في المسؤولية 1-مقدمة

في المسؤولية 1-مقدمة

سعيد المودني

من المسؤول؟

 

سؤال على وضوحه وبداهته، أسال الكثير من الحبر وأثار العديد من الجدالات، أكثر من ذلك وسبب فيضا من المشاحنات، حتى طغى على كثير من الجلسات بين الأصحاب والزملاء، بل وأضحى "موضة" للتناظر!!!..

 

والسبب أن النظام نجح فعلا من جهة، وكما قال السيد عبد الرحيم العلام في إحدى كتاباته، النظام نجح في تتييه الباحث عن المسؤول وتضليله، وذلك بتعمد العمل على تداخل المسؤوليات عموديا وأفقيا و"فئويا" بين المنتخبين والمعيّنين والسلطات الإدارية، حتى أنك إذا بحثت عن صاحب المسؤولية في مستوى أو "جهة" معينة، وجدت إحالة على مستوى أو جهة أخرى، فإذا ما وصلت العنوان المصرح به، ألفيت نفسك محالا على مستوى وجِهة ثالثة... وهكذا: دوران في حلقات مفرغة!!!.. طبعا هذا على المستوى الشكلي فقط، أما فعليا فالمسؤولية هي، في أكثر معانيها دلالة، مرادف السلطة، والسلطة لا نضل في البحث عمن يمتلكها، ولا أدَلّ على ذلك من أن صاحب السلطة الأعظم في بلد هو من لا يُعصى له أمر، إلا إذا لم يعط أي أمر!!!..

 

من جهة أخرى، فإن هذا النظام قد تفوق كذلك، وبامتياز، في خلق ضبابية قاتمة تخيم حتى على أفهام ومدارك المتعلمين من "أبنائه"، فما بالك بالأغلبية الأمية..

 

من وجهة نظري، سأتعرض للمفهوم ببضع محاولات تتناوله بكثير من التبسيط الذي قد يصل حد الإسفاف والضحالة والسطحية، بل وربما بعض "الشعبوية". لكن لا ضير، ما دام الطرح يناقش رؤى ويتعرض لجدالات طُرحت بالفعل، وينقل أسئلة وأجوبة تطرح في أرض الواقع من طرف أناس طبيعيين ينتمون إلى مختلف الأعمار والمستويات.. فطبيعي إذن أن يكون الجواب في مستوى السؤال ويماثله، وكذا لأنها(المحاولات) موجهة إلى العموم، وليست إنتاجا بحثيا أكاديميا..

 

سأتحدث عن "المسؤولية المؤسساتية" في تجاذبها وتنازعها بين الحاكم والمحكوم، ثم أورد لها تمثيلات "خشيباتية" وتجسيدات مبسطة مرت في نقاشات مع العديد من المساجلين في الواقع الفيزيائي وكذا في العالم الافتراضي على حد سواء، ثم أعرّج على المسؤولية الفردية التي يتحملها كل فرد بغض النظر عن مسؤولية مسؤولي المؤسسات التي ينتمي إليها، لأصِل إلى مسؤولية "الطبقة الوسطى"(المتعلمة) في التغيير المجتمعي والسياسي..

 

والواقع أنه سبق أن نُشر مقالان في الموضوع، أذكر هنا مضامينهما كي يكتمل النسق ويتضح السياق وينضج المعنى وتكتمل الفكرة..

 

فقد كان المقال الأول تحت عنوان: "المسؤولية بين التحريض والتنفيذ"، ومفاده أن المسؤولية كائن قابل للتشارك، وغير أحادي ولا حصري النسبة، ولا يخضع لقاعدة علاقة الكل بمجموع أجزائه من الناحية الكمية..

 

هو متعدد الروابط، قابل للتواجد في نفس الزمان في أكثر من مكان، ولا ينتفي بالضرورة وجوده لدى طرف حين تحققه لدى طرف آخر.. فتحريض الشيطان للإنسان على الجناية لا يعفي الإنسان من الذنب تماما كما لا يقي المارد الإفك، وكذا هي علاقة الأب بالابن والزوج(ة) بالزوج(ة) والرئيس بالمرؤوس والحاكم بالشعب...

 

فالمسؤولية إذن يمكن أن تكون مشتركة بنسب لا ينقص فيها نصيب طرف بازدياد نصيب الآخر، محرضا كان أو منفذا..

 

أما المقال الثاني، فكان بعنوان: "مسؤولية التغيير بين النخبة والعامة"، وخلاصته أنه نظريا لا يمكن لجماعة بشرية تنشد الانخراط في نشاط جماعي أن تهب دون قائد منسق، حيث لا يُتصور أن يتواعد أناس، في مكان ما، في زمان ما، دونما تنسيق أو رابط.. لذا فإن السلطات، عندما تريد وأد أية حركة، فهي لا تنفي الشعب ولا تسجنه، وإنما تكتفي بتطبيق ذلك على القيادات..

 

وكذلك لأن الدعوات القاعدية للاحتجاج ما فتئت تطلق، لكنها لم تنجب شيئا ذا بال في غياب تبني تلك الدعوات من طرف تنظيمات(هيكلة، هرمية، قيادة).. بل هناك شرارات أوقدت "حراكات" إلى أن خذلتها القيادات والنخب. ولو أرادت لها الاستمرار لكان لها ذلك..

 

في المقابل، كيف سيكون تعامل النظام لو أن نسبة من الشعب -كافية لخلق قوة مساوِمة- كانت منتمية إلى تنظيم معارض معارضة حقيقية في السر والعلن؟؟!!!.. هل كان سيجرؤ على العنجهية التي يتعامل بها مع الكم المشتت دون قيادة، أم سيرضخ؟ وقد رضخ لأقل من ذلك..

 

إن الدين المطلوب فيه الإخلاص أكثر من أي شيء آخر، لم يقذف الله تعالى الإيمان في قلوب العباد هكذا، وإنما بعث الأنبياء والرسل قصد قيادة الجماعة في بناء صرح كل دين جديد..

 

أكثر من ذلك، فإن القيادة والتنظيم في التجمعات لا تقتصر فقط على الإنسان، بل جل الخلائق الاجتماعية الطبع تنظم نفسها داخل كيان له قائد يقودها للمغنم أو المغرم..

 

إن الشعوب لها قيادات سياسية ونخب فكرية هي المنوط بها قيادتها وتأطيرها و"تحريكها"، أما وأن الطلائع السياسية والفكرية أغلبها متخاذل(لتواطؤ أو سوء تقدير فظيع يرقى لدرجة المشبوه)، فإن الشعوب المسكينة لا تحمّل أكثر مما تحتمل..

 

 

يتبع..

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة