جنود الخفاء في معركة كورونا
محمد زريوح
منذ أن بدأت أزمة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، والتي جعلته يعيش حياة أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها حياة كئيبة غابت عنها السكينة والطمأنينة. إذ لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع ماحصل، بعدما كان يعمل جاهدا كل يوم على الرفع من مستوى العيش لديه، وخلال هذه الضربة الموجعة، والمباغتة التي شتتت كل برامجه ،وخططه، وسياساته، جعلته ينكب مرغما على مواجهة فيروس كورونا المستجد ،بتسخير كل الإمكانيات التي يملكها، وعلى رأسها سلاح العلم والمعرفة الذي يمثل الجانب النظري منها، وكذلك أسلحة أخرى، تمثل الجانب العملي منها، ونقصد هنا كل الذين يعملون في الميدان من أساتذة وأطباء وممرضين وأمن وسلطات محلية وجيش وعمال الحراسة والنظافة وغيرهم...
ولايخفى على أحد أهمية ودور أولئك الذين ذكرتهم، والجهود والتضحيات التي يبذلونها ، في سبيل الحد من انتشار الوباء في أفق القضاء عليه، والعالم بأسره يشيد بهم، وبما يقدمونه. وهذا عمل جيد، وأمر مطلوب، لكن لا أحد تساءل : عن ما تقتضيه الظرفية الإستثانية تجاههم ؟ وأنا هنا سأقتصر فقط على الفئة الأكثر هشاشة اجتماعيا من بين أولئك الذين ذكرتهم- وهم عمال النظافة-، على أن نخصص للفئات الأخرى مقالا مستقلا في قابل الأيام بحول الله.
إن الظروف الاجتماعية والنفسية التي يعيشها عمال النظافة جد قاسية عليهم وعلى عائلاتهم، فهم يعانون من نظرة المجتمع التنقيصية_مع الأسف_ حتى وإن كانت في بعض الأحيان غير مقصودة، ويعانون كذلك من تعريض صحتهم للخطر، ويعانون أيضا من هزالة أجورهم... ومما زاد عملهم صعوبة هذه الجائحة التي ألمت بالناس، حيث أصبحت حياتهم مهددة في كل لحظة وحين، مما تولد عنه العذاب النفسي لديهم ولأسرهم.
أمام كل هذا، فإننا لم نر الدول والحكومات والجهات المشغلة تعلن عن حزمة إجراءات تعزز من فرص حمايتهم بالشكل المطلوب، وترفع شيئا من مرتباتهم تكون دافعا وحافزا لهم، وتخفف عليهم ما يعانونه في صمت مطبق. لم نر شيئا من هذا القبيل أبدا، رأينا فقط كلمات الشكر والتقدير والتنويه، وهم يعلمون يقينا_عمال النظافة_ أنهم كاذبون ليسوا صادقين فيما يقولونه، لأنهم لم يفعلوا لهم شيئا على أرض الواقع من شأنه أن يحسن من وضعيتهم، بل تدهورت أحوالهم من سوء إلى أسوأ حيث الضغط والمعاناة النفسية تواجههم أينما حلوا وارتحلوا....
إن مايقع اليوم من أزمة إنسانية لهي فرصة مواتية لمراجعة أوضاع هذه الفئة المهضوم حقها، وتصحيحها بتحسينها بما يتناسب مع طبيعة العمل، وبما يتلائم مع حفظ الكرامة لهم، إن أرادوا أن يثبتوا فعلا لهم بأنهم صادقين في كلمات الشكر والتنويه، أما إن لم يفعلوا، فاعلم أنهم لم يعد يجري في دمهم ذرة من إنسانية تجاه العمال والأجراء عموما، وعمال النظافة خصوصا.
لقد تبين اليوم واتضح مما لا يدع مجالا للشك للمجتمعات بأكملها، الأسس والأركان التي ينبني عليها كل مجتمع قوي وسليم، ( معلم يربيه، وفلاح يغذيه، وطبيب يداويه، وسلاح يحميه..) أما غيرها فتبقى من الأمور الثانوية التحسينية الترفيهية التي لايعول عليها، خاصة عند الأزمات والنكبات، لذلك أصبح من الضرورة بمكان إعادة ترتيب الأولويات وإيلائها الأهمية والمكانة التي تليق بها حتى يظل المجتمع محميا من الانهيار والانزلاق، حينما يجد نفسه في مواجهة الكوارث والأزمات..
إن إعادة النظر في أحوال هذه الفئة ورد الإعتبار لهم ،أصبح أمرا ضروريا أكثر من أي وقت مضى ، لأن دورهم في المجتمع جوهري وحقيقي، بحيث لو توقفوا عن عملهم ليوم واحد يظهر جليا وواضحا أثرهم ،مما يجعل المدن غارقة في الأزبال التي ينتج عنها الأمراض والأوبئة، عكس مجموعة من الوظائف الأخرى التي حتى وإن توقفت لا يظهر أثرها في الحين، هذه من ناحية. من ناحية أخرى، لأنهم يعملون كذلك وحياتهم ترزح تحت شبح انتقال الفيروس إليهم، وإلى أسرهم، وهذا هو الأخطر.
إن إنصاف هذه الفئة اليوم أصبح من أوجب الواجبات، ليس تفضلا منهم وإحسانا، وسأشير إلى أمر يؤكد كلامي، له بعد قانوني وهو أن العقد الذي يجمع بين العامل ومشغله لا يتضمن أبدا بند العمل تحت خطر الموت، إذن هذا ظرف طارئ وأمر مستجد ، مما يستوجب معه تجديد العقد حتى يتماشى مع طبيعة العمل الذي أصبح يرافقه خطر الإصابة بالعدوى الذي قد تؤدي إلى الموت كما أسلفنا.
وفي انتظار أن يتم الإلتفات لهذه الفئة التي غاب الاهتمام بها كما يجب، نتمنى السلامة للجميع من هذا الوباء. وهي دعوى إلى كل الضمائر الحية من الجهات المعنية، بأن تكون هذه المرة في مستوى الحدث من شأنها أن تغطي على تجاوزات الماضي.
