القرآنية { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } الأعراف 133 . أيجوز ؛ في المعتقد الحنفي الصافي ؛ تصور الخالق سبحانه أن يكون له جنود آخرين غير الملائكة من طينة خبائث الأرض وجراثيمها وأوبئتها ... مما تطفح به ألسنة وكتب ومواقع هؤلاء "المتأسلمون" الذين يزعمون لأنفسهم منازل ومقامات "التوحد" والقرب "والفناء" في المطلق ؟ حاشى وتعالى الله علوا كبيرا .
* "تحريم قتل الجراد " ؛ بتبني الفهم المغالط ومقاييس هؤلاء "الدعاة" سيكون الجراد أحد هؤلاء الجنود ، وقياسا على الآية القرآنية الآنفة ، سيصبح قتله ـ في زعمهم ـ كمن اقترف إثما وربما ألحقوا بهذا التحريم كلا من القمل والضفادع !
التسليم والاستسلام
من خصوصيات هذا الفكر المتحجر الموالي للأصولية المتطرفة والسلفية تحديدا الفهم الضيق لبعض الآيات القرآنية على شاكلة قول الحق تعالى : { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. الآية } التوبة 51 ، فيربطونها بالعبثية تارة والبدعة أخرى لكل من حاول إيجاد وسائل للمقاومة والخروج عن مقتضى نص الآية ، وفي آن يتغاضون أو يتناسون قول الله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } الشورى 30 .
غلق المساجد ودور العبادة زمن "كورونا"
إن تفشي هذا الوباء عطل بالكاد الحركة في كل أنحاء المعمور ، وحول حياة الإنسان إلى ذعر يتهدده في كل خطواته وسكناته ؛ ومن ثم ؛ ودفعا لكل أضراره والوقاية منها ؛ شددت السلطات في كل البلدان ؛ بغض الطرف عن درجة ومستوى إصابتها بالفيروس ؛ على تحاشي كل الأماكن التي تعرف تجمعات واحتكاكات أشخاص وكل تلامس بشري ، ومنها دور العبادة ، لكن الفكر التكفيري يأبى إلا أن يرفع عقيرته محتجا ومنددا بقرار هذا الإغلاق الذي يرى فيه "ردة جديدة" وخروجا عن الجماعة ، لطالما كان الموت واحدا وإن تعددت أسبابه ... وينسون في ذات السياق قوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185 .
نحن هنا ؛ في هذه الملاحظة ؛ لا نحاول الترامي على اختصاصات فقهية لها أهلها ، لكن إعمال العقل نعمة ، فالتسليم والاستسلام أمام النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال المأثورة من غير محاولة النظر فيها على ضوء الواقع المعيشي وأسباب النزول هو جمود وتحجر ودعوة صريحة إلى توقيف عجلة التطور والنماء .
